(
MENAFN- Alghad Newspaper)
إسراء الردايدة
تونس- اختتمت أمس، فعاليات الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية، التي استمرت 8 أيام، عرض فيها 218 فيلما من 21 دولة. وتميزت هذه الدورة بحضور قوي للسينما التونسية، حيث شاركت بـ12 فيلما، إضافة إلى تكريم السينما الفلسطينية كضيف شرف، إلى جانب الأردن والسنغال.
وشملت الفعاليات عروضًا في المؤسسات السجنية والثكنات العسكرية، مما يعكس التزام المهرجان بنشر الثقافة السينمائية في مختلف الأوساط.
وفي حفل الختام، تم توزيع الجوائز على الفائزين في مختلف المسابقات الرسمية ؛ حيث حصد فيلم "الذراري الحمر" للمخرج لطفي عاشور (تونس) التانيت الذهبي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، بينما تقاسم فيلم "سلمى" للمخرج جود سعيد (سورية) مع "الذراري الحمر" جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل.
الذراري الحمر.. براءة في مواجهة الإرهاب
فيلم "الذراري الحمر" من إخراج لطفي عاشور، الذي حصل على جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل، يقدم قصة مؤثرة عن العنف والقسوة في الريف التونسي من خلال عيون طفل صغير. الفيلم، الذي تبلغ مدته 101 دقيقة، هو إنتاج مشترك بين تونس، فرنسا، بلجيكا، بولندا، السعودية وقطر، ويستند إلى حادثة واقعية حدثت في 2015 خلال الاضطرابات في تونس.
تتابع القصة الشاب أشرف، راعي الماعز البالغ من العمر 14 عامًا، وابن عمه نزار، اللذين يعيشان في ظروف صعبة في قرية ريفية. خلال رحلة إلى جبل مغيلة، حيث تسود تهديدات من الألغام والجهاديين، تنقلب حياتهما رأسًا على عقب عندما يُقتل نزار بوحشية على يد متطرفين، ويُترك أشرف ليحمل رأس قريبه إلى المنزل.
مشهد من فيلم الذراري الحمر
المخرج لطفي عاشور يقدم القصة من وجهة نظر أشرف، مما يعمق الإحساس بالعجز والصراع الداخلي. استخدام التصوير القريب لوجه الطفل يعكس الصدمة النفسية التي يعانيها.
مدير التصوير فويتشيخ ستارون يجلب أسلوبًا بصريًا ديناميكيًا يمزج بين الواقع والخيال، مع انتقالات سلسة بين الماضي واللحظة الراهنة. وتصميم الصوت الذي أبدعه أيمن العبيدي يسهم بشكل كبير في إيصال مشاعر الشخصية الرئيسية من خلال تضخيم اللحظات المروعة وتداعياتها.
ويوضح الفيلم واقعا من المجتمع التونسي حيث الطفولة قصيرة والأمل نادر، مع تصوير لتناقضات الحياة اليومية والضغوط بين الحكومة والجهاديين. كما يبرز غياب الدعم المؤسسي لعائلة أشرف، مما يدفعهم للتعامل مع المأساة بمفردهم.
وقدم الطفل علي هلالي في دور أشرف أداءً رائعًا يعكس عمق المشاعر والصراعات النفسية. ويد دبّابي في دور صديقة نزار تضيف بُعدًا عاطفيًا آخر للقصة.
طاقم فيلم الذراري الحمر التونسي
"سلمى" السوري.. أفضل ممثلة وجائزة الجمهور
فيلم "سلمى" للمخرج السوري جود سعيد يتناول قصة سلمى، المعلمة السورية التي تتحول إلى رمز للشجاعة والصمود إثر زلزال مدمر يضرب اللاذقية، يسلط الضوء على نضالها للحفاظ على أسرتها ومجتمعها في ظل ظروف قاسية. يبرز العمل التحديات التي تواجهها النساء السوريات في زمن الحرب والكوارث، ويعالج قضايا مثل الفقر، الظلم الاجتماعي واستغلال النفوذ.
وفاز فيلم "سلمى" بجائزتين في الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، حيث نال جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل بالتساوي مع فيلم "الذراري الحمر"، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثلة التي حصلت عليها سلاف فواخرجي تقديرًا لأدائها في العمل، رغم الانتقادات التي رافقت بعض مشاهدها.
مشهد من فيلم سلمى السوري
تدور القصة حول سلمى التي تفقد زوجها وتعيش مع عمها وطفليها، متحملة عبء إعالة الأسرة رغم المصاعب القانونية والاجتماعية. تواجه استغلالاً من مهربين وصدامات مع رجال نفوذ، لكنها تجد نفسها مرشحة تمثل المهمشين في مجلس الشعب، قبل أن تتعرض لضغوط تدفعها للتخلي عن هذا الحلم.
رغم عودة سلاف فواخرجي إلى السينما بعد غياب طويل، إلا أن أداءها في هذا العمل كان أقل من المعتاد، حيث بدت في بعض المشاهد وكأنها لا تعيش الشخصية بالكامل، مما جعل الأداء يبدو غير حقيقي أحيانًا. ومع ذلك، نالت جائزة أفضل ممثلة في الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، وهو ما أثار جدلًا بين النقاد والجمهور، خاصة مع قوة المنافسة بين الأعمال المشاركة.
مخرج الفيلم جود سعيد يمزج بين الدراما والكوميديا السوداء في معالجة تداعيات الزلزال والحرب، مع إظهار التناقض بين الطبقات الاجتماعية، حيث يصور كفاح الطبقة الفقيرة مقابل استغلال الأثرياء للمعاناة، خاصة من خلال التقاط يوميات السوريين بلمسة واقعية مع مشاهد للريف والمؤسسات والنقل العام.
ورغم الانتقادات التي طالت المخرج بسبب قربه من السلطة في سورية، قدم سعيد في فيلمه شهادة مؤثرة على واقع السوريين، خاصة النساء، وسط الحرب والكوارث.
المخرج السوري جود سعيد
"الفيلم عمل فدائي".. إعادة تشكيل الأرشيف بين المقاومة والسينما
"الفيلم عمل فدائي" للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري الذي فاز بالتانيت الذهبي في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، هو عمل سينمائي يتحدى السرديات السائدة من خلال مقاربة جريئة وابتكارية للأرشيف الفلسطيني، الذي تعرض لنهب ممنهج أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت العام 1982.
يتناول الفيلم واقعة الاستيلاء على مركز الأبحاث الفلسطيني وما تبع ذلك من نهب لوثائق تاريخية وصور ثابتة ومتحركة. يقدم الجعفري رؤيته من خلال استخدام مواد أرشيفية موجودة في الأرشيف الإسرائيلي، مما يطرح تساؤلات حول ملكية التاريخ وكيفية استعادته وتفسيره. هذه المواد الأرشيفية يتم التعامل معها بشكل "تخريبي بصري وصوتي"، إذ يعيد المخرج تشكيلها لتصبح أرشيفًا مضادًا يواجه السرد الكولونيالي ويقدم رواية بديلة.
من خلال "الفيلم عمل فدائي"، يعيد كمال الجعفري تعريف مفهوم المقاومة في السينما، متجاوزًا الحدود التقليدية للأفلام الوثائقية. الفيلم لا يقتصر على توثيق الحدث، بل يستخدم الوسائط البصرية لإعادة تشكيل السرد الفلسطيني. يربط الجعفري بين الماضي والحاضر، مستحضرًا صورًا وذكريات تعرضت لمحاولة محو منهجية، ومسلطًا الضوء على دور السينما في إحياء الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.
ويمتاز الفيلم بلغة بصرية مكثفة تسخر من المواد الأرشيفية المأخوذة من الأرشيف الإسرائيلي. أسلوب الجعفري يقوم على "الهدم وإعادة البناء"، حيث يعيد تفسير الصور المسروقة ضمن سياق فلسطيني. يعتمد الفيلم على تقنيات مونتاج مبتكرة، تضيف إلى المشاهد إحساسًا بالانتماء والمقاومة. تصميم الصوت في الفيلم يعزز التجربة البصرية، حيث تمتزج الأصوات الطبيعية مع المؤثرات الصوتية التي تحمل المشاهد في رحلة عاطفية غنية.
ويطرح الفيلم رسالة عميقة عن أهمية استعادة السرديات التاريخية المسروقة وضرورة مقاومة الهيمنة الثقافية. من خلال عمله، يطالب الجعفري بحق الفلسطينيين في أرشيفهم وتاريخهم، ويكشف كيف يمكن للفن أن يصبح سلاحًا فعالًا في مواجهة الاحتلال. كما يمثل الفيلم تذكيرًا بقدرة السينما على استعادة الحقوق الثقافية وتحفيز النقاشات حول الهوية والذاكرة.
الفائزون في "قرطاج السينمائي"
توزعت الجوائز على مختلف الفئات بشكل يعكس تنوع الأعمال وتميزها. في فئة جوائز الجمهور، حصل فيلم "في قاعة الانتظار" لمعتصم طه (فلسطين) على جائزة الجمهور للفيلم الروائي القصير، بينما تقاسم كل من فيلم "سلمى" لجود سعيد (سورية) و"الذراري الحمر" للطفي عاشور (تونس) جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل. أما جائزة أفضل فيلم للسينما الواعدة فكانت من نصيب فيلم "اللعنة" لبثينة علولو (تونس).
في المسابقة الوطنية التونسية، حاز فيلم "ثنية عيشة" لسالمة الهبي على جائزة أفضل فيلم تونسي قصير، وفاز فيلم "لون الفسفاط" لرضا التليلي بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل تونسي، بينما حصل فيلم "قنطرة" لوليد مطار على جائزة أفضل فيلم روائي طويل تونسي.
في فئة الأفلام الوثائقية القصيرة، ذهب التانيت البرونزي إلى فيلم "رحلة باهاتي في التربية الجنسية" لسيتاباوو كاياراي (كينيا)، والتانيت الفضي لفيلم "فريحة" لبدر يوسف (اليمن)، بينما نال التانيت الذهبي فيلم "الأيام الأخيرة مع إليان" لمهدي الحجري (تونس).
أما في الأفلام الوثائقية الطويلة، فقد حصل فيلم "NDar Saga Waalo" لعصمان وليام مباياي (السنغال) على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وفاز فيلم "ماتيلا" لعبد الله يحي (تونس) بالتانيت البرونزي، والتانيت الفضي كان من نصيب فيلم "تونغو SAA، يستيقظ في الليل" لنيلسون ماكينغو (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، بينما حصل فيلم "الفيلم عمل فدائي" لكمال الجعفري (فلسطين) على التانيت الذهبي.
في الأفلام الروائية القصيرة، نال فيلم "عالحافة" لسحر العشي (تونس) التانيت البرونزي، والتانيت الفضي كان لفيلم "أحلى من الأرض" لشريف البنداري (مصر)، بينما حصل فيلم "بعد ذلك لن يحدث شيء" لإبراهيم عمر (السودان) على التانيت الذهبي.
وفي الأفلام الروائية الطويلة، حصل فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" لخالد منصور (مصر) على تنويه خاص من لجنة التحكيم، بينما فاز فيلم "عايشة" بجائزة أفضل تركيب، وفيلم "القرية المجاورة للجنة" بجائزة أفضل صورة، وذهبت جائزة أفضل موسيقا إلى فيلم "أرزة" (لبنان). كما حصل سامي لشعة (الجزائر) على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "الاختفاء"، وسلاف فواخرجي (سورية) على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "سلمى"، بينما نال بودي أسيانبي (نيجيريا) جائزة أفضل سيناريو عن فيلم "الرجل مات".
جائزة العمل الأول "الطاهر شريعة" كانت من نصيب فيلم "هانامي" لدنيس فرنانديز (الرأس الأخضر)، وحصل فيلم "دمبا" لمامادو ديا (السنغال) على التانيت البرونزي، والتانيت الفضي لفيلم "إلى عالم مجهول" لمهدي فليفل (فلسطين)، بينما حصد فيلم "الذراري الحمر" للطفي عاشور (تونس) التانيت الذهبي.
أبطال فيلم "إلى أرض مجهولة" الفلسطيني-(من المصدر)
MENAFN22122024000072011014ID1109022254