Sunday, 18 August 2024 01:24 GMT



آليات تمويل الرسوم الدراسية بين الواقع والمأمول

(MENAFN- Al Watan) في ظل تصاعُد وتيرة استحداث البرامج الدراسية مدفوعة الأجر مؤخرًا في الجامعات الحكومية، جنبًا إلى جنب بما هو معمول به في الجامعات والكليات الأهلية، أصبح من الضروري النظر في آلية الرسوم المالية الدراسية في الجامعات والكليات الحكومية والأهلية بالسعودية، التي تبدو أنها تُحاكي تجِربة غالبية دول العالم في الأنظمة والتطبيق، ولكن في الحقيقة لها جوانب مختلفة بناءً على الظروف المحيطة بهذا الشأن، ولا سِيَّما بما يتمثل في دعم الدولة السخي لقطاع التعليم الجامعي الحكومي.
ومما لا شك فيه أن كثيرًا من دول العالم تُعاني في توفير حلول جذريَّة لدعم الطلبة للحيلولة دون التعثر في دفع الرسوم الجامعية، وغالبًا ما تكون أحد أهم محاور نقاش المرشحين للمناصب الرئاسية والوزارية. وخلال السنوات القليلة الماضية، طرحت بعض الجامعات الحكومية برامج دراسية برسوم مالية، وفي الغالب هي برامج دراسات عليا، وبرامج الترقية الأكاديمية لحملة الدبلوم وكذلك برامج الكليات التطبيقية. وأيضًا طرحت جامعة الملك سعود مؤخرًا ولأول مرة برامج برسوم دراسية للطلبة من غير السعوديين. ومن هنا بدأ موضوع الرسوم الدراسية في الدخول بدائرة نقاشية أكبر بين أفراد المجتمع، والبحث عن حلول وآليات لحل هذه المعضلة لمن يرغب في الدراسة في البرامج التي تتطلب رسومًا مالية.
وبالنظر في تجارِب بعض الدول في هذا الشأن، نشر البروفيسور أندروا نورتون من جامعة أستراليا الوطنية مقالًا هذا العام بمجلة (The Conversation)، وتَحدَّث بعمق عن خطوات أستراليا عن طريق لجنة مختصة للإشراف على التمويل في التعليم العالي وربطه بالأهداف الوطنية، وذكر أنه من الواجب تخصيص مبلغ مالي لكل طالب أسترالي ملتحق في الجامعات والكليات، وهو ما تم فعلًا، على أن يُوضع سقف محدد لهذا الدعم، مما يكون عونًا على بقاء الجامعات والكليات في معترك المنافسة وحل من حلول استدامة الاستثمار البشري والاقتصادي.
وتتخذ دول أخرى مثل نيوزيلندا والمملكة المتحدة نهجًا مشابهًا، حيث تُغطّي الرسوم الدراسية في طرق عِدَّة مثل قروض مالية مصممة بشكل مختلف ومخصصة للطلبة، ومن ثم فإن الطلبة لا يدفعون عندما يذهبون إلى الجامعة، ولكنهم ملزمون في دفع الرسوم بعد التخرج.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قالت أنجيلا كوفلر، العضو في Global Strategy Group، إن النقطة الشائكة بالنسبة لمعظم الأميركيين هي أنهم لا يعتقدون أن التعليم العالي يستحق التكلفة التي يدفعها الطلبة، أو الديون المتراكمة عليهم بسببها، مقارنة بالرواتب التي يحصلون عليها بعد التخرج. ووجدت بيانات جديدة صادرة عن مركز بيو للأبحاث، التي صدرت في مايو 2024، أن ما يقرب من النصف (47٪) من الأمريكيين يعتقدون أن الدراسة الجامعية تستحق العناء فقط إذا لم يحصل الطلبة على قروض. علاوة على ذلك، وجدت دراسة استقصائية حديثة لـ Student Voice أجرتها Inside Higher Ed، إن الشهادة الجامعية لا تَزَل تحمل قيمتها التاريخية في تعزيز الدخل المادي، وأولئك الذين يحملون شهادة جامعية هم أقل عرضة للوقوع في الفقر، ولكن ارتفاع ثمن الالتحاق شَكَّل عائقًا بالنسبة للكثيرين. ويعتقد غالبية المشاركين (69٪) إن مؤسسات التعليم العالي عمومًا تتقاضى رسومًا باهظة مقابل التعليم الجامعي. ويقول 62٪ من طلبة المدارس الثانوية الذين يفكرون في خططهم بعد التخرج، إنهم قلقون بشأن كيفية دفع أجر الدراسة الجامعية، ويخطط 45٪ منهم للحصول على قروض طلابية، وفقًا لبيانات من مؤسسة ECMC في العام 2023. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها رابطة كليات الطب الأمريكية (AAMC) في أكتوبر2024، أن 70% من طلبة الطب الذين تخرجوا في عام 2023، قد تحملوا مستوى معينًا من الديون التعليمية بمتوسط بلغَ 200 ألف دولار.
وفي طرح اقتصادي عميق بالسويد وفنلندا، قال الدكتور ريكمان، الذي يشغل منصب كبير مستشاري جامعة آلتو بالعاصمة الفنلندية هيلسينكي، أن المخاوف تتعلق بإدخال الرسوم الدراسية في سوق تنافسي أكبر مما هو عليه الوقت الحالي، ليماثل في سماته السوق النقدي والتجاري، لذلك يجب أن تكون الرسالة الأساسية للجامعات والكليات تتثمل بأن الرسوم تكون على أساس تكلفة الخِدمَات التعليمية المقدمة فقط
وفي العام 2023، البروفيسور السويدي هانز لوندين طرح تساؤلًا ما إذا كانت الرسوم الدراسية أداة لتقاسم الربح أم لتوليد الدخل للمؤسسة لأغراض التطوير والخدمة والجودة الأكاديمية. وذكر أنه لا يزال هناك عدم فهم في تحديد مؤسسات التعليم العالي أسعار ورسوم الدراسة، لذا تتبنى مؤسسات التعليم العالي الأسعار بشكل مختلف ومتغاير فيمَا بينها، ولا تفسر في كيفية التغطية الكاملة للتكلفة. وأضاف لوندين، مع نمو هذا الدخل أرى علامات واضحة على أن التعليم العالي السويدي أصبح سلعة وليس خِدمَة.
ويتضح أن القلق عند بعض دول العالم بدأ يظهر على السطح في الجامعات والكليات الأهلية وبعض الجامعات الحكومية.
وللوقوف على أنظمة الرسوم الدراسية في الجامعات والكليات الأهلية، نجد الاختلاف فيمَا بينها كبيرًا من حيث قيمة الرسوم الدراسية ودعم الصناديق المختلفة وأنظمة السداد والاسترداد والتأجيل.
التباين الأول هو في كيفية تحديد الرسوم والجهة المسؤولة وآلية الرِقابة المستقلة حِيالَ هذا الشأن الحساس، والتباين الثاني هو أن بعض الجامعات والكليات تفرض رسومًا على الساعة الدراسية، والبعض الآخر يفرض رسومًا على الفصل الدراسي أو السنة الدراسية، مما شَكَّل ضبابية في التعامل المالي لدى الطلبة، وفي تحديد أولوياتهم وخططهم المالية. والتباين الثالث هو أن البعض يُسهل دفع الرسوم وتأجيلها إلى حين معين مثلًا للفصول الدراسية التالية مع وضع سقف مُحدد للدفع الفصلي، والبعض الآخر يتطلب دفع الرسوم قبل بداية الفصل الدراسي. ويُتوقَّع من هذه الاختلافات بآلية الرسوم الدراسية بين الجامعات والكليات لأسباب عِدّة منها المدينة التي تحتضن المؤسسة التعليمية وتكلفة التشغيل وكفاءة وجودة الدراسة والخِدمَات المقدمة سواء من البنية التحتية والإنشائية أو الخِدمَات الإدارية والطلابية. والمأمول من وزارة التعليم استحداث لجنة مستقلة للنظر والنقاش بآلية الرسوم الدراسية، وعدم وضعها في سوق مالي مُتغيّر على حسب معطيات محددة قد تكون غير دقيقة، على أن تُقدم هذه اللجنة العون والتوصيات والحلول المستدامة للجامعات والكليات الأهلية.
ويجب على المؤسسات والشركات والجمعيات غير الربحية المستقلة أن يكون لها دور مُساهم بشكل أوسع في دعم الطلبة لسداد الرسوم الدراسية، لتحاكي تجارِب بعض المؤسسات القليلة التي تقوم بدورها في التنمية البشرية عن طريق دعم الطلبة ومساعدتهم على الدراسة لتحقيق الأمان الوظيفي والمالي في المستقبل. ونستذكر هُنا تجرِبة مؤسسة سليمان الراجحي للتمويل التنموي (صندوق مسلك التعليمي) ومؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية ومؤسسة حسن شربتلي لخدمة المجتمع ومؤسسة أبو غزالة للتنمية المجتمعية وجمعية دعم التعليم (تعلُّم)، وهذه أُنمُوذَجات ناجحة في دعم الرسوم الدراسية بناءً على شروط محددة للطلبة السعوديين. ولعل لوكالة التعليم الخاص بوزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بذراعها التنموي دورًا في تعزيز وتمكين هذا النوع من المؤسسات ودعمه والقيام بواجبها تجاه زيادة ثقافة الدعم المباشر للطلبة السعوديين لمساعدتهم على تحمُّل عبء ثمن الدراسة والتأهيل تحقيقًا لرؤية المملكة 2030 في مستهدفاتها المرتبطة بمبادرات تنمية القدرات البشرية. زيادة على ذلك، المأمول من المصارف وشركات التمويل السعودية التي يُعدُّ بعضها ربحيًا، اتخاذ خطوات أكثر جِديَّة في استحداث أنظمة تمويل للرسوم الدراسية على هيئة قروض مبتكرة موجهة للمؤسسات التعليمية، والتي تصنف إحدى أوجه دعم وخدمة المجتمع، وذلك إما بتمويل كُل أو جزء من الرسوم الدراسية مع الاسترداد بضمانات محددة على فترات متفقٍ عليها. ولمصرفي الإنماء والراجحي تجرِبة في هذا الشأن تُعدُّ مثالًا على قدرة المصارف على دعم الطلبة، ولو أنها تجرِبة تحتاج إلى الكثير من التعديلات لتتوافق مع الحالة المالية للكثير من المستهدفين.
ولعل من المقترح أن يتحرك بنك التنمية الاجتماعية في هذا الشأن لاستحداث مسار خاص بدعم الرسوم الدراسية للمواطنين على الوجه المناسب والمتوافق مع أنظمة التمويل القائم عليها. كما أصبح هناك حضورًا للشركات التمويلية مثل شركة جيل باي الحديثة، وهي شركة معتمدة ومتخصصة في تمويل الرسوم الدراسية والسداد بطريقة آجله على دفعات لفترات متفق عليها. والمتوقع في السنوات القادمة زيادة نشاط هذه النوعية من الشركات والمؤسسات الربحية وغير الربحية لزيادة الطلب المتوقع على الدراسة في الجامعات والكليات الأهلية، وكذلك بحث المجتمع عن حلول لتمويل الدراسة.
وأيضًا للجامعات والكليات الأهلية دورًا يُفترض أن يتطور لدعم الرسوم الدراسية مثل صناديق المنح الداعمة من المؤسسات والشركات المالكة، وقد نرى بعض التجارِب الناجحة من بعض مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي، ولكن لا تَزَل أقل من المأمول. وعلى ذلك، يجب على هذه الجامعات والكليات البحث وجذب الداعمين لطلابهم عن طريق التواصل مع المؤسسات الغير ربحية والخيرية والتنموية، مع تقديم امتيازات داعمة من الجامعات لهذه المؤسسات التنموية. بالإضافة للتفكير في استحداث طرق مبتكرة لتحصيل الرسوم الدراسية، الذي قد يكون واحدة من الحلول النوعية، على سبيل المثال برنامجي "داعم" و "طموح" من كلية البترجي الطبية، الذي يسمح للطلبة بتأجيل دفع نصف أو كامل الرسوم الدراسية لما بعد التخرج على هيئة أقساط شهرية ميسرة. وأيضًا يمكن تعزيز وزيادة برامج المنح الداخلية المتعددة التي تقدمها جامعات مثل الأمير سلطان والفيصل وسليمان الراجحي وكليات بريدة وكليات عنيزة وغيرهم، وتُعمم على كل الجامعات والكليات الأخرى. والمأمول من وزارة التعليم واللجان الاستشارية ذات العَلاقة دورًا في دراسة تنمية هذا الجانب لدى مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي، وتقديم الدعم والمساعدات المالية والتشغيلية المبتكرة وبشروط محددة، وحث الشركات والمصارف والمؤسسات التنموية على المبادرة في دعم الرسوم الدراسية، التي سوف تكون عونًا للطلبة المواطنين والمجتمع وللمؤسسات التعليمية في القطاع الأهلي.
خِتامًا، الأخبار التي تتعلق بتوفير منح للطلبة في الجامعات العالمية كثيرة وذات بعد اجتماعي عميق، وعلى سبيل المثال، في يوليو 2024أعلنت مؤسسة بلومبرج الخيرية عن تخصيص مبلغ مليار دولار لتمويل الرسوم الدراسية لغالبية طلبة كلية الطب في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، وقبلها في العام 2018 قدمت المؤسسة نفسها ملياري دولار تقريبًا منح تعليمية في تخصصات متعددة. وفي فبراير 2018، تلقى طلبة كلية ألبرت أينشتاين للطب في جامعة نيويورك منح تعليمية بقيمة مليار دولار من عضو هيئة التدريس السابق بالجامعة، الدكتور روث جوتسمان، وأصبحت هذه الكلية من ضمن العديد من كليات الطب في أمريكا تقدم تعليمًا مجانيًا للطبلة المقبولين بفضل هذه المنحة السخية. وعلى ما سبق، دعم أفراد المجتمع للحصول على درجة علمية تخصصية هو فعليًا أفضل أنواع الاستثمار في التنمية البشرية والتأهيل والاقتصاد الوطني، لِذا يُفترض أن يكون أحد أكثر أوجه الدعم المالي المباشر لمساعدة المجتمع بتعزيز معارِفِهم ومهاراتهم للدخول في سوق العمل وزيادة الدخل المادي. ولن يكون هذا الأمر إلا بتكاتف الوزارات المعنية والمؤسسات غير الربحية والربحية والجامعات والكليات الأهلية في السعودية، للوصول إلى حلول مستدامة في دعم الرسوم الدراسية للطلبة.

MENAFN17082024000089011017ID1108571560


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار