(
MENAFN- Alghad Newspaper)
جون رينتول* - (الإندبندنت) 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024
ثمة سيناريو غير بعيد الاحتمال يفيد بأن سياسة
ترامب الحمائية قد تؤدي إلى دفع العالم إلى كارثة تجارية قد تسهم في عودة بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي. يمكن أن ترغم سياسات الرئيس المنتخب تجاه أوكرانيا وتعريفاته الجمركية الدول الأوروبية على التعاون -وتقنع حزب "العمال" بأن مستقبل بريطانيا مرتبط بمسار الاتحاد الأوروبي
* * *
قد تترك عودة دونالد ترامب تأثيرين مختلفين على الميدان السياسي الأوروبي. من جهة، قد تحث الدول الأوروبية على توحيد صفوفها والتعاون للرد على السياسة الأميركية الوقائية وعلى سحب الدعم الأميركي لأوكرانيا.
ومن جهة أخرى، قد تشجع القادة الأوروبيين على الانكفاء نحو الداخل والتركيز على مصالحهم القومية، في مسعى منهم إلى إبعاد التهديد الذي يمثله مناصرو ترامب المحليون في الحكومات الحالية.
في هذا السياق، يحاول كير ستارمر الجمع بين الأمرين معاً؛ فقد وصل إلى بودابست يوم الخميس الماضي للمشاركة في قمة "المجلس السياسي الأوروبي"، والتحدث عن إبرام اتفاقيات مع صربيا وشمال مقدونيا وكوسوفو تتعلق بموضوع تهريب البشر. غير أن الكلام هنا يدور حول "المجلس السياسي الأوروبي" وليس الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول الثلاث ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي (حتى الآن). وبذلك، يمكننا القول إن ستارمر ينجح في مساعيه بتجنب اتهامات المحافظين له بالسعي إلى "إلغاء مفاعيل اتفاقية بريكست".
تجدر الإشارة إلى أن "المجلس السياسي الأوروبي" هو مبادرة مبتكرة أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتصور المجلس المذكور، كطبقة خارجية جديدة للاتحاد الأوروبي، على نحو يشبه طبقات البصل المتعددة. أما هدفه الإستراتيجي فواضح للعيان، ويتمثل في وضع عراقيل تَحول دون خروج بريطانيا تماماً من الاتحاد الأوروبي، مع أن نتائجه تُظهر حتى الآن أنه أداة دعم فاعلة للحكومة البريطانية.
صحيح أن ستارمر يتحدث عن الدعم الدولي، وهو ما يلقى استحسان الجناح الداعم للاتحاد الأوروبي داخل حزبه. بيد أن غاية المجلس فعلياً هي التركيز على قضية الهجرة غير الشرعية، والبقاء بمنأى عن نايجل فاراج. وقد سبق لرئيس الوزراء أن اعتمد النهج نفسه قبل أيام، خلال اجتماعات "الجمعية العامة للإنتربول" التي انعقدت في غلاسكو، حيث دعا إلى اعتماد مقاربة أوروبية متكاملة لمكافحة الجريمة المنظمة في صفوف المهاجرين، مشدداً على ضرورة أن يكون التعامل معها شبيهاً بالتعامل مع الإرهاب.
لا شك في أن عودة ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض تعقد هذه الإستراتيجية المزدوجة وتجعلها أكثر صعوبة.خلال فعاليات بودابست، قال مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورئيس الوزراء الهولندي السابق: "إنه سيرغمنا على فعل المزيد".
تجدر هنا ملاحظة أن (الناتو) ليس الاتحاد الأوروبي، ولذلك لا داعي للخوف من إعادة فتح ملف "بريكست". ولكن في حال قرر ترامب سحب الدعم المقدم لفولوديمير زيلينسكي، فستجد الدول الأوروبية نفسها أمام أسئلة صعبة ومؤلمة حول مدى استعدادها لدفع مبالغ إضافية دفاعاً عن الشعب الأوكراني في مواجهة عدوان فلاديمير بوتين.
في هذا السياق، تناول ستارمر هذا السؤال خلال جلسة "الأسئلة الموجهة إلى رئيس الوزراء" يوم الأربعاء الماضي، عندما طرحته عليه زعيمة حزب "المحافظين" الجديدة، كيمي بادينوك.
في الواقع، تخصص المملكة المتحدة حصة من دخلها القومي للنفقات الدفاعية تفوق تلك التي تنفقها أي دولة أخرى في حلف الناتو، باستثناء الولايات المتحدة. لكن حزب "العمال" وعد بزيادة هذا الإنفاق ليصل إلى 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، من دون أن يحدد إطاراً زمنياً لتحقيق هذا الهدف. وفي رأيي، تتلخص خطة ستارمر في الانتظار لمراقبة ما إذا كان ترامب سينفذ تهديده ووعده المتزامنين بإنهاء حرب أوكرانيا منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة.
من جهته، يراهن زيلينسكي على أن ترامب سيتجنب أن يُنظر إليه على أنه "ضعيف" وعاجز عن ضمان استمرار تدفق الأسلحة. ولكن، في حال نفذ ترامب وعوده بوقف التمويل، فقد تترتب على ذلك مشكلة كبيرة.
لو كانت بريطانيا ما تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، لأتيحت لها الفرصة لإثبات ريادتها في وقت يبدو فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضعيفاً في بلاده، وفي لحظة تتداعى فيها حكومة أولاف شولتز في ألمانيا. وفي ظل الظروف الحالية، صدر عن فيكتور أوربان، الزعيم الهنغاري المؤيد لبوتين الذي استضاف قمة "المجلس السياسي الأوروبي" الخميس الماضي، تعليق استفزازي، حث فيه الاتحاد الأوروبي على "مراجعة" مدى "استدامة" دعمه لأوكرانيا.
غير أن التحدي الفعلي في مواجهة ترامب قد يظهر في حال كان جاداً في تنفيذ تهديده بإطلاق حرب تجارية من خلال زيادة التعريفات الجمركية. وقد تشكل هذه الحرب وسيلة مؤلمة لإعادة تعليم الناخبين البريطانيين دروساً في التجارة الحرة، وهي دورة لا بد أن يمر بها الرأي العام بين الحين والآخر.
من المعروف أن التعريفات الجمركية تحظى بشعبية في بعض الفترات، حيث تعد أداة لحماية الصناعات المحلية. ولكن عندما تدفع هذه الإجراءات بالأسعار إلى الارتفاع وتظهر تدابير مضادة ترفع الأسعار أكثر بدورها، يبدأ الرأي العام في استيعاب فوائد التجارة الحرة وفهم أهميتها.
يختبر الرأي العام الأميركي هذه الدورات بين الحين والآخر. ذلك لأن جميع المرشحين للرئاسة يتعهدون بتقديم وعود بتفعيل التدابير الحمائية أثناء حملاتهم الانتخابية، لكنهم غالباً ما يعودون ليعتمدوا سياسات أكثر براغماتية عندما يصبحون في الحكومة. وفي الواقع، حتى ترامب كان أقل حمائية مما زعم خلال فترة ولايته السابقة في البيت الأبيض.
ولكن، في حال أطلق ترامب حرباً تجارية تؤدي إلى كساد عالمي، فقد يمنح ذلك مبرراً أكبر لتخفيف القيود التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وعند هذه النقطة، سيكون ستارمر قادراً على تجاوز أي تردد في التطرق إلى ما قد ينظر إليه على أنه "بداية لإنهاء مفاعيل اتفاقية بريكست".
والأكثر من ذلك: قد يكون من المفيد أن نتوقف للحظة ونتمنى حدوث تدهور تجاري عالمي، كي نعيش لحظات مثيرة، يسهم خلالها ترامب في دفع بريطانيا للعودة إلى أحضان الاتحاد الأوروبي.
*جون رينتول John Rentoul: كاتب ومعلق سياسي بريطاني.
MENAFN15112024000072011014ID1108891155