Thursday, 19 December 2024 07:52 GMT



رغم قسوته وهفواته، ترامب ليس ديكتاتورا نازيا

(MENAFN- Alghad Newspaper)
ستيفن مارش* - (الإندبندنت) 2024/12/1







تنتاب الكثيرين مخاوف متزايدة من القوى المؤثرة التي تقف وراء ترامب، مثل قطب الأعمال إيلون ماسك ونائب الرئيس المنتخب جي دي فانس. إلا أنه بالبناء على أمثلة سابقة في التاريخ، يتبين أن مستوى الالتزام ومدى المهارات التنظيمية اللازمة لدفع مثل هذه التغييرات السياسية الهائلة يرجح أن يكونا خارج نطاق قدراتهم.
***
على الرغم من كل شيء، كان انتخاب دونالد ترامب مؤشراً على سلامة العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة، فهذه المرة تطابقت نتيجة اختيار أعضاء "المجمع الانتخابي" Electoral College (مجموعة تضم 538 عضواً منتخباً مهمتها انتخاب الرئيس الأميركي ونائبه) بصورة وثيقة مع إرادة الناخبين في التصويت الشعبي، مما يجعلها أول انتخابات منذ العام 2012 لا تثير جدلاً أو نزاعاً بين الأميركيين.
الجميع يعرف من فاز، والنتيجة واضحة وتعبر بصورة لا لبس فيها عن إرادة الشعب الأميركي، إلا أن المؤسف هو أن هذا الاختيار جاء ليعزز الانقسامات، فقد أتى الناخبون بمرشح يجسد المواجهة والتحدي، وهو ما من شأنه أن يفاقم الانشقاق داخل البلاد.
وعلى الرغم من فوز المرشح "الجمهوري" بكل من التصويت الشعبي وبأكثرية أصوات "المجمع الانتخابي"، لكن جزءاً كبيراً من الأميركيين ما يزالون يعربون عن استيائهم البالغ من هذا الاختيار.
وفي هذه اللحظة الحرجة التي نحن فيها أمام أزمة حقيقية، فمن الضروري أن يكون لدينا فهم واضح للتحديات التي تواجهها أميركا، فقد أدت المقارنات بين دونالد ترامب وحركته من جهة، والفاشية من جهة أخرى، والتي أجراها مثقفون وسياسيون بارزون خلال الفترة التمهيدية للانتخابات إلى إرباك هذا الفهم، والواقع أن مثل هذه المقارنات شوشت الرؤية وكانت مفتقرة إلى الدقة، فترامب لم يكن يوماً منظماً أو مؤدلجاً مثل الفاشيين، وهو يمثل نوعاً مختلفاً من التهديد قد يكون أشد خطورة في بعض الجوانب وأقل حدة وتأثيراً في جوانب أخرى.
عندما كنتُ بصدد تأليف كتابي "الحرب الأهلية المقبلة" The Next Civil War، قمتُ، في إطار استكشاف الأخطار التي تواجه البلاد وفهم طبيعتها، بالتواصل مع مختلف أطياف الجماعات اليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة.
بدا هذا التحالف مزيجاً متنوعاً من الولاءات المتقلبة والمعتقدات المتغيرة باستمرار، وعلى الرغم من أن الفاشيين كانوا جزءاً من هذه المجموعة، لكنها ضمت أيضاً "فتيان براود" Proud Boys (جماعة يمينية متطرفة تعرف بتوجهاتها العنصرية والمناهضة للنساء والمثليين، وأعضاؤها يدعون للدفاع عما يعتبرونه "الهوية الغربية" ويعارضون الليبرالية الاجتماعية، وكانوا معروفين بدورهم في أحداث الشغب التي وقعت في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021 في مبنى الكابيتول الأميركي)، و"هويات أوروبية" European Identitarians (حركة عنصرية ومتطرفة تروج لفكرة أن أوروبا يجب أن تظل خالصة من الهجرة غير الأوروبية، وتتبنى أفكاراً قومية متشددة وعنيفة تركز على حماية الهوية الثقافية الأوروبية من التهديدات التي تراها هذه الحركات قادمة من الهجرة والمجتمعات الإسلامية) وغيرها من الجماعات المتنوعة من حيث الحجم، إضافة إلى متشددين متمسكين بحرفية "التعديل الثاني" من الدستور (الذي يضمن حق الأفراد في حمل السلاح والاحتفاظ به)، وأرباب أعمال تقليديين يعارضون التنظيم الحكومي.
أما العامل المشترك بين هذه الجماعات، فكان القيم المناهضة للحكومة كمفهوم مركزي في تعريفهم للقومية الأميركية، وهو الشعور نفسه الذي ينبثق منه ترامب، وهو أوسع بكثير مما كان أحد يتوقعه. ومن اللافت للنظر أن القاعدة الشعبية لترامب تمثل الائتلاف الأكثر تنوعاً عرقياً على الإطلاق في تاريخ مرشحي الرئاسة "الجمهوريين"، وما يجمع بين هذه الفصائل المتنوعة، بخلاف ذلك، هو تراجع الثقة لدى أفرادها في مؤسسات البلاد عبر مختلف جوانب الحياة الأميركية.
والطرح الأساس للقومية المناهضة للحكومة هو أن الحرية، وهي أكثر المبادئ الأميركية لا يمكن أن توجد إلا في مواجهة الحكومة، وتعود هذه الفكرة لمرحلة تأسيس البلاد، فقد كانت الثورة بمثابة تمرد على سلطة الحكومة، كما كانت قضية الكونفدراليين أثناء الحرب الأهلية، وخلال الأعوام الأخيرة موقف "شرطة الدستور" Constitutional Sheriffs (وهم مسؤولون محليون عن إنفاذ القانون يلتزمون بحماية الحقوق الدستورية، ويعتقدون بأن سلطتهم في هذا الإطار تعلو على سلطة المسؤولين الفيدراليين أو الحكوميين).
يشار إلى أن تعريف الوطنية باعتبارها معارضة للدولة هو مفهوم أميركي بحت، وفكرة تتناقض بصورة صارخة مع السياقات الأوروبية أو البريطانية، ففي أوروبا، تهدف الحركات اليمينية المتطرفة عموماً إلى الاستيلاء على الحكومة وليس تفكيكها، وعلى سبيل المثال، نظر الفاشيون تاريخياً إلى الدولة كأداة لتحقيق الوحدة العرقية، واستخدموا قوتها لتنفيذ أجنداتهم، وفي المقابل، يسعى الوطنيون المناهضون للحكومة في الولايات المتحدة إلى شل آليات عمل الحكومة وجعلها غير فعالة، وهذا الاختلاف في المفهوم جوهري ومهم.
إذا كان من الممكن اعتبار فترة الولاية الأولى لدونالد ترامب كرئيس بمثابة مؤشر على ذلك، فإنه لم يبد في الواقع أي اهتمام يُذكر بآليات العمل الداخلي للدولة، ويذكر هنا أنه ترك ثلث المناصب في وزارة الخارجية الأميركية التي تتطلب موافقة "مجلس الشيوخ" شاغرة، على الرغم من سيطرة "الجمهوريين" على المجلس، وهذه التصرفات لا تشير إلى رغبة حقيقية في ممارسة السلطة بصورة حاسمة.
تنتاب كثيرين مخاوف متزايدة في شأن القوى المؤثرة التي تقف وراء ترامب، بما فيها مبادرات مثل "مشروع 2025" Project 2025 (وضعته جماعات محافظة للتحضير لولاية ثانية لترامب)، وشخصيات مثل قطب الأعمال إيلون ماسك ونائب الرئيس المنتخب جي دي فانس، إلا أنه وبناء على أمثلة سابقة في التاريخ، فإن مستوى الالتزام ومدى المهارات التنظيمية اللازمة لدفع مثل هذه التغييرات السياسية الهائلة يرجح أن يكونا خارج نطاق قدراتهم، وعلى الرغم من أن الرئيسة الجديدة لأركان ترامب، سوزي وايلز، تعد سياسية ماهرة، لكن إدارة ترامب الأولى كانت تعج بأفراد اعتقدوا أنهم قادرون على ضبطه، وكثير من هؤلاء كانوا يسعون إلى تحقيق أجنداتهم الخاصة، وانتهى بهم الأمر إلى مواجهة لوائح اتهام فيدرالية، والدرس الذي لم يتعلموه من الذين سبقوا هو أن ترامب في النهاية يخدم نفسه فقط.
في إطار التوقع لما يمكن أن يقدم عليه دونالد ترامب من أفعال قاسية وغير عقلانية، فقد يتخذ قرارات متهورة بدافع غرائزي، مثل إحداث فوضى اقتصادية عالمية عبر فرض تعرفات جمركية ضخمة، ومن شبه المؤكد أنه سيجعل الحياة أكثر صعوبة على المسلمين الأميركيين من دون مبرر، ويعمق التدهور في حقوق النساء، كما أنه قد يسلم شؤون "المحكمة العليا" لأنصار مخلصين له.
لكن ما يجسده ترامب في الواقع ليس الشر بالمفهوم التقليدي بل الفوضى كأحد أوجهه المدمرة، فالمؤسسات الفيدرالية ستحاول التكيف مع مصالحه الشخصية أو سيحدث إضعافها، وسيحل نظام قائم على أساس الولاء لصاحب السلطة وليس للقواعد والقانون، وفي نهاية المطاف، سيبدو ترامب أقرب إلى زعيم من أميركا الجنوبية في القرن الـ19 منه إلى ديكتاتور من القرن الـ20 مثل هتلر أو موسوليني.
وفي الواقع، سيشكل خطراً يشبه خطر طفل صغير يحمل رشاشاً من نوع "عوزي"، بحيث ستكون الأضرار الناجمة عن نرجسيته المفرطة ولامبالاته عشوائية ومدمرة، إلا أن التهديد الحقيقي لمستقبل "الجمهورية الأميركية" سيأتي من الولايات الزرقاء (التي تصوت في العادة للحزب الديمقراطي)، فبغض النظر عن التصريحات التصالحية التي أطلقها الرئيس جو بايدن في شأن انتقال سلمي للسلطة واحترام الطرف الآخر، فإن "الديمقراطيين" يجدون أنفسهم في دولة انتخبت شخصاً يتمتع بسجل إجرامي واضح ليكون زعيماً لها، وعندما يصار إلى العفو عن مثيري حوادث الشغب في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021، وربما إعادة بعضهم لمناصب السلطة، سيبرز سؤال أساس حول ماذا تعني الخيانة في الولايات المتحدة اليوم؟
من المحتم أن يبدأ الناس في ولايتي نيويورك وكاليفورنيا التساؤل عن ولاءاتهم الحقيقية، ولن تكون إجاباتهم في أي حال "الولاء للرئاسة"، وفي الحقيقة يسلط انتخاب دونالد ترامب الضوء على الانقسامات العميقة التي لا يمكن غض الطرف عنها، فالحكومة لم تعد تمثلهم وحسب، بل إن عدداً منهم سيشعرون بأن البلاد ككل لم تعد تخصهم.
في أي دولة أخرى، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى نقاشات تتعلق بالانفصال أو التفكك، لكن الآلية المحددة في "التعديل الرابع عشر" الذي أُقر بعد الحرب الأهلية الأميركية تجعل أي نقاشات من هذا النوع غير قابلة للتنفيذ، فقد نص ذلك التعديل على أنه لا يمكن لأي قانون أن يتجاوز أو يلغي حقوق المواطنة الأميركية، مما يعني أنه لا يمكن حتى تبرير التصويت لمصلحة الانفصال.
من هنا، فإن المقاومة ستكون على مستويي الولاية والمجالس البلدية، إذ إن الحكومات المحلية، حتى على مستوى المقاطعات، تتمتع بسلطة أكبر بكثير مقارنة بعدد من البلدان الأخرى، وعلى سبيل المثال، ستكون الولايات المحسوبة على الحزب الديمقراطي قادرة تماماً على تحدي المحاولات الفيدرالية لفرض حظر على الإجهاض، وحتى الكونغرس الذي يسيطر عليه "الجمهوريون" سيجد صعوبة في تغيير هذا الأمر، وكان اليمين الأميركي قد دافع لأعوام عن "حقوق الولايات"، ومن المرجح أن يتبنى اليسار الحجة نفسها خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
كي تتمكن الدول من البقاء وأن تظل عملياتها السياسية شرعية، فيجب أن يكون هناك تضامن وطني أساس يدعم قراراتها، ويتعين على السياسيين أن يعطوا الأولوية لمصلحة مناطقهم على حساب ولاءاتهم الشخصية أو الحزبية، ويجب على الناخبين أن يسعوا إلى جعل حكوماتهم تعمل بكفاءة، لكن هذه الشروط الأساس للديمقراطية لم تعد قائمة في الولايات المتحدة، وانتخاب دونالد ترامب يمثل تصويتاً ضخماً ضد المؤسسات الأميركية بصورة عامة.
لقد جاءت نتائج الانتخابات الأميركية التي أجريت بحرية ونزاهة لتعكس شعوراً لدى الشعب الأميركي بأن البلاد في حال انقسام، ولتؤكد الرغبة في توسيع هذه الانقسامات أكثر، ويبقى السؤال: من سيجرؤ على تحدي هذا الواقع وتقديم منظور بديل؟ ومن يدري إلى أين سينتهي بنا هذا المسار؟

*ستيفن مارشس Steven Marsh: كاتب في صحيفة "الإندبندت".

MENAFN18122024000072011014ID1109008702


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية