Friday, 30 August 2024 04:32 GMT



السلوق غلة اقتصادية ربطت الهند والقطيف - جريدة الوطن السعودية

(MENAFN- Al Watan) في أغسطس منذ أكثر من 160 عاما كانت الأسواق القطيفية تشهد انتعاشا كبيرا في تجارتها مع شرق آسيا، وعلى الأخص الهند، وذلك برطب السلوق (وهو رطب مغلي ومجفف، ويستخدم منه صنف الخنيزي بشكل خاص)، حيث كان السلوق أحد أهم وأبرز الغلات الاقتصادية التي يصدرها القطيفيون إلى الهند، بالإضافة إلى اللؤلؤ، وتوابع منتجات النخيل، من تمر ودبس وغيرها، بينما كانت القطيف تستقبل من الهند الأرز، البهارات، القهوة، والمنسوجات.
وخلق هذا التبادل التجاري علاقة وطيدة بين أبناء المنطقة والهند، شملت المنافع التجارية، والتبادل الثقافي، وصولا إلى التأثير والارتباط الاجتماعي وعلاقات الزواج والمصاهرة، وتأثر بيوتات القطيف بتقاليد وعادات هندية ما زالت سارية حتى اليوم.
منصة تصدير
حسب مؤرخين ومهتمين بتاريخ المنطقة، كانت جمارك القطيف منصة تصدير تجارية للسلوق الموجه إلى الهند من منتصف القرن الـ19 وحتى منتصف القرن الـ20، قبل أن تتوقف تجارة السلوق نهائيا، وإن استمرت العلاقة التجارية بغلات ومنتجات أخرى.
وكان رطب السلوق يحمّل بأخياش على ظهور الحمير (أكياس الخيش نسيج قماشي يستخدم في المهمات التي تتطلب تحملا ومتانة مثل حفظ الأطعمة من الفساد)، وذلك بعد سلق الرطب وتجفيفه.
واستمرت تلك الحركة حتى منتصف ستينيات القرن الماضي. وبحسب الباحث التاريخي عبدالرسول الغريافي، توقف تصدير السلوق عام 1966 حين منعت رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي في بداية عهدها استيراد السلوق من شرق المملكة بوصفه نوعا من الترفيه والبذخ في المعيشة، وجاء قرارها من باب تحسين اقتصاد الهند الذي كان يعاني تدهورا حينئذ.
وقد أثر القرار على تصدير السلوق، حيث اكتفى مزارعو القطيف بسلقه للاستهلاك المحلي، وتصدير بعضه لدول الخليج، ثم تدريجيا توقفت تجارة السلوق، وبات من النادر استخدامه حتى في المنطقة، حتى أن الجيل الحالي يجهلون ما هو، ولا يعرفون طعمه وطريقة عمله.
علاقة بدأها كالونجي
ذكر الباحث عدنان محمد العوامي أن علاقة الهند التجارية بالقطيف تعود إلى سنوات مضت، حيث تم تأسيسها عام 1864 على يد رجل ثري من مدينة كتش الهندية، يدعى كالونجي، الذي مارس التجارة 12 عامًا في القطيف، وتبعه عدد من التجار الهنود ممن فتحوا فروعا لمؤسساتهم التجارية في القطيف، فضلا عن صغار التجار الذين كانوا يزورون القطيف بشكل دوري، ويقال إن عددهم وصل في إحدى الفترات إلى 60 تاجرا.
لكن العوامي يؤكد أنه لم يتم التأكد بشكل قاطع من حجم رأس المال الذي استخدمه التجارفي القطيف، لكنه يجزم أنه كان كبيرا جدا، معللا ذلك بأن التجار الهندوس - قبل احتلال الأتراك ميناء القطيف، وحتى بعد ذلك الاحتلال بسنوات - كانوا يتحكمون بالجزء الأكبر من النشاط التجاري في القطيف.
وأوضح أن الهند كانت تورد الأرز والقطن والسكر والقهوة والبهارات، وتستورد اللؤلؤ من القطيف والبحرين، والتمور والجلود المدبوغة.
وعلق: ((خلال الأعوام الخمسة المنتهية عام 1895 تراوحت قيمة البضائع التجارية التي باعها الهنود في القطيف بين 700 و800 ألف روبية سنويا، وعليه يمكن القول إن حجم التبادل التجاري الذي أنجزه هؤلاء التجار بلغ نحو 1.5 مليون روبية سنويا تقريبًا)).
انسحاب وتوقف
أشار العوامي إلى أن الهندوس بدأوا الانسحاب من القطيف بحلول 1900 بعد إقامة مركز جمارك تركي في ميناء القطيف، حيث تبنى الأتراك نظام الضمان (ضمان الجمارك أو جمع الضرائب)، وكان على الهنود مواجهة نهم وجشع المسؤولين الأتراك، وعدم الاستقرار التجاري وحتى الاجتماعي.
ونقلا عن مجلة البعثة الكويتية (201 لشهر جمادى الأول والثاني من عام 1372)، فقد أسس تجار هنود شركة باسم ((السادة غانغارام تیکم داس))، لمحاولة استئناف النشاط التجاري، وإقامة فرع لهم القطيف، وذلك في السنوات الثلاث قبل 1900، وتولى إدارتها أحد موظفيها المسلمين، ويدعى الحاج جمعة بن ناصر، ولكن المسؤولين الأتراك طردوه، ومنذ ذلك الحين توقف التجار الهندوس عن التعامل التجاري المباشر مع القطيف بشكل نهائي.
عائد وأرباح مليونية
تذكر وثائق تاريخية أن العلاقات التجارية الهندية بالمنطقة لم تقتصر على السلوق فقط، بل كانت تعتمد على تصدير التمور، وحتى ((الدبس)) المستخرج من التمر. كما كانت تصدر اللؤلؤ الذي اشتهر بممارسة استخراجه صيادو القطيف سنوات عدة، لما كان يدره من أرباح طائلة.
إلى ذلك تنقل الوثائق أن عام 1901 كان المشهد الاقتصادي بين شرق المملكة (القطيف) وشرق آسيا (الهند) يشهد حركة تجارية كبيرة لتصدير ((السلوق)) من القطيف إلى كراتشي تحديدا، بالإضافة إلى استيراد كميات كبيرة من الأرز والبضائع الأخرى من الهند عن طريق البحرين، ومنها للقطيف. كما أن القطيف كانت تعد سوقا للؤلؤ الذي يستخرجه أسطول اللؤلؤ الكويتي.
وتوجد رسالة مؤرخة في 10 أغسطس 1900 من المعتمد السياسي البريطاني المساعد في البحرين حول عرض التجار الهنود تعيين معتمد محلي من أعالي القطيف مقابل دفعهم كامل النفقات المترتبة على ذلك، وكانت الرسالة موجهة إلى أ. س. كمبل، المساعد الأول للمقيم السياسي في بوشهر، وقد نشرها العوامي في إحدى الصحف المحلية، وأبان محتواها ((أن إجمالي ما يتم تصديره من سلوق القطيف إلى كراتشي يصل إلى نحو 150 ألف كيس سنويًا، أي ما تبلغ قيمته آنذاك 2.260 مليون روبية)).
زواج وعادات
استمرت العلاقة بين القطيف والهند على الرغم من التوقف التجاري عن تصدير السلوق، وتواصلت في منتجات أخرى. وعلى الرغم من توقف وانسحاب كبار تجار الهنود من مؤسساتهم في القطيف، فإنهم تركوا أثرا كبيرا في ثقافة ومجتمع القطيف.
تذكر زكية آل عويشير، البالغة من العمر 40 عاما، أن والدها -رحمه الله- وهو من سكان قلعة القطيف، المعروفة بنشاط ساكنيها التجاري وثقافتهم الكبيرة وانفتاحهم على الآخر، تزوج والدتها الهندية في سن صغيرة جدا، وفي وقت كانت فيه تجارة الهند والقطيف نشطة، حيث تزوج عدد من تجار القطيف بسيدات من الهند. وبحسب ما تروي والدتها، فقد تعايشت في المجتمع القطيفي بكل مودة ومحبة، وتعلمت اللغة العربية، وأتقنت اللهجة القطيفية مع مرور السنوات، وأنجبت من والدها ابنين و4 بنات، وما زالت تقيم في القطيف.
وبالإضافة إلى علاقات الصداقات والزواج، راجت عادات هندية في القطيف، منها تقاليد زفاف العروس، ولبس الساري الهندي، وما يلحقه من إكسسوارات وكماليات، حتى التزين بالحناء الذي لا يزال أحد أهم التقاليد المحلية المكتسبة من الهند.
السلوق
رطب مغلي ومجفف
يستخدم منه صنف الخنيزي بشكل خاص
كان من أهم الغلات الاقتصادية في القطيف
كان مصدرا مهما للتصدير من القطيف إلى الهند

MENAFN30082024000089011017ID1108618671


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار