Thursday, 16 January 2025 05:15 GMT



المشهد السوري: بانوراما موجزة..! (4-4)

(MENAFN- Alghad Newspaper)




لخصت كاتبة "الإندبندنت" ماري ديجيفسكي في وقت سابق من هذا الشهر المشهد في سورية، فكتبت "أدى سقوط بشار الأسد في سورية إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من الغموض وعدم الاستقرار، وأصبحت أمام فرصة نادرة إما لتحقيق الاستقرار أو على الأرجح للتوجه نحو مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار".
ومثل ديجيفسكي، عكست معظم رؤى الخبراء الغربيين التعقيدات والشكوك المحيطة بمسار سورية المقبل. على سبيل المثال، كتب ‏‏دانيال بايمان‏‏، الأستاذ في جامعة جورج تاون:‏ ‏"سيكون من الصعب جدا على أي نظام توحيد البلاد. هناك مجموعات قتالية مختلفة ذات قواعد قوة متميزة، وسورية تواجه تحديات اقتصادية عديدة". ‏وكتب زميل "مجلس العلاقات الخارجية"، ستيفن كوك: "على الرغم من أن المعارضة التي تقودها "هيئة تحرير الشام" تتجنب الإجراءات المتطرفة، إلا أن لها تاريخا في ممارسة القوة الغاشمة". ويركز إليوت أبرامز‏‏، زميل "مجلس العلاقات الخارجية"، على دور السوريين في تشكيل مستقبلهم:‏ "الإجابة تتكون من كلمة واحدة هي 'السوريون' -أي التوازن الفعلي للقوى داخل البلاد وقدرة الجماعات المحلية –العلويين، والدروز وما إلى ذلك – على تأكيد حماية أنفسها".
لكننا نعرف أفضل بحكم معايشتنا المباشرة للديناميات التي تعمل في المنطقة. ويشاركنا هذه المعرفة الصحفي البريطاني، جوناثان كوك، بحكم أنه أقام 20 عاما في مدينة الناصرة الفلسطينية المحتلة، حيث مختصر القصة كلها. وقد توقع كوك لسورية سيناريوهين: إما دولة خاضعة على طريقة الضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية؛ أو مكانا مدمرا مثل قطاع غزة في ظل "حماس".
يشير توقع كوك إلى المعيار الأساسي لتقرير مصير الدول في الإقليم: إما الانسجام مع المشروع الأميركي-الصهيوني للإخضاع والتطبيع في الشرق الأوسط، أو مواجهة المصير المحتوم من الفوضى والتخريب. ولن تكون سورية استثناء، بل تمت تهيئتها لقبول الخيار الأول خلال الثلاثة عشر عاما الماضية. وبذلك، لا يراد أن يكون الخيار السوري سوريا بالضبط.
‏‏على صعيد طبيعة الحكم، إذا ذهبت "هيئة تحرير الشام" إلى الاعتدال– ربما على الطريقة التركية- لا شيء يضمن أن لا ينقلب المتشددون من الإسلامويين الذين تحالفوا مع "الهيئة" عليها وربما تكفيرها بسبب تخليها عن الأصول. وإذا تشددت الهيئة، فإن حكمها سيتعارض مع ما تعود عليه الناس من التقاليد العلمانية. وإذا قررت الحكومة السورية التطبيع مع الكيان، فقد لا يعجب ذلك شعبا أرضه محتلة وتربى على كراهية الاستعمار. وإذا قررت معاداة الكيان، سخطت عليها أميركا وأنصار التطبيع وعزلوها وأفشلوها. وهكذا.
من الواضح أن مستقبل سورية غير واضح، لكن هناك ستة سيناريوهات ممكنة يجري طرحها، تنسجم إلى حد كبير مع تصور اقترحه الأكاديمي أسعد أبو خليل في مقال نشره مؤخرا في "كونسورتيوم نيوز".
يتصور السيناريو الأول نموذج ليبيا: مع استمرار الفوضى والتجزئة نتيجة للصراعات بين الفصائل والتدخل الخارجي، سوف ستستمر القوى الإقليمية مثل تركيا، والدول العربية صاحبة المصلحة، إلى جانب الفاعلين العالميين مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في التنافس على النفوذ. وسوف يجعل انهيار السلطة المركزية الجديدة سورية عرضة لمزيد من الاستغلال، ومزيد من تهديد سلامة أراضيها.
ويتصور السيناريو الثاني نموذج الانقلاب العسكري: على غرار المثال المصري، قد تنظم الدول العربية المؤثرة المناهضة للإسلاميين انقلابا عسكريا لتثبيت نظام عميل. ويغلب أن يتماشى مثل هذا النظام مع مسيرة "اتفاقات أبراهام"، مما يمهد لتطبيع العلاقات مع الكيان وتعزيز تحالف إقليمي ضد إيران. ومع ذلك، سيواجه هذا السيناريو مقاومة شديدة من الفصائل الإسلامية المهيمنة، وسيؤدي إلى مزيد من العنف.
أما السيناريو المتفائل فيتصور الانتقال الديمقراطي: ويتخيل هذا السناريو حكومة انتقالية تمهد الطريق للديمقراطية. وفي هذا النموذج، يمكن أن تؤدي الانتخابات الحرة وكتابة دستور جديد إلى عصر من الإصلاح السياسي. ومع ذلك، لن تحب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مثل هذا السيناريو، وهما اللتان تفضلان دائما نموذج الأنظمة الاستبدادية– بالإضافة إلى أن أحدا في الإقليم لا يريد أن يرى إلى جواره نموذجا لحكم ديمقراطي حقيقي قد يكون معديا. كما أن الوجود المستمر للميليشيات والضغوط الخارجية ستشكل عوائق كبيرة أمام تحقيق الديمقراطية الحقيقية.
يتصور السيناريو الرابع حكما دكتاتوريا لـ"هيئة تحرير الشام" تسيطر فيه "الهيئة" على السلطة وتؤسس نظاما ثيوقراطيا. وعلى الرغم من أن هذه النتيجة قد تحقق استقرارا ظاهريا، إلا أنها ستعزل الأقليات وتزيد من التوترات الاجتماعية. وقد تتسامح الولايات المتحدة والكيان مع مثل هذا النظام إذا كان يخدم مصالحهما الإستراتيجية، خصوصا إذا كان يحد من الخطاب والنشاط المناهضين للكيان.
ويتصور السيناريو الخامس سورية مقسمة، حيث قد ينقسم البلد إلى مناطق شبه مستقلة، تدير كلا منها فصائل محلية. وكانت هذه البلقنة دائما على الأجندة، وسوف ترضي الإستراتيجيين الغربيين وفي الكيان الذين يعتبرون سورية مفككة أقل تهديدا. ومع ذلك، ربما تعارض تركيا بشدة أي شكل لدولة أو كيان كردي، مما قد يؤدي إلى تدخلات عسكرية إضافية.
أما السيناريو الأقل احتمالا وأكثر خيالية، فهو استعادة النظام القديم: وقد تصور الذين طرحوا هذا السيناريو عودة نظام الأسد بدعم من إيران و"حزب الله". لكنّ من الواضح أن هذا التقدير غير الواقعي يتجاهل حالة إيران و"حزب الله"، وازدياد عدوانية الكيان، والكثير من العوامل الأخرى التي تجعل احتمال تحقق هذا السيناريو في منطقة المستحيل.
بالإجمال، سوف يجد المرء في معظم التعليقات على الوضع السوري، خاصة الغربية، حديثا عن فرصة ينطوي عليها الموقف الراهن. ويشير كثيرون إلى أن "بروز إرادة وطنية قوية تدعمها جهود دولية مخلصة قد يُمهّد الطريق لتحقيق السلام والاستقرار"، ويؤكدون على أن مصير سورية مرهون بقدرتها على استعادة سيادتها وتوحيد صفوفها للخروج من ظلال الحرب إلى آفاق السلام والتنمية.
لكن إصرارهم أيضا على أن مستقبل سورية مرتبط بديناميات الشرق الأوسط الأوسع يتناقض مع شروط استعادة السيادة وتوحيد الصفوف والإرادة الوطنية – والجهود الدولية المخلصة. إن الديناميات في المنطقة تذهب نحو مصادرة السيادة، وتفريق الصفوف وتشويش الإرادة الوطنية. كما أن "الجهود الدولية" عبرت عن نفسها بتعميق أزمة سورية بدلا من حلها، وبعدد كبير من المشاركين في التخريب. وبفضل هذه الجهود نفسها، أصبح "الاستقرار" في الشرق الأوسط طباقا لـ"الخضوع" الطوعي للهيمنة الأميركية والصهيونية– أو الخضوع بالتدمير. وليست سورية استثناء.
كما تبدو حالة الأمور، ربما لا تعرف حتى القوى التي تعبث بالمشهد السوري ما سيحدث فيها غدا، بالنظر إلى عدم معرفة نوايا المنافسين الآخرين. وتبقى سورية، بمعنى الشعب والتاريخ والمقدرات، في كل أحوالها، جزءا من حالة النضال الشعبي العربي الكلي من أجل تحرير الإرادة، واستعادة روح الأمة، والتخلص من هيمنة الآخرين.

MENAFN15012025000072011014ID1109094840


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.