(
MENAFN- Alghad Newspaper)
كتب الدكتور المهندس مراد الكلالدة
نشر
البنك الدولي للإنشاء والتعمير (البنك الدولي) دراسة حديثة أعدها خبراء دوليين
يتقدمهم Jon Kaw وآخرين، بعنوان عمّان
المستقبل، على منعطف مفصلي. وقد آثرت تضمين عنوان المقالة "مفترق الطرق"
كما جاء بالنص الأصلي بالإنجليزية Future Amman Positioned at a Juncture
لقد
خلصت الدراسة للتوصية بإتباع ثلاثة إستراتيجيات للنمو المكاني المستدام وهي 1)
تحسين التخطيط المكاني والتكامل عبر القطاعات 2) تحديد أولويات الإصلاحات
والإستثمارات الرئيسية في حدود الموارد المحدودة ونافذة الفرص الصغيرة 3)
الإستفادة من الأصول العامة وإطلاق نهج التمويل بضمان الأراضي والإستفادة من
إرتفاع قيمتها. وسنناقش الحيثيات التي أفضت لهذه الخلاصة لأهميتها.
ففي
المجال الأول، نلاحظ التوجيه للتركيز على التخطيط المكاني بكل مستوياته، وأن يكون
عابر للقطاعات، فما معنى ذلك. لقد أطلقت أمانة عمّان الكبرى (الأمانة) خطتها
الإستراتيجية للأعوام
2022-2026 متضمنة 212 مشروعاً ومبادرة تهدف إلى تحقيق 15 غاية ومجموعة من الأهداف
الإستراتيجية تندرج تحت كل غاية، وعدد من المشاريع بقيمة إجمالية تبلغ 918 مليون
دينار. إن تنظيم الخطة الإستراتيجية للأمانة قد إنتهج مبدأ التخصص القطاعي، بمعنى تقييد
الغاية بالمشاريع التي خصص لكل منها بطاقة مشروع، تبين المالك والمدى الزمني ومؤشرات
الأداء والشركاء والموازنة المطلوبة.
لقد
أنتقدت الدراسة بشكل غير مباشر التوسع الحضري الذي أدى إلى التجزوء المكاني، وتمت
الإشارة إلى المناطق التي تم إضافتها لمساحة المدينة سنة 1987 وقدرها 400 كيلومتر
مربع، بدون تسميتها، والمقصود بذلك هي دراسة دار الهندسة بعنوان "الخطة
التنموية الشاملة لعمان الكبرى" والتي "تم على أساسها إنشاء أمانة عمّان
الكبرى، لتضم بالإضافة إلى ثلاثة عشر بلدية مجاورة ومدينة أبو نصير الجديدة، وعشرة
مجالس قروية وبعض المناطق الريفية. وبذلك، فإن عمّان الكبرى تغطي مساحة تبلغ
528000 دونم (528 كيلومتر مربع) من الأراضي الريفية والمناطق الحضرية، يصل عدد
سكانها إلى حوالي مليون نسمة.
وقد أسهمت تلك التوسعة، حسب دراسة البنك الدولي، في تشكل تجمعات ونماذج وتشكيلات
عمرانية وحضرية غير منظمة وتتسبب بالإزدحام على نحو يفرض ضغوطاً على البنية
التحتية، ويزيد من تكاليف تقديم الخدمات، ويحد من إمكانية السير على الأقدام في
المدينة، وتؤدي هذه الحقيقة أيضاً إلى خلق تفاوتات مكانية، وضعف فرص الحصول على
الوظائف، وخفض الإنتاجية، وإطالة مسافات الإنتقال والوقت المستغرق فيه، ويسهم في
خسارة الأراضي الزراعية وزيادة البصمة الكربونية. إنتهى الإقتباس من الدراسة.
لقد
جاء هذا النص متوافقاً مع ما كنا ندعو إليه من الحد من إستقطاب عمّان، والضرر الذي
يحدثه التوسع بالرقعة الحضرية، لأنه وببساطة يتناقض مع مبدأ المدن التي تنشأ
لتركيز الأعمال ضمن مسافات قريبة، وعليه، فإن توسيع مساحة عمّان بمقدار 400
كيلومتر مربع في العام 1987، وتوسيعها الإضافي بالعام 2007 ضمن ما عرف بمخطط عمّان
الشمولي "مخطط عمان- نمو المدينة الكبرى- المتروبوليس" لتصل الى 1662 كيلومتر
مربع، قد زرع بذور ما خلصت اليه دراسة البنك الدولي، موضوع مقالتنا هذه.
ويحق لنا
أن نؤكد على صحة ما نادينا به على مدار السبعة عشر عاماً الماضية، وهو أن التوسع
الحضري سيؤدي الى التجزؤ المكاني Fragmented Spatial Growth علاوة عن أثره السلبي على الإخلال بالتنمية المتوازنة بالمملكة. إن
المراقب للتطور العمراني يلاحظ إنفلات السيطرة على المساحة المحددة بآخر مخطط
شمولي للأمانة، مخطط 2007، بكافة الإتجاهات، غير مراعية للخطط الموضوعة، فتمدد منطقة
طارق شرقاً من خلال أوتوستراد الزرقاء والتصقت بالرصيفة، والأخيرة أصبحت جزء من
الزرقاء الكبرى. الغريب أن خطورة التوسع الحضري هذه تم تعزيزها بتسيير خط للباص
سريع التردد ما بين عمّان والزرقاء، وكأنه خط باص داخلي بالمدينة. اما من الناحية
الغربية، أصبحت السلط قاب قوسين أو أدنى من الإلتصاق مع صويلح من خلال الكمالية،
ومن الجنوب والغرب، مرج الحمام بناعور بمادبا.
والأغرب
أن تسعى وزارة النقل لتعميم فكرة خط الباص السريع الزرقاء-عمّان للتنقل بين
المحافظات، وكأني أرى الكتلة الحضرية المتضخمة أصلاً، قد زاد حجمها للضعفين وأكثر،
وأصبحت عمّان وجاراتها تضم الغالبية العظمى من السكان.
وهذا تماماً ما جاء نصاً
بدراسة البنك الدولي "وتشير التحليلات إلى أن الحد من النمو المكاني غير
المخطط هو أحد أكثر المسارات فعالية من حيث التكلفة لتحقيق طموحات عمّان بخفض
الإنبعاثات الكربونية" .
لقد
اقترحت الدراسة مسارات عدة للإصلاح، ففي مجال التخطيط ضمن مسار الإصلاح التشريعي، تم
إقتراح وضع تشريعات تخطيط جديدة، وهذا ما تقوم به أمانة عمّان الآن، وقد انجزت
مسودة نظام التخطيط والتنظيم لمدينة عمان، ولكنه لن يحل محل قانون تنظيم المدن
والقرى والأبنية (قانون التنظيم) لسنة 1966 كما افترض الإقتراح، لأن ما يتم إعداده
هو نظام يصدر بموجب قانون أمانة عمّان الكبرى، وسيبقى قانون التنظيم ساري المفعول
لأن هناك العديد من الأنظمة صادره بموجبه، من ضمنها نظام الأبنية والتنظيم لمدينة
عمّان رقم 28 لسنة 2018 الصادر بمقتضى المادة (67) من قانون التنظيم رقم 79 لسنة
1966، كما أن المناطق التي التحمت حضرياً مع عمّان تتبع أنظمة مختلفة مرجعيتها
قانون التنظيم ويصعب التوفيق بينها.
قد يشكل نظام التخطيط والتنظيم، قيد الإعداد، خطوة
مهمة إلى الأمام لإيلاء موضوع التخطيط الحضري أهميه أكبر، فإن "السبب في
الإزدحامات المرورية في عمّان هو الأنماط الحالية لإستخدامات الأراضي والطلب على
البنية التحتية للنقل. وتبلغ خسائر الإزدحام المروري في عمّان من حيث التأخيرات
وإهدار الوقود 1.5 مليار دينار سنوياً، أو خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وذلك حسب ما جاء تحت عنوان "خدمات الربط وإستخدامات الأراضي" ضمن البند
الثاني من نتائج دراسة البنك الدولي. ويستطرد التقرير المعزز بإحصائيات موثقة إلى
أنه في المتوسط، لا يمكن للناس في عمّان الوصول إلا إلى 18% من أماكن العمل
إجمالاً في أقل من 60 دقيقة بإستخدام وسائل النقل العام والمشي. كما شدد التقرير
على ان البوابة لمزيد من التشغيل، هي من خلال رفع الكفاءة في نظام التخطيط الحضري
لتحقيق نتائج أفضل من وصول الناس إلى أماكن العمل، وتوفير فرص عمل للناس.
لقد
أتى التقرير على ذكر الباص سريع التردد في مواطن عدة، مثل "من شأن آثار خطوط
الباص السريع الجديدة أن تحسن ربط المناطق النائية بوسط المدينة، ويفيد ذلك بشكل
خاص العمّال في الصناعات التحويلية الذين يعيشون أيضاً في أبعد مكان عن وسط
المدينة". وقد عزز التقرير هذه الفكرة بالشكل (6) المكون من جزئين، يبين
الأول، التغيير في الطلب المتوقع على المساحة المبنية، ويشير ذلك إلى الحاجة
المستقبلية للمساحات المبنية (مثل الشقق السكنية، المكاتب التجارية، المرافق
العامة) بناءً على عوامل مثل النمو السكاني، التنمية الإقتصادية وتوسع المدن. ويستخلص
من هذا الشكل بأن قسم كبير من الأراضي التي تقع على مسارات الباص السريع قد وصلت
الى حد الإشباع التنظيمي (فوق 1.0) بمعنى أن المساحات التي يمكن بنائها على تلك
الأراضي أقل بكثير من الطلب. وتبين هذه الفجوة ضرورة الضغط لتعديل قوانين التنظيم
العمراني أو البحث عن حلول بديلة مثل إعادة تقسيم المناطق أو زيادة الكثافة
العمرانية.
وليس
بغريب أن تأتي طلبات المستثمرين بقطاع الإسكان لزيادة عدد الطوابق المسموح بها،
لأنها تتماشى مع النتيجة التي خلصت اليها الدراسة، وهي أن المساحات المبنية التي
توفرها الأحكام التنظيمية غير كافية للوفاء بالطلب، لا سيما وان الأراضي الواقعة
بالقرب من مسارات الباص السريع جاذبة، ولكن إستيعابها مقيد بموجب الأحكام
التنظيمية من جهة، وعرض الطرقات من جهة أخرى.
الجزء
الثاني من الشكل (6) يبين أثر هذا التغيير، نقصد بذلك أثر زيادة استيعاب الأراضي،
على نسبة التشغيل المتوقعة والتي سترتفع بنسب متفاوتة قد تصل الى 0.3 أو 30%. هذا
يعني بصورة مبسطة، بأن التكثيف العمراني على طول خطوط الباص السريع هو الأنسب،
لإحداث تحسن بالتشغيل.
ولا
يفوتني التنويه الى أنه يجب الموائمة بين القدرة الإستيعابية للباص السريع، ومدى
تحمله للزيادة المتوقعة بعدد السكان، فيما لو تم تعديل أنظمة البناء وفقاً لتوصيات
الدراسة. والحق يقال بانه المخطط الشمولي لأمانة عمّان الكبرى لم يغفل عن هذه
النقطة، فقد بينت دراسات أمانة عمّان الكبرى بأن نظام النقل العام سيتألف من أربعة مستويات هي: خدمة النقل
ذات المستوى العالي (قطار خفيف والباص سريع التردد BRT)،
ومستوى النقل بالحافلات الرئيسية الحديثة المؤهلة، وهو ما تشغلة باصات رؤية عمّان،
وخدمات الحافلات العادية مع حركة السير المختلطة، والمستوى الرابع هو المشاة، بعد
تأهيل المدينة لتصبح عمّان مدينة صديقة للمشاة.
إن
المشاكل التي واجهت تطبيق المستويات الأربعة للوصول الى نظام نقل عام فعال، قد
خلطت المستويات بعضها ببعض، واختزلت أجزاء وألغت أخرى بما أوصل النقل والمرور
بالمدينة الى حالة من الإستعصاء المروري، والتي تؤدي الى إعاقة التنمية والتشغيل.
لقد
تضمن التقرير العديد من الأشكال التوضيحية، وقد يكون من أهمها الشكل (15) الذي يحصر
أراضي الأمانة في عمّان وعددها أكثر من 4000 قطعة أرض بمساحة إجمالية قدرها حوالي
16 كيلومتر مربع، وحوالي 1000 مبنى بقيمة 2.2 مليار دينار. وشدد التقرير على أن الإستغلال
الأمثل لهذه الموجودات يمكن أن يؤدي الى التعافي المالي والإقتصادي للأمانة.
ويمكن
تلخيص الدراسة حسب ما ورد في النهج ثلاثي المحاور لتحقيق التحول المكاني، بثلاثة
إستراتيجيات تحاكي كل منها التحديات الأساسية (التجزؤ المكاني، عدم الإستفادة من
إمكانات النمو، قيود المالية العامة).
الإستراتيجية
(1) تحسين التخطيط المكاني والتكامل عبر القطاعات، من خلال التخطيط الديناميكي
وإستخدامات الأراضي المستجيبة للإحتياجات، وربط الناس والأحياء ربطاً جيداً
بالوظائف والخدمات وإقتصاديات التكتل.
الإستراتيجية
(2) تحديد أولويات الإصلاحات والإستثمارات الرئيسية في حدود الموارد المحدودة
ونافذة الفرص الصغيرة، من خلال توفير البنية التحتية على نحو إستباقي على مستوى
المدينة، ومشاركة القطاع الخاص في التنمية الحضرية.
الإستراتيجية
(3) الإستفادة من الأصول العامة وإطلاق نهج التمويل بضمان الأراضي، من خلال مشاركة
القطاع الخاص، وخلق قيمة للأراضي وتحصيلها.
السؤال
الذي تطرحه دراسة البنك الدولي علينا نحن الأردنيين، هو التالي: هل من الضروري
تعديل الخطة الإستراتيجية لأمانة عمّان 2022-2026 بما يتماشى مع توصيات هذه
الدراسة، أو أنه بالإمكان الإستمرار فيها لتحقيق الأهداف المرسومة.
MENAFN26112024000072011014ID1108928993