(
MENAFN- Alghad Newspaper)
هآرتس
عميرة هاس 20/11/2023
"في مفترق نتساريم أمرنا شخص عبر مكبر الصوت، بلغة عربية جيدة، أن نمر عبر كوخ من الصفيح، كما كان الامر ذات يوم في مخيمات اللاجئين. كنا بضع مئات نسير نحو الجنوب. رأينا هناك اشخاصا رفعوا أيديهم، وآخرين حملوا راية بيضاء ولوحوا بها، كانوا خائفين من تحريك الرؤوس يمينا أو يسارا أو أن يتوقفوا. هذه الاهانة لعملية الهرب كانت بالنسبة لي تجربة من التجارب الاكثر صعوبة في هذه الحرب"، هذا ما قالته ميساء (اسم مستعار) في محادثة هاتفية من مكان آمن خارج قطاع غزة، الذي وصلت اليه نهاية الاسبوع.
صوتها ظهر اقل تعبا بقليل مما كان في الرسالة الصوتية التي ارسلتها يوم الثلاثاء الماضي. هي تحدثت بطلاقة كعادتها. فقط عندما تحدثت عن جثة امرأة وعن اشلاء جثث شاهدوها في الطريق وعن الحقائق المرمية وبطاقات الائتمان واشياء اخرى كانت موجودة قربهم، اختنقت وكلامها تلعثم. هي وعائلتها رفضوا خلال شهر تقريبا مغادرة بيتهم في وسط مدينة غزة، رغم أنه يوجد للبنتين جواز سفر اجنبي، والثلاثة كان يمكنهم الخروج من القطاع. التقارير والإشاعات عن اطلاق النار على من يهربون من الشمال أو عن عمليات قصف لهم، أخافتهم.
هم خافوا من ذلك حتى بدرجة اكبر من عمليات القصف التي حدثت قرب بيتهم، والتي جعلت كل العائلة تهرب الى ممر داخلي في البيت أو الدرج كي تكون اكثر أمنا. ولكن في الاساس أخافتهم الانباء بأن الوالدة المسنة ستجد صعوبة في تحمل الصعوبات على الطريق – في الاصل لن يسمح لها بالانضمام اليهن في معبر رفح. الاجداد والجدات في غزة يمنع انضمامهم الى الاحفاد الذين لديهم جنسيات اجنبية. الخروج من القطاع مسموح فقط للآباء والأمهات الذين ليس لديهم نفس الجنسية.
"هناك أمران جعلاني أقتنع بالخروج بسرعة من البيت، قالت ميساء. الامر الاول هو القذيفة التي اطلقت على بيت قريب من بيتها. "سمعنا صوت الانفجار الضخم، كان هناك هدوء للحظة وبعد ذلك صراخ اطفال، فهمنا منه بأن هناك قتلى"، قالت. الامر الثاني هو البيانات الثلاثة باللغة الانجليزية التي ارسلها مكتب الارتباط الاسرائيلي في غزة لمن يعملون في منظمات الاغاثة الدولية. هذه البيانات الثلاثة ارسلتها اليها قبل القصف، في الساعة السابعة صباحا في ذاك اليوم. "الى سكان مدينة غزة"، كتب في البيان الاول. "الجيش الاسرائيلي يبلغكم مرة اخرى: سيكون مفترق صلاح الدين مفتوحا للحركة سيرا على الاقدام أو في السيارات، من الساعة التاسعة صباحا وحتى الرابعة بعد الظهر، من اجل الانتقال نحو جنوب وادي غزة. لا تستجيبوا لحماس. استمرار تواجدكم في المدينة خطير جدا".
في بيان آخر كتب أن الجيش سيوقف بشكل مؤقت القصف في منطقة رفح بين العاشرة صباحا والثانية بعد الظهر في نفس اليوم. "الجيش الاسرائيلي سيتخذ الوسائل المطلوبة من اجل الدفاع عن قواته في حالة أي نشاطات معادية موجهة ضدنا في هذه المناطق"، كتب. "هذه الهدنة تعطي فرصة للمدنيين في المنطقة من اجل استخدام شارع صلاح الدين للسفر نحو جنوب وادي غزة الى مناطق آمنة أكثر في جنوب القطاع". في البيان الاخير تمت دعوة من لم يتمكنوا من اخلاء منطقة الشاطئ الى مكان آمن: "من اجل أمنكم يجب عليكم المغادرة اليوم من العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء عبر شارع يوسف العظمة ومن هناك الى شارع صلاح الدين".
من اجل اعفاء ميساء من التردد، قررت والدتها (82 سنة) الخروج من البيت مع أحد الاحفاد والذهاب نحو الشمال الى مخيم جباليا للاجئين. "تقول ميسا بمساعدة ابن أختي نجحت في السير بضعة امتار حتى زاوية الشارع"، قالت. "هناك كان بانتظارها سيارة تم ترتيبها مسبقا. والدتي كانت متواجدة هناك مع كل ابناء قرية دمرة (قريتها قبل 1948، التي اقيم على اراضيها كيبوتس ايرز) وهي تشعر بالراحة معهم". حسب قولها الكثير من الناس بقوا في جباليا ورفضوا الامتثال لتعليمات الجيش والهرب نحو الجنوب، أو أنهم لم يستطيعوا.
سيرا على الاقدام، في السيارة وعلى عربة يجرها حصان
في الساعة التاسعة والنصف صباحا خرجت ميساء وبناتها من البيت، يافا (14 سنة) وبيسان (20 سنة). وقد اخذوا معهم حقائب صغيرة فيها قوارير مياه والوثائق الشخصية، جوازات السفر والنقود. "سرنا على الاقدام لبضعة امتار حتى شارع عمر المختار. من هناك سافرنا في سيارة الى ميدان الكويت. دفعنا مقابل هذا السفر 100 شيكل"، تذكرت ميساء المسار الذي مروا فيه. "هناك سرنا قليلا، بعد ذلك صعدنا على عربة يجرها حصان. سرنا نحو كيلو متر ودفعنا للسائق 15 شيكلا. بعد ذلك مشينا على الاقدام ربما نحو نصف كيلومتر آخر الى أن وصلنا الى مفترق طرق نتساريم". هي قالت "نتساريم"، رغم أنه مرت 18 سنة على اخلاء هذه المستوطنة الاسرائيلية. والاسم الرسمي لهذا المفترق هو مفترق الشهداء.
ميساء وبناتها اختلطن في قافلة تشمل نحو 700 – 800 شخص. ميساء تتذكر أنها شاهدت سيارات محترقة، لكنها لم تشاهد أي مبان مهدمة وتم قصفها. بعد مسافة قصيرة وجدت نفسها أمام بناتها اللواتي انتظرتهن. "اشخاص قالوا لي لماذا توقفت يجب أن تواصلي السير"، قالت. "الإشاعات تقول بأن الجنود يطلقون النار على كل من يحرك رأسه أو كل من يتوقف فجأة. أنا لم اكن استطيع معرفة اذا كانت هذه إشاعة أو أن ذلك أمر حدث حقا والناس كانوا شهودا عليه".
لكن ميساء توقفت وانتظرت الى أن لحقت بناتها بها. بطرف عينها شاهدت تلة رمال في المفترق وعليها توجد دبابات. بعد ذلك رأت كوخ الصفيح، حسب تعريفها، الذي طلب من الجميع المرور عبره. في التقرير اليومي الذي نشرته وكالة الامم المتحدة للمساعدات الانسانية "اوتشا" بعد يومين من ذلك، في 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، كتب أنه تم وضع حاويات على المفترق كحاجز، وأن الجنود نادوا على الناس من بعيد كي يمروا عبر الحاويات.
"الجندي الذي كان يحمل مكبر الصوت سأل يافا باللغة الانجليزية: هل تنوين الانضمام الينا أو المواصلة. البنات لم يفهمن قصده. أنا اشرت له بيدي بأننا نريد الذهاب نحو الجنوب. يافا قالت نحن نريد المواصلة. أنا لا اعرف اذا كان سمعنا. ولكنه قال استمروا. ايضا الاشخاص الذين سمعوه لم يعرفوا ماذا قصد بقوله واصلوا، أو ماذا قصد بالانضمام اليهم. أنا افترض بأنه لكوننا النساء الوحيدات في الطابور اللواتي لم نكن محجبات فقد توجه لنا باللغة الانجليزية. أنا لم اعرف اذا كان الجندي يمزح أو أنه حقا رغب في أن ننضم اليهم. عربة اوصلتنا الى دير البلح. يافا ارادت الاتصال مع صديقة لها وجدت ملجأ في النصيرات، التي الكثير من ابناء عائلتها قتلوا في عمليات القصف. ولكن شبكة الاتصالات انهارت ولم تنجح في التحدث معها. على مدخل النصيرات كان هناك عدد من الشباب الذين يوزعون المياه والبسكويت والتمر"، قالت ميساء. هناك وجدوا سيارة نقلتهم الى بيت اصدقاء في خانيونس. "في الساعة الواحدة والنصف وصلنا وجميعهم قالوا إنه كان لنا حظ"، قالت. "لقد توقعوا وصولنا فقط في المساء. هؤلاء الاصدقاء يستضيفون حوالي 70 شخصا آخرين، الذين بيوتهم هدمت في عمليات القصف".
MENAFN20112023000072011014ID1107461037