Friday, 20 September 2024 10:07 GMT



البطل الأكبر في حرب أكتوبر

(MENAFN- Akhbar Al Khaleej)

ليس‭ ‬جديدا‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬والنصر‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬فيها‭ ‬تمثل‭ ‬ملحمة‭ ‬تاريخية‭ ‬كبرى‭. ‬هي‭ ‬ملحمة‭ ‬جسدت‭ ‬قدرة‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الهزائم‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬وفرض‭ ‬كلمتها‭ ‬وإرادتها‭.‬

هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬التاريخية‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تتحقق‭ ‬بداهة‭ ‬لولا‭ ‬بطولات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭.. ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬بل‭ ‬ملايين‭ ‬البطولات‭ ‬سجلتها‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬والأمة‭ ‬العربية‭ ‬بأسرها‭... ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬خططوا‭ ‬للحرب‭ ‬وخاضوها‭ ‬سجلوا‭ ‬بطولات‭.. ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬شهيد‭ ‬وجريح‭ ‬قصة‭ ‬بطولة‭.. ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬جندي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬قصة‭ ‬بطولة‭.. ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬مصري‭ ‬وسوري‭ ‬وعربي‭ ‬عامة‭ ‬قصة‭ ‬بطولة‭.‬

غير‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬بطلا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ووراء‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭. ‬بطولات‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬وأبنائه‭ ‬الذين‭ ‬خاضوها‭ ‬وحققوا‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭. ‬بطولات‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بسنين‭ ‬طويلة‭. ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لهزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬وامتدت‭ ‬حتى‭ ‬تحقق‭ ‬النصر‭.‬

عشت‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬كفاح‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬فيها‭ ‬يوما‭ ‬بيوم‭ ‬وكنت‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬بطولاته‭ ‬منذ‭ ‬طفولتي‭.‬

حين‭ ‬وقعت‭ ‬الهزيمة‭ ‬وكانت‭ ‬قاسية‭ ‬مؤلمة‭ ‬الى‭ ‬اقصى‭ ‬حد‭ ‬تصور‭ ‬العدو‭ ‬والكثيرون‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬والغرب‭ ‬ان‭ ‬مصر‭ ‬سوف‭ ‬تنهار‭ ‬نهائيا‭ ‬وانتهى‭ ‬أمرها‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬انتهى‭ ‬امرهم‭ ‬ولن‭ ‬تقوم‭ ‬لهم‭ ‬قائمة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬غير‭ ‬ان‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭. ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تكشفت‭ ‬فيها‭ ‬أبعاد‭ ‬الهزيمة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬وبشكل‭ ‬تلقائي،‭ ‬قرر‭ ‬الشعب‭ ‬رفض‭ ‬الهزيمة‭ ‬وقرر‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬بديل‭ ‬سوى‭ ‬الثأر‭ ‬واستعادة‭ ‬الأرض‭ ‬وإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالعدو‭. ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬إصرار‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بالزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬والرفض‭ ‬القاطع‭ ‬للاستقالة‭ ‬التي‭ ‬اعلنها‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‭. ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬الشعب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬عبدالناصر‭ ‬كشخص‭ ‬فقط،‭ ‬ولكنه‭ ‬أراد‭ ‬بهذا‭ ‬ان‭ ‬يؤكد‭ ‬ارادته‭ ‬بحتمية‭ ‬تجاوز‭ ‬الهزيمة‭ ‬وتحرير‭ ‬الأرض‭.‬

وفي‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الهزيمة‭ ‬تحمل‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬بصبر‭ ‬وبقوة‭ ‬إرادة‭ ‬مصاعب‭ ‬كبرى‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬الا‭ ‬الذين‭ ‬عايشوا‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬مثلي‭.‬

حين‭ ‬حدث‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬اعقاب‭ ‬الهزيمة‭ ‬تحمل‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬وتدبر‭ ‬أموره‭ ‬وجعل‭ ‬عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬تمضي‭. ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مثلا‭ ‬حدث‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الصابون،‭ ‬وكانوا‭ ‬يعلموننا‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬كيف‭ ‬نصنع‭ ‬الصابون‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬وكنا‭ ‬نتفاخر‭ ‬بقطع‭ ‬الصابون‭ ‬التي‭ ‬استطعنا‭ ‬صناعتها‭ ‬ونحضرها‭ ‬الى‭ ‬المدرسة‭. ‬لاحقا‭ ‬أدركت‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬عملا‭ ‬من‭ ‬اعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬والصمود‭.‬

في‭ ‬أعقاب‭ ‬الهزيمة‭ ‬شهدت‭ ‬مصر‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المحن‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عنها‭ ‬الكثيرون‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭. ‬محنة‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬القناة،‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬والسويس‭ ‬وبورسعيد،‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تهجيرهم‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬سعى‭ ‬العدو‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬الى‭ ‬تدمير‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭. ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬القناة‭ ‬هاجروا‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬المصرية‭ ‬واحتضنهم‭ ‬اهل‭ ‬مصر‭ ‬معززين‭ ‬مكرمين‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬انتهت‭ ‬المحنة‭ ‬وعادوا‭ ‬الى‭ ‬مدنهم‭ ‬وبيوتهم‭. ‬كنت‭ ‬طفلا‭ ‬اشاهد‭ ‬بألم‭ ‬وحزن‭ ‬لا‭ ‬يوصف‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬اهل‭ ‬مدن‭ ‬القناة‭ ‬وقد‭ ‬أتوا‭ ‬الى‭ ‬قريتنا‭ ‬الصغيرة‭ ‬واحتضنهم‭ ‬اهل‭ ‬القرية‭ ‬وأصبح‭ ‬كثيرون‭ ‬منهم‭ ‬أصدقائي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬ذاكرتي‭ ‬مشاعر‭ ‬الحسرة‭ ‬والألم‭ ‬والغضب‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعبرون‭ ‬عنها‭.‬

وفي‭ ‬اعقاب‭ ‬الهزيمة‭ ‬استباح‭ ‬العدو‭ ‬بطائراته‭ ‬العمق‭ ‬المصري،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬أطفالا‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬ورعب‭ ‬والطائرات‭ ‬تحلق‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬منخفض‭ ‬بصوت‭ ‬مرعب‭. ‬تحمل‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمكنت‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬بمساعدة‭ ‬دول‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ننسى‭ ‬فضلها‭ ‬أبدا؛‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وروسيا‭.‬

حين‭ ‬كنا‭ ‬طلبة‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬فجرنا‭ ‬حركة‭ ‬طلابية‭ ‬كبرى‭ ‬امتدت‭ ‬سنوات‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬مطالبها‭ ‬الاصرار‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬ومحو‭ ‬آثار‭ ‬الهزيمة‭ ‬وتحرير‭ ‬الأرض،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬الشعب‭ ‬كله‭.‬

هذه‭ ‬مجرد‭ ‬لمحة‭ ‬سريعة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬مما‭ ‬عاناه‭ ‬وتحمله‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭.‬

في‭ ‬غضون‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬جيش‭ ‬مصر‭ ‬الوطني‭ ‬العظيم‭ ‬يستعد‭ ‬ويضع‭ ‬الخطط‭ ‬للحرب‭ ‬بمساعدة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ويسجل‭ ‬بطولات‭ ‬كبرى‭ ‬توجها‭ ‬بنصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬التاريخي‭ ‬العظيم‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬بصموده‭ ‬وإصراره‭ ‬وبطولاته‭ ‬التي‭ ‬سجلها‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ألهم‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬استعدوا‭ ‬للحرب‭ ‬وخططوا‭ ‬لها‭. ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬ألهم‭ ‬ضباط‭ ‬وجنود‭ ‬الجيش‭ ‬الذين‭ ‬حققوا‭ ‬النصر‭. ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬بمصر‭ ‬والأمة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الهزيمة‭ ‬الى‭ ‬النصر‭.‬

لكل‭ ‬هذا،‭ ‬لحظة‭ ‬عبور‭ ‬القناة‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬وتحقيق‭ ‬النصر‭ ‬العظيم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬لحظة‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬عدو‭ ‬غاشم‭.. ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬انتصار‭ ‬إرادة‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬وأمة‭ ‬عربية‭.. ‬لحظة‭ ‬تجسيد‭ ‬للقدرة‭ ‬الجبارة‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬حين‭ ‬تقرر‭ ‬ان‭ ‬تقاوم‭ ‬وأن‭ ‬تنتصر‭ ‬لحقها‭ ‬وتستعيده‭.‬

اليوم‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬نحن‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬الى‭ ‬استعادة‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬وتأكيدها‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬بالذات‭. ‬

اما‭ ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬الذين‭ ‬يتصورون‭ ‬انها‭ ‬استسلمت‭ ‬او‭ ‬رضخت‭ ‬للواقع‭ ‬المؤلم‭ ‬المهين،‭ ‬فانهم‭ ‬يخطئون‭ ‬كثيرا‭ ‬ان‭ ‬بنوا‭ ‬حساباتهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭. ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬قدرات‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تفعله‭ ‬ان‭ ‬هي‭ ‬قررت‭ ‬ان‭ ‬تنتفض‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬اعدائها‭.‬

MENAFN05102022000055011008ID1104975170


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية