(
MENAFN- Alghad Newspaper)
سماح بيبرس
عمان - حذر خبراء من الانفلات الاجتماعي الذي قد ينتج جراء فقدان عدد كبير من الدائنين، للوسيلة القانونية لتحصيل حقوقهم.
وتتزامن تحذيرات الخبراء، مع قرب انتهاء الحبس في الديون التعاقدية عدا العمالية وإيجار العقارات، منتصف العام الحالي، وفق نص المادة 22 من قانون التنفيذ لسنة 2022.
وينص قانون التنفيذ، في المادة 22، على أنه“يحق للدائن حبس مدينه بحال لم يسده الدين، أو لم يعرض عليه تسوية، تتناسب مع قدرته المادية، وذلك خلال مدة إخطاره، بشرط ألا تقل الدفعة الأولى من الوفاء، بموجب التسوية عن 15 % من المبلغ المحكوم به.
واعتبر خبراء قانونيون بأن ذلك سيترك آثارا سلبية على مصداقية الائتمان والعمل التجاري، وأنّ تطبيق بنود المادة سيصب بمصلحة المدين على حساب الدائن الذي له حقوق.
وعلى العكس من الرأي السابق، يرى حقوقيون بأهمية تطبيق هذه المادة كونها تنسجم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة التي تنص بأنّه“لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي”، مشيرين لضرورة تطبيق بدائل مختلفة تضمن حقوق الدائنين.
ويقترح الخبراء -من الرأيين- التوسع ببدائل السجن، واقترحوا تطبيق ما يسمى بالـ”الإعدام المدني” عبر تقييد المدين بعقوبات مدنيّة متعددة كأن لا يستطيع إصدار وثائق رسميّة أو تجديديها ما دام مدينا ومحكوما عليه بدين.
القاضي ومستشار ديوان الرأي والتشريع سابقاً د. محمود العبابنة، اعتبر أنّ التعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ، ستترك آثارا سلبية على مصداقية الائتمان والعمل التجاري، فقد سجلت هذه التعديلات في خانة مصلحة المدين على حساب الدائن؛ الذي“أمضى سنوات السير في ماراثون المحاكم”، ودفع الرسوم القانونية وأتعاب المحاماة، ليصل لقرار من القضاء العادل يثبت حقه في الدين؛ ثم خطا خطوةً أخرى بالذهاب لدوائر التنفيذ، ليدفع رسوما جديدة لتنفيذ الحكم، والذي هو عنوان سيادة الدولة.
وأوضح، أن القول بضرورة الالتزام بما جاء في المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ليس دقيقاً، بحيث يتم التغافل عن شروط إعمالها، وهي“أن يكون مصدر الالتزام تعاقدياً، وأن يثبت إعسار المدين”.
وبين أن القسم الأعظم من المدينين، ديونهم لا تتجاوز الـ5 آلاف دينار، والتي ما على الدائنين فيها إلا أن يرددوا القول (العوض بوجه الكريم)، لأن المدينين الذين كانوا يلتزمون بأقساط دورية متواضعة، ضمن مصالحة موثقة في دائرة التنفيذ؛ وكانوا قد توقفوا عن الدفع بعد صدور أوامر الدفاع بتوقيف حبس المدين.
أما ما جاء بأن كثيرا من الدول، لا تقوم بتطبيق حبس المدين لقاء دين مدني؛ فلا مانع من الأخذ بذلك، إذا توافرت الظروف الموضوعية المعمول بها بتلك الدول، ففي بريطانيا أو فرنسا مثلاً؛ عندما يعجز المدين عن أداء الدين؛ فهناك آلاف المؤسسات الحكومية والخاصة والخيرية التي تتولى أداء الدين، إما من قيمة الضمان الاجتماعي المخصص له، أو المساعدات الاجتماعية، أو النقابات المهنية، إضافة إلى ما تقوم به شركات تأمين الديون والجمعيات الخيرية، كما أنّ هناك آليات وأنظمة رادعة للتهرب من سداد الدين ومحفزة للوفاء بالالتزامات، والتي لا ضير أن نُلقي نظرةً عليها وأن نفكر بها.
وبحسب العبابنة فإنّه وبالرغم من وجاهة إبقاء الحبس كوسيلة ضغط، كما توصل إلى ذلك قانون التنفيذ الجديد الذي أخذ بعين الاعتبار عدداً وافراً من الاستثناءات، وخفض الدفعة الأولى مع تقديم عرض التسوية، فإنه لا بد، من طرح خيارات أخرى، عبر ما يسمى بإرهاق المدين Debtor's fatigue، تتضمن فرض إجراءات قسرية على هذا المدين. ومن هذه الإجراءات، الحرمان من افتتاح حساب له في أي بنك، أو الحصول على دفتر شيكات أو رخصة سوق، أو احتجاز رخصة السوق التي يحملها، والحرمان من مغادرة البلاد وتسجيل أي شركة أو المشاركة فيها.
وتابع، أما الآلية الثانية، فهي تبني نظاما معمولا به في كثير من دول العالم لهذه الغاية، وهو نظام النقاط الائتمانية (Credit score system)، وبموجبه يصدر نظام للعمل به، يتكون من 500 نقطة من حق أي مواطن، ويخصم من رصيد هذه النقاط في حالات عدم سداد الدين، أو إصدار شيكات بلا رصيد، أو وجود أحكام جزائية ذات طبيعة مالية، وتوثيق كل ذلك لدى جهة معينة؛ بحيث يستطيع المقرض، أو المؤجر، أو المتعاقد مع أي شخص؛ التيقن من حالة المقترض لاتخاذ القرار بإقراضه أم لا، كما أن من يحافظ على رصيد عالٍ من النقاط، يتمتع بمزايا تتعلق بالإقراض والتعاقد والحصول على امتيازات أخرى.
وزيادة على كل ما سبق في إهدار حق الدائن، فإن النوايا كما تبدو مقبلة على تجريد الشيك من الحماية الجزائية منتصف هذا العام، وبالتالي تنعدم الضمانات باستثناء الحقوق المترتبة على حقوق الإيجار والنفقة، أما باقي أنواع الديون فلم يبق إلا الحجز على الأموال التي غالباً ما يتم تهريبها، وعلى أي حال فإن التجربة ستكشف عن عيوب السياسة الجنائية المتعلقة بتنفيذ الأحكام، والتي هي خلاصة إجراءات التقاضي الطويلة، وكل ذلك جرى بحجة التوافق مع المواثيق الدولية التي لا تصح إطلاقها في كل مجتمع.
المستشار القانوني لمعهد القانون والمجتمع المحامي معاذ المومني، قال إن المادة (11) من اتفاقية“العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، نصت على أنه“لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي”، وبالتالي، فإن الأصل هو عدم حبس أي شخص، بناء على عدم سداد ديونه، فـ”الحبس يقر مقابل جريمة” ولا يوجد جريمة واردة في قانون العقوبات، تنص على هذه الجريمة.
وبين المومني أنّ قانون التنفيذ جاء ليتواءم مع الاتفاقيات والمعايير الدوليّة، ومجاراة التطوّرات والتغيرات التي طرأت على العالم، مؤكداً على أهميّة القانون لما له من انعكاسات إيجابيّة على المجتمع أهمّها أنّ عدم حبس المدين سيتيح الفرصة للمدين على الاستمرار بالعمل، وبالتالي القدرة على سداد دينه، دون أن يتأثّر عمله ودخله وأسرته، ناهيك أنّ له أثرا إيجابيا بالتخفيف من مشكلة اكتظاظ السجون التي لها تكلفة مالية وإداريّة على الدولة.
ودعا المومني لضرورة أن تقوم الدولة بإيجاد“مقاربات تضمن حقوق الدائنين”، مشيراً إلى أنّ الحكومة شرعت مؤخراً لتجهيز نظام أو تعليمات- بما لها من صلاحيات – وبالتنسيق مع مجلس الأمة بأن يكون هناك نص تشريعي يضمن حقوق الدائنين عبر ما يسمى بالـ”الإعدام المدني” بمعنى تقييد المدين عبر عقوبات مدنيّة متعددة كأن لا يستطيع إصدار وثائق رسميّة أو تجديديها ما دام مدينا ومحكوما عليه بدين.
وأكد المومني أنّ“العقاب ذا الطابع المدني” البعيد عن الحبس والعقوبات الماسّة بحقوق الإنسان، غالباً ما يكون له أثر رادع كبير، وبالتالي فإنّ المدين يضطر للجوء للصلح وتسوية أموره.
ولفت إلى أنّ خلق وإيجاد الضمانات الكافية يجب أن يقع على عاتق الدائن، الذي سيكون مطالبا اليوم بأن يعيد النظر بفكرة التعاقد، وأن يحرص على إيجاد وفرض ضمانات أكثر تضمن حقّه وسداد الدين.
وكان نقيب المحامين، يحيى أبو عبود، قد أشار في وقت سابق إلى أنّ قانون التنفيذ وُجد ليضمن التوازن بين المصالح المتعارضة وليستوفي كل حق حقه.
وذكر أبو عبود أنه في منتصف العام الحالي سينتهي الحبس في الديون التعاقدية، عدا الديون العمالية وإيجار العقارات، فيما سيبقى هناك حبس في الديون الناشئة في الأضرار الناجمة عن الجرائم وفقًا لقانون العقوبات.
وبين أن قانون العقوبات تم تعديله بالتوازي، حيث أصبح الشيك غير مجرم بالمعايير التقليدية (دون رصيد، غير كاف للسداد أو إصدار أمر المسحوب عليه بعدم الدفع)، وأصبح في عام 2025“غير مجرم”.
وعن ضمان حقوق الدائن، قال أبو عبود إن الأطراف تتعاقد بصورة ودية، وغالبًا ما يتم الوفاء بالتزاماتهم، وإذا نشب نزاع بين المتعاقدين يلجأ المدعي إلى المحكمة لإثبات حقه ويحصل على حكم قضائي بعد التأكد من الحق وثبوته، ثم يتم التنفيذ.
ورأى أن“أحد أوجه التلكؤ في عجلة الاقتصاد الأردني سيكون جراء قانون التنفيذ”، نتيجة لقلة التعاملات الفعلية بين الأطراف.
وأضاف أبو عبود أن ذلك يفرض البحث عن بدائل للحبس لضمان حقوق الدائن، بما في ذلك تخفيف الإجراءات التي وضعها المشرع لضمان عدم بيع أموال المدين إلا بأسعار عادلة، وتوسيع حالات الحبس التي تنص عليها القوانين في بعض الحالات، مؤكداً على ضرورة توسيع نطاق فكرة الحبس في جميع أشكال العقود، والبحث عن بدائل لحبس المدين في الديون التعاقدية.
وينص قانون التنفيذ الجديد للعام 2022، في مادته 22، على أنه“يحق للدائن حبس مدينه بحال لم يسده الدين، أو لم يعرض عليه تسوية، تتناسب مع قدرته المادية، وذلك خلال مدة إخطاره، بشرط ألا تقل الدفعة الأولى من الوفاء، بموجب التسوية عن 15 % من المبلغ المحكوم به. وينبغي ألا تتجاوز مدة الحبس 60 يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد، و120 يوماً بحال تعددت الديون”. كما جاء في المادة 23 من القانون نفسه، بأنه من غير الجائز حبس موظفي الدولة، إضافة لمن لا يكون مسؤولاً بشخصه عن الدين، وكل من المدين الذي لم يبلغ بعد سن الـ18 عاماً، والمدين المفلس، والمجنون، والمرأة الحامل، لحين انقضاء 3 أشهر بعد وضعها، وأم المولود إلى أن يبلغ العامين من عمره.
ووفقا للقانون، فإنه يطلب حبس المدين مع إثبات مقدرته على دفع الدين بحالات عدة، كما يتوجب على الدائن أن يخطر المدين بتسديد الدين أو قبول تسوية مالية، تتناسب ومقدرته المالية، شرط ألا تقل الدفعة الأولى عن 15 % من قيمة المبلغ المحكوم به، فإذا لم يسدد المدين ديونه، أو لم يقبل تقديم تسوية مالية، تتناسب ومقدرته المالية خلال فترة الإخطار، عندها يحق للدائن طلب حبس المدين. وبحسب القانون، فانه لا يُحبس المدين، إذا قل المبلغ المحكوم به عن 5 آلاف دينار، أو المدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس، والمدين المعسر، والمحجور عليه للسفه أو الغفلة، والذي وثق دينه بتأمين عيني، أو إذا ترتبت على حبس المدين آثار اجتماعية سلبية وضرر بأفراد عائلته، وذلك بعدم حبس الزوجين معاً، أو إذا كان زوج المدين متوفى، أو نزيل أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، إذا كان لهما ابن يقل عمره عن 15 عاما أو من ذوي الإعاقة، إضافة إلى المدين المريض، أو إذا كان المحكوم به ديناً بين الأزواج أو الأصول أو الفروع أو الإخوة، ما لم يكن“نفقة”، أو إذا كان الدين موثقاً بتأمين عيني، أو إذا ثبت وجود أموال للمدين كافية لأداء الدين وقابلة للحجز عليها.
MENAFN06012025000072011014ID1109060374