Sunday, 30 June 2024 06:25 GMT



حداء الإبل.. لغة للتواصل بين الإبل وأهلها ضمن التراث الثقافي السعودي

(MENAFN- Alghad Newspaper) عمان - حضرت "الإبل" في حياة إنسان شبه الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، ولم يستغن عنها حتى اليوم، فبعد أن كانت مظهرا لتميزه وثرائه، ومصدرا لرزقه وعطائه وأداة لسفره وترحاله، أضحت أيقونة ورمزا من رموز تراثه الأصيل المستمد من تاريخه التليد.
ووفقا لبيان صحفي صادر عن اتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، ضمن التقرير الثقافي الدوري للدول الأعضاء في الاتحاد، وأعدت التقرير وكالة الأنباء السعودية (واس)، نتج عن هذا التواصل الإنساني مع الإبل، فن شعبي جميل يتناقله المجتمع جيلا بعد جيل يسمى "الحداء"، وهو نوع من الشعر الخفيف الذي يقال لتطريب الإبل، وحثها على السير بتعابير شفهية تقليدية تمكن الرعاة من مناداة إبلهم وجمعها والتواصل معها.
ويتوارث أبناء الجزيرة العربية "فن الحداء" للتواصل مع قطعان إبلهم من خلال بعض الأصوات والتعبيرات التي اعتادت الإبل على سماعها والاستجابة لها.
وبحسب المصادر التاريخية، فإن مضر بن نزار بن معد هو أول من (حدا) للإبل بعد أن سقط من بعيره وانكسرت يده وصاح بصوته (وايداه! وايداه!)؛ وكان حسن الصوت؛ فأصغت إليه الإبل وجدّت في السّير؛ ومن هنا بزغت فكرة استعمال الحداء لنداء الإبل، ويذهب البعض إلى أن هذه الهمهمات ساعدت الخليل بن أحمد الفراهيدي على اكتشاف مفاتيح العروض والأوزان الشعرية.
ويقال: إن بداية "الحداء" كان عن طريق التدوية أو الدوّاة، وهو نداء الإبل بصوت رفيع، وجاء في بعض معاجم اللغة أن راعي الإبل إذا أراد أن يستحث إبله لتجيء إليه مسرعة؛ زجل بصوته وغنّى لها بكلمات مثل .. هَيد هيد، أو: هي دو هي دو. أو: دوه دوه. أو: ده ده بضم الدال، أو: داه داه، وهذا ما زال مستعملا إلى اليوم جنبا إلى جنب مع الرجز، ولم يلغ أحدهما الآخر، وهو يختلف من بيئة إلى أخرى. ثم تطور الدُّوّاة من مجرد همس أو صوت أو مناداة على الإبل إلى غناء شعري له طرقه وأساليبه ومفرداته الخاصة، ودخلت فيه مع مرور الزمن المعاني والكلمات الشعرية المغناة، والأشطر الموزونة، فجمع عذوبة الصوت وسحر القافية المستمد من بيئة البدو وثقافتهم الأصيلة.
وما يُذكر في قوة تأثير الحداء في الإبل أن "أبا جعفر المنصور سأل حدّاء، فقال له: ما بلغ من حُسن حدائك؟ قال: تُعطّش الإبل ثلاثا فتُدنى من الماء، ثم أحدو فتتبع كلها صوتي، ولا تقرب الماء".
وقد أصّلت المعاجم العربية وأمهات كتب التراث العربي لـ "حداء الإبل"، كما تحتوي على كمٍّ هائلٍ من الحكايات والقصص والمرويات والأراجيز المرتبطة به، وحفظت كتب التراث الشعبي مجموعة كبيرة من المرويات الشفاهية لأحديات العرب المتأخرين على ظهور إبلهم وصهوات جيادهم.
ولعل من أحدث الكتب التي تناولت هذا الباب ديوان: "الرجز والحداء" الذي ألّفه الباحث في الموروث الشعبي إبراهيم الخالدي، ووثّق من خلاله رحلة الحداء الطويلة في تاريخ الأدب العربي؛ انطلاقا من بدايته الأسطورية حتى عهد البداوة الأخير التي انتقل بها الحداء من الارتباط الوثيق بالإبل، إلى علاقة مميزة بالخيل وإن لم تنقطع صلته برفيقه القديم (الجمل).
وتؤكد هذه الدراسة تماهي "الحداء" الواضح مع بحر "الرجز"، وهذا البحر السهل أتاح الترنم بالحداء لغير الشعراء؛ حتى صار الحداء أغنية العرب جامعة.
ولفت الخالدي في حديثه لوكالة الأنباء السعودية (واس) إلى أن وجود الحادي من أساسيات القوافل المرتحلة في الصحراء، وأهم أدوات الرعاة الحاذقين وأجمل فنون الغزاة المحاربين.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لدراسات الإبل "ذود"، الدكتور محمد العتيبي: أن "الحداء كان معروفا منذ العصر الجاهلي، وعادة ما يقال للإبل عند وردها إلى الماء، أو عند سيرها إلى المرعى أو أثناء الترحال من مكان إلى آخر، وهو عبارة عن ترنيمات قصيرة مؤثرة في جمع الإبل وسيرها وانتظام عودتها إلى مُرُحِها".
وللحداء مناسبات مختلفة فمنها: "حداء الرحيل"، و "حداء السفر"، وحداء سقي الإبل الذي يسمى "العوبال"، وهناك حداء الأوبة المسمى عند العامة "الهوبال" وهو خاص بجمع الإبل وسوقها إلى مرحها أو مكان رعيها، وهناك "حداء السواني" ويغنى للإبل التي تجذب الماء من البئر لتنشط في سيرها.
ولم يستطع الحَداء الاستمرار في لغته الفصيحة وفق ما ورد في كتاب "الحداء" للباحث محمد العجيري، خصوصا بعد أن ترك اللغة من تمسكوا بلهجاتهم الجديدة المولّدة، فتحول الحَداء من اللغة الفصيحة إلى اللغات الدارجة لأهل الأمصار.
ويوضح المؤلف أن هذا الإرث لم يتم تأليفه من قبل مجموعة معينة من الأفراد، بل انتقل من جيل إلى جيل، وخضع للحذف والإضافة حسب الاحتياجات البيئية للأفراد المستخدمين له، حتى وصل إلينا على الشكل الذي هو عليه ولن يتوقف عن التعديل حتى يصل إلى مراحل التسجيل.
ومن أمثلة أحديات بدو الجزيرة العربية التي قالوها بلهجتهم العامية ما يسمى بالهوبال وهو ينقسم إلى حداء ورجز، فأما الحداء فهو الذي يغنى أثناء انتظار الدلو، وهو يصدر من قاع البئر إلى حين الإمساك بها، ومن أمثلة ذلك قولهم: "سق القعود وهِمّه يسقي خواته وأمّه"، "الله عليك قليب يجمع خبيث وطيب"، "إن زولمن والتمن زهاب أهلهن تمّن"، "يا مرحبا وارحابي بأم السنام النابي"، يا شمّخ العشاير يا مجوزات الباير"، "صب القلص لشعيلة كم درهمت من ليلة"، "ملحا جليلة واخر وإن جاء الدَّحم تستاخر"، "يا مرحبا وأهليني بأم الدلال الزيني"، "برقٍ يلهله قبله ينبت شتيل وربله".
وقد سجل فن "حداء الإبل" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي السعودي في منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، كأبرز الموروثات التي ما زالت حية في التراث الشعبي.
وبادرت "وزارة الثقافة" بتسمية هذا العام 2024 بــ "عام الإبل"؛ باعتبارها قيمة ثقافية، وركيزة من ركائز الحفاظ على الهوية الوطنية الأصيلة، والتراث العربي الأصيل، وتعريف العالم كله بهذا المكون التاريخي الذي أصبح وجهة سياحية وثروة ثقافية وتراثية وسعيا منها إلى تحقيق العديد من المكتسبات في كل ما من شأنه الحفاظ على الموروث وتنميته بطرق مدروسة وبما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني. - (بترا/فانا)

MENAFN29062024000072011014ID1108389290


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.