(
MENAFN- Alghad Newspaper)
سام كيلي – (الإندبندنت) 2025/1/20
يدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض وقد عصف برأسه الغرور بسبب الدور الذي لعبه في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
ولا شك في أن حلفاءه وأعداءه حول العالم يخططون الآن لاستغلال غروره ونقاط ضعفه. فهل يفاجئ دونالد ترامب العالم ويسعى إلى إحلال السلام في أوكرانيا؟
* * *
رداً على سؤاله عمن ينسب له الفضل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أبرم في قطر، هو أم دونالد ترامب؟ رد الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، بسرعة "هل هذه دعابة"؟ لكنها لم تكن كذلك. صحيح أن زعم ترامب بأنه المسؤول عن التوصل إلى الاتفاق "الأسطوري" كان مضحكاً، لكنه أسهم فيه حقاً.
عمل فريق بايدن يداً بيد مع إدارة ترامب المرتقبة -ومع مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف- من أجل إبرام الاتفاق الذي تطلب تحقيقه أشهراً طويلة من العمل.
ولم يكن من قبيل المصادفة أنه تم في آخر أيام عهد بايدن، وفي الأسبوع الذي سبق الموعد المحدد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وقد علم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إشراك ترامب في الاتفاق سيعبد الطريق أمام علاقات ودية مع الرئيس الـ47 للولايات المتحدة.
كما تعلم "حماس" من جهتها أن ترامب سيظل على الدوام عدواً لها، لكنه عدو قد يفي فعلاً بوعده بأن "الجحيم" ينتظر الانفجار في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
في الغالب، يستخف الجميع في عالم السياسة الخارجية بترامب ويعتبرونه طفلاً معرضاً لنوبات غضب. لكن عهد الرئيس الـ45 يشهد على أن النهج الذي اتبعه في بلوغ "السلام من طريق القوة" ووضع "أميركا أولاً" في الصدارة، إضافة إلى السمعة التي تلاحقه بأنه رجل لا يمكن التكهن بتصرفاته، كان أفضل من الفوضى التي يتركها بايدن خلفه. وكان أبرز ما وسم عهد بايدن هو إحجامه عن منح أوكرانيا الدعم العسكري الكافي لدحر القوات الروسية، ومنحها ما يكفيها لكي تستنزف فقط من دون أن تهزم.
كما عجز عن لجم القصف الإسرائيلي العنيف لغزة باستخدام أسلحة أميركية -إذا أراد ذلك من الأساس- بينما أسفر هذا القصف عن مواجهة إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب، والتي قد تلاحق أميركا أيضاً.
وتمكنت إيران في عهد بايدن من توسيع رقعة عملياتها المزعزعة للشرق الأوسط إلى أن كفت إسرائيل يدها بالهجوم الذي شنته على أراضيها وبتدمير "حزب الله" في لبنان.
كما أن النهاية البائسة لـ20 عاماً من الحرب وخسائر الغرب من الأرواح والثروات في أفغانستان حصلت في عهد بايدن أيضاً.
يدخل ترامب البيت الأبيض وقد عصف برأسه الغرور بسبب دوره في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. ولا شك في أن حلفاءه وأعداءه حول العالم يخططون الآن لاستغلال نرجسيته وغروره بصورة كبرى. هل يضع جائزة نوبل للسلام نصب عينيه الآن؟
من منظور روسيا، هذا طموح يستحق التعزيز. فقد تبجح ترامب غير مرة بأنه قادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وهو يريد الإشراف على المحادثات بين موسكو وكييف.
إذا تمكنت روسيا من إبقاء هذه الفكرة حاضرة في الأذهان، فربما يقلص ترامب المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا ويفرض على الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن يتخلى عن المناطق الشرقية التي أحكم الغزاة الروس القبضة عليها بالفعل.
لن تكفل أي صفقة من هذا النوع لترامب أي جوائز نوبل ولن تُحل السلام في أوروبا -ولكن عندها، سيكون بوتين قد فاز بكل ما بإمكانه أن يأمل في تحقيقه واقعياً.
بيد أن ترامب أظهر أخيراً مؤشرات إلى أنه ربما لن يكون مستعداً لتبني مقاربة مبسطة لمعالجة الحرب في أوكرانيا.
ولن يتحققق إنهاء الحرب هناك في 24 ساعة، بل سيتطلب ستة أشهر على الأقل. ولا شك في أنه لا يرغب في أن يراه الآخرون على أنه الرجل الذي خسر كييف كما يلام بايدن على خسارة كابول.
في غالب الأحيان، أعطى الرجل الانطباع بأنه مناهض لحلف الشمال الأطلسي، (الناتو)، وقد هدد بالانسحاب من الحلف الذي ضمن أمن الغرب منذ الحرب العالمية الثانية.
لكنه خفف من لهجته بمطالبة أعضاء الحلف برفع إنفاقهم العسكري إلى خمسة في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي (تخصص معظم الدول أقل من الحد الأدنى الذي اتفق عليه 'الناتو' وهو اثنان في المائة).
وأصبح إنفاق بولندا يقارب 4.7 في المائة وهناك مؤشرات كثيرة على أن كثيراً من الدول الأوروبية تسعى إلى مجاراة هذه النسب.
وهكذا سيتعامل الأوروبيون بحذر مع ترامب -وينزلون في الإجمال على مطالباته إياهم بالاهتمام بشؤونهم بأنفسهم- خوفاً من أن يساعد بوتين على إحراز نصر جزئي.
وهذه خطوة جيدة بنظر الأميركيين، حيث لا تشكل روسيا خطراً كبيراً على الولايات المتحدة. لكنها تشكل خطراً حقيقياً على أوروبا، ولذلك يعتبر إنفاق أوروبا على حمايتها الخاصة أمراً معقولاً من الناحية السياسية وسليماً من الناحية الاقتصادية.
باتت فرنسا -والآن المملكة المتحدة- تدرس إمكانية إرسال قواتها لضمان أمن أوكرانيا (إذا وافقت كييف أساساً على وقف إطلاق النار مع روسيا). لكن روسيا لن تقبل بخطوة كهذه لأنها تضع أعضاء "الناتو" على بابها.
تتركز توجهات ترامب بالفطرة نحو الداخل إجمالاً. وهو مهووس بقضايا الهجرة وأميركا الوسطى.
وفي هذا الوقت، تعصف الاضطرابات بالمكسيك وفنزويلا والسلفادور، وقد ابتليت هذه الدول بانتشار المخدرات والفوضى، وربما يحاول تركيز الانتباه على أميركا الوسطى والجنوبية بدلاً من مواصلة المغامرات الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط وما بعده.
كما أن مخططاته بشأن الاستيلاء على غرينلاند وكندا وقناة بنما مجنونة وتهدد أسس القانون الدولي الذي يقوم عليه الكوكب - لكنها أيضاً مؤشرات على تركيزه على مشكلات قريبة من بلاده.
ويواجه ترامب معضلة الصين التي تمثل منافساً حقيقياً على النفوذ العالمي. وهي تمضي قدماً في مسار توسعها العسكري ودبلوماسيتها الاقتصادية على مستويات لا تضاهى.
وقد بسطت شبكات علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في كل أرجاء العالم النامي من كالكوتا إلى كيب تاون وكاراكاس. كذلك تملك الصين قواعد استخباراتية في كوبا، وقد أغرقت أميركا بالمواد الأفيونية التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الأشخاص.
هدد ترامب بشن حرب تجارية على الصين على خلفية الرسوم الجمركية على صادرات بكين إلى الولايات المتحدة، بينما ما تزال تايوان تواجه تهديداً عسكرياً فعلياً من البر الصيني.
ولدى سؤاله عن استعداده للدفاع عن الدولة الجزيرة في حال اجتاحتها الصين، اكتفى بقوله "أفضل ألا يقدموا على ذلك".
يعتبر ترامب رجل الصفقات والتعاقدات. لذلك من الأرجح أن يحاول استئناف مسار عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وكان هو الذي شق مسار "اتفاقات أبراهام" التي "طبعت" العلاقات بين الدولة العبرية من جهة، والإمارات والمغرب والبحرين والسودان من جهة أخرى.
لكن أحد الأسباب التي جعلت "حماس" تشن هجماتها القاتلة على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 هو تجاهل القضية الفلسطينية في غمار "السعي إلى التطبيع" وإبرام "اتفاقات أبراهام".
ربما يؤمن المتفائلون الآن بأن رغبة ترامب في تحقيق انتصارات دبلوماسية قد انتعشت بعد محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وهو قادر على التأثير في نتنياهو ولديه علاقات جيدة مع السعودية وفهم أفضل لضرورة إيجاد حل عادل للشعب الفلسطيني إضافة إلى ضمان أمن إسرائيل.
وربما يرغب الرئيس الأميركي الجديد أيضاً في قيادة الجهود الرامية إلى إعادة فتح عملية سلام. لا ريب في أن ذلك سيكون خطوة "تاريخية"، لكنها أيضاً مسار طويل وممل نهايته الفشل الحتمي.
ولا يريد ترامب أبداً أن يسجل عليه أي إخفاق. لذلك، العبرة المستخلصة من غزة هي أن ترامب يهوى الانتصارات والتهليل الذي يرافقها. ولكن يرجح ألا يخاطر بالظهور بمظهر "الخاسر" حتى وإن تعلق الأمر ببوتين -وقد يكون ذلك خبراً يثلج قلب أوكرانيا.
*سام كيلي: كاتب في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية
اقرا المزيد في ترجمات
كيف تمكن ترامب من العودة إلى البيت الأبيض؟
MENAFN24012025000072011014ID1109126928