(
MENAFN- Akhbar Al Khaleej)
أعربت بالأمس عن إعجابي بالأسلوب الراقي الذي يتعامل به سائقو السيارات في شوارع لندن مع بعضهم البعض، من حيث إفساح الطريق للآخرين، وكشخص عاش في لندن مع عائلته الصغيرة، فمن الأشياء التي نالت إعجابي واستحساني فيها، أن الأكل المنزلي فيها بنظام رزق اليوم باليوم، يعني تأكل كل يوم ما تم طبخه في نفس اليوم، بينما في معظم بيوتنا يتم الطبخ ثم التخزين في الثلاجة والفريزر، ليأكل الناس وجبات سكند هاند، أي وجبات جاهزة منذ أيام يتم تسخينها، وهكذا فهمت لماذا الثلاجات في معظم بيوت بريطانيا صغيرة، وتتسع بالكاد للمواد الغذائية القابلة للتلف مثل الاجبان والألبان، وبالمقابل فإننا نشتري اللحم الطازج بكميات مهولة: أوزن لي فخذين وشيل الشحم وقطعهم ووزعهم على طبقين أو ثلاثة، ومنا من يشتري الخروف كاملا ثم يقوم بتخزينه في الثلاجة عدة أيام، ولو قلت لنفس الشخص إن اللحم المجمد سلفا أرخص سعرا سيقول لك: حنا ما ناكل إلا لحم طازة.
ومن أهم التطورات في حياة البريطانيين، أنهم ادركوا في السنوات الأخيرة أن وجباتهم التقليدية قبيحة الشكل وسيئة الطعم وركيكة المكونات، وصاروا يعرفون قيمة البهارات، وبما أن العرب احتلوا مواقع حيوية في لندن وغيرها من كبريات المدن البريطانية، فقد صار الخواجات مغرمين بالأكلات الشرقية من كباب وفلافل وسلطة حمص وفتوش وتبولة وشاورما، وأذكر أنني وجدت في بقالة ضخمة في لندن ركنا يبيع الأجبان والمرتديلا والزيتون، ثم لمحت عنده سلطة الحمص فطلبت منه أن يعطيني نحو 250 جراما منها، وكي يفهمني نطقتها «هُمُس»، فإذا به يقول لي إنه لا يبيع «همس»، فأشرت بإصبعي إلى الوعاء الذي يحوي الحمص، فقال وعلى وجهه ابتسامة استخفاف: إت إز كولد هيومُس، أي اسمها هيومس، فقلت له: وهل التسمية إنجليزية؟ فتلجلج، فكان أن أضفت: إنني حفيد من اخترع الحمص وأن أمي فطمتني بالحمص المغلي بالماء والمسحون الذي تُصنع منه السلطة، وشرحت له أنه وغيره من البريطانيين استوردوها من مطابخنا وكتبوها بحرف اليو بعد الإتش humus وبالتالي خرجوا بالنطق المحرّف للكلمة، ولكن البريطانيين كانوا أعقل من التورط مع الكبسة الخليجية (بغير الدجاج)، التي يكلف إعداد صينية محترمة منها راتب أسبوع لشخص يعمل في بريطانيا علما بأن الحكومة تقضم ربع راتب كل شخص كضرائب، وثمة أمر آخر نتج عن الوجود العربي الكثيف في لندن، وهو أن بعض أهلها صاروا يتناولون بعض صنوف الطعام بأيديهم، والمعروف أن الإنجليز يتمسكون بالطقوس وما يسمى بالإتيكيت حد السخف، وكانوا الى عهد قريب يستهجنون التقاط الامريكيين قطع اللحم بالسكاكين الصغيرة ثم وضعها في أفواههم، ويعتبرون ذلك دليلا على أن الأمريكان همجيون ولا أدري ماذا كانوا سيقولون لو رأوا الواحد منها يتلقط عظما مكسوا بربع كيلو من اللحم وينهش فيه كضبع.
ومن أغرب ما لاحظته في السنوات الأخيرة أن الخواجات على اختلاف أجناسهم، صاروا يحبون الطعام الحار الحرّاق، اي المضاف اليه الشطة أو الفلفل الأحمر، والأغرب من ذلك أن الكاري أصلا ابتكار إنجليزي، ونقلوه معهم الى الهند فأضاف اليه الهنود تشكيلة من بهاراتهم حتى صار بالطعم المعروف دوليا، والمعروف أن الشعوب الفقيرة تميل الى استخدام البهارات المتوافرة في البيئة المحلية في الطعام بكميات كبيرة، فيعوض طعم البهار الفاقد من القيمة الغذائية، بل يجعل وجبة فقيرة المحتويات، طيبة الطعم فتشبع منها البطن التي تعوي من الجوع، والفقير لا يهمه ما في الطعام من سعرات او بروتين او كربون، بل يهمه أن تمتلئ بطنه، ثم اكتشف الاغنياء أن بهارات الفقراء هي التي تجعل الأكل شهيا ومستساغا، فتحولوا اليها فارتفعت اسعارها فجعلت البهارات شهية الغني اكثر انفتاحا، على حساب الفقير الذي لم تعد لديه القدرة المالية لشراء البهارات التي كانت تعينه على تحويل الماء المغلي إلى «حساء».
MENAFN14102024000055011008ID1108778257
إخلاء المسؤولية القانونية: تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.