(
MENAFN- Alghad Newspaper)
فيما تسبّبت الهجمة الصاروخية الباليستية الإيرانية (181صاروخاً، وفق إسرائيل، و220 صاروخاً وفق إيران) بمقتل شاب من غزة في أريحا، جراء سقوط شظايا، وإصابة إسرائيليين اثنين بإصابة طفيفة، أدت عملية الشابين من الخليل في يافا، بالتزامن، إلى مصرع سبعة إسرائيليين، وإصابة 17 آخرين بجراح متفاوتة من طفيفة إلى حرجة جداً.
ربما يكون الاستهداف الموجّه للقواعد العسكرية دون المدنية في إسرائيل، كما قالت إيران رسمياً، ما يفسر عدم مقتل مدنيين إسرائيليين، ومع ذلك فإن الهجمة الصاروخية أشد خطراً من عملية يافا بسبع مرات، من ناحية مفاعيلها النفسية على سكان إسرائيل، ومن ناحية تبعاتها على المناعة، وعلى قوة الردع الخاصة بها.
بخلاف“ليلة المسيّرات”، في الرابع عشر من أبريل/نيسان، كانت، في أوّل الليلة الماضية، مباغتة، بعد تلميحات مضللة أنها ستحدث عند منتصف الليل، مثلما لم تكن الهجمة الصاروخية في الليلة الماضية“ألعاباً نارية” استعراضية، فقد تعلّم الإيرانيون من تجاربهم، ونجحوا بإصابة أهداف عسكرية صوبوا نحوها، والصور المتناقلة في منتديات التواصل الاجتماعية العربية والعبرية تدحض الرواية الإسرائيلية الرسمية، التي تحاول تقزيم الهجمة والحكم عليها بالفشل، رغم أن الصواريخ سقطت كزخات المطر، وأحدثت انفجارات كبيرة في بعض المواقع في المركز، وفي النقب، وفي مرج بن عامر.
حتى لو كانت الأضرار على الأرض أقل مما بدا بالعين المجرّدة ،فالنتيجة واحدة، فالرواية والوعي أكثر أهمية من الحقائق في مثل هذه الحالة، فقد ارتسمت في سماء البلاد صورة حمراء تشي بمشاهد يوم القيامة، فاقمت الخوف الذي ساد إسرائيل قبل الهجمة، ونالت من هيبة وصورة إسرائيل، التي نجحت بترميم قوة ردعها ومكانتها بعد سلسلة اغتيالات وضربات في لبنان.
وبالتأكيد لا يقلل عدم وقوع قتلى أو أضرار بالغة جداً في إسرائيل من خطورة الهجمة، فالنوايا والمخططات لا تقلّ أهمية عن النتائج هنا.
رد إسرائيلي
بعد نحو ساعتين، بادر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو للتهديد بأن إسرائيل سترد رداً قاسياً، وذكّرَ بالتزامه بشعار رفعه في السابق“بأننا سنهاجم من يهاجمنا”، وألمح لاحتمال القيام باغتيالات بقوله:“لم يفهم نصر الله، ولم يفهم هنية، وفهما لاحقاً، ويبدو أن هناك في طهران من لم يفهم، وسيفهم”.
انضم غالانت وهليفي لتهديدات نتنياهو بالرد، ويبدو أنه ردّ حتمي، ليس فقط لأن مصلحة وحسابات إسرائيل تقتضي ذلك ضمن المواجهة على الهيبة والصورة وقوة الردع فحسب، بل لأن نتنياهو انتظر مثل هذه الفرصة سنوات طويلة لتحقيق“حلم حياته”، وربما يذهب لما هو أبعد مما تريده المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، نتيجة اعتبارات شخصية وسياسية داخلية يمحو فيها عار السابع من أكتوبر، ويعود ويستعيد صورة“سيّد الأمن”، ومعها احتمالات النجاة السياسية، والبقاء في التاريخ.
أي رد ضعيف من قبل إسرائيل، على غرار ردها بعد“ليلة المسيرّات”، في نيسان، سينعكس بضوء سلبي على إسرائيل، ويقلب الصورة التي رسمتها بعد الحدث التاريخي الجلل المتمثّل باغتيال حسن نصر الله، مثلما سيكون ضربة قاضية على مكانة نتنياهو، الذي حسّنَ مواقعه في الأسابيع الأخيرة.
الأنا المتضخمة والإرث التاريخي
رغم أن حرباً إقليمية الآن ليست في مصلحة إسرائيل، الموجودة في عدة جبهات، من المرجّح جداً أن يدفع نتنياهو لتوجيه ضربة إستراتيجية خطيرة في إيران، لا تكتفي ببنى تحتية واقتصادية، بل تطال المنشآت النووية، كي لا يتهم بالضعف والفشل والتسبّب بضرر بقوة ردع إسرائيل، وكي يستعيد شعبيته ويحافظ على ماضيه ومستقبله السياسي، وهو المسكون بهاجس التاريخ والإرث التاريخي وبذاكرة الإسرائيليين المرتبطة به شخصياً.
وتزداد مخاطر إقدام نتنياهو على التصعيد نتيجة حسابات ومزاودات داخلية، من تجلياتها تغريدة رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، الذي قال إن هناك فرصة غير مسبوقة لضرب المنشآت النووية في إيران. وهذه مزاودة من اليمين يأخذها نتنياهو بالحسبان، خاصة أن بينيت أعلن ترشيح نفسه لرئاسة الوزراء، ومنذ شهور تبتسم له الاستطلاعات، وتمنحه تفوّقاً على نتنياهو كمرشح رئيس حكومة، وسبقه بذلك خصمٌ آخر لنتنياهو، أفغدور ليبرمان، الذي دعا لضربة استباقية في إيران، قبل قيامها بالغارة الصاروخية.
موقف واشنطن
وربما يرى نتنياهو أن هذه هي فرصة الفرص لاستدراج الولايات المتحدة لمواجهة مباشرة مع إيران، كما كان يخطط من قبل، كما تجلّى في عدة أوجه، منها خطابه في الكونغرس، قبل شهرين ونيّف، وهو يدرك جيداً، الحالة الحساسة للإدارة الأمريكية وللحزب الديموقراطي، قبيل شهر من الانتخابات، ومن المتوقع أن يواصل ابتزازها في ظل حالة تعادل شديد بين هاريس وترامب، وحاجة الأولى لدعم اللوبيات الصهيونية والإسرائيلية من جهة، وحاجتها، من جهة أخرى، لتحاشي تصعيد ينذر بتبعات سلبية، مثل ارتفاع سعر النفط، يؤثّر سلباً على حظوظ المرشحة الديموقراطية.
الرد على الرد
واستبق قائد الجيش الإيراني الرد الإسرائيلي المحتمل بالتهديد برد أقسى، ما يعني أن الطرفين دخلا مسار المواجهة المباشرة، بعد سنوات طويلة من“حرب الظل” وتبادل اللكمات بالضربات والاغتيالات، وباتت الحرب الإقليمية خياراً واقعياً حقيقياً، فهل يختلف موقف إسرائيل غير الرسمية عن رؤية قادتها ممن يهددون ويخاطرون ربما بحرب واسعة بعيدة عن أهداف الحرب الأولى على غزة ولبنان، وربما تتحقق عندئذ“وحدة الساحات”؟
تبدو الأوساط الرسمية في إسرائيل أكثر حذراً وأقل تحمساً لرد عنيف، فيقول رئيس الاستخبارات العسكرية السابق دكتور عاموس يادلين إنه على دولة الاحتلال النظر للأمام وأن تفكّر كيف تنهي الأزمة.
في حديث للإذاعة العبرية، قال يادلين إنه لا بد بالتفكير بعدة مسائل منها التوقيت: هل يكون فورياً أم لاحقاً، التنسيق مع الولايات المتحدة، ومحاولة إقناعها بالمشاركة المباشرة بالرد، على مبدأ أن ذلك يخدم مصالحها ويحمي قوة ردعها وهيبتها.
في المقابل، يدعو يادلين للتفكير بردّ يستعيد الردع دون التورّط بحرب إقليمية، لافتاً لوجود تشكيلة من الأهداف الممكنة، منها أهداف عسكرية في إيران، كما فعلت الأخيرة في هجمتها الليلة الفائتة، ما يقلل احتمالات ردها على الرد، أو ضرب هدف اقتصادي كالمنشآت النفطية وتكبيدها خسارة مليارات.
كما يدعو يادلين لدراسة استهداف رموز إيرانية باغتيال قادة فيها، كما فعلت مع قادة“حماس” و”حزب الله”، لكنه لا يستبعد أيضاً ضرب منشآت نووية نظراً لوجود شرعية دولية أكبر الآن، ولكون“حزب الله” عاجزاً عن توجيه ضربة ثأرية موجعة. ويضيف:“لكن هذا مشروط بدعم أمريكي، فهذا مهم من ناحية التنفيذ، ومن ناحية ردع طهران من الرد”.
ورداً على دعوة بينت بضرب المشروع النووي الإيراني، قال يادلين:“علينا النظر أين تكون إسرائيل لاحقاً. هذا نقاش مهم جداً لم أكن أفعله من خلال تغريدة في التويتر”.
ويتفق معه مستشار الأمن السابق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، في حديث لذات الإذاعة، بقوله إنه على إسرائيل عدم نسيان بقية الجبهات، وليس إيران فحسب، منوهاً أن الحالة تقتضي حواراً بين إسرائيل والولايات المتحدة أملاً بإشراكها في الردّ، بعكس عدم ردها على استهداف منشآت النفط في دول الخليج، قبل سنوات، كجزء من سياسات الاحتواء.
ويذكّر بأن أمريكا قالت لإيران ألّا ترد، لكنها تمرّدت وردّت أمس، وعليها الآن أن تشارك، وإلا ستتعرض مصالح أمريكية في الخليج للخطر الحقيقي، خاصة منشآت نفطية في الخليج. بيد أن هذا يتطلب حواراً هادئاً معها”.
ويرى آيلاند أن هناك مصلحة لإسرائيل بإنهاء الحرب على جبهتي غزة ولبنان بشروطها، وربما بالاستعانة بمبادرة أمريكية: صفقة شاملة مع“حماس”، مقابل وقف الحرب واشتراط ترميم القطاع، مقابل نزع سلاح“حماس” التي ستبقى في الحكم، وهي صفقة سبق أن وافقت“حماس” عليها. ويضيف:“وهكذا مع“حزب الله” ولبنان. من الممنوع أن توافق إسرائيل على وقف للنار الآن دون اتفاق، ولكن محظور عليها القول إن الحرب مفتوحة حتى قتل آخر جندي في“حزب الله”، وحتى النصر المطلق.
وقف الحرب في كل الجبهات
وقف للنار مشروط بتسوية تشمل شروطاً تكفل حماية مصالح إسرائيل، وهناك مصلحة لها بوقف الحرب على الجبهتين، خاصة بعد التصعيد الحاصل مع إيران، شريطة أن تجري المفاوضات تحت النار، وإسرائيل تملك وسائل الضغط، منها منع الطيران لبيروت من طهران ودمشق مثلاً”.
وهل هي فرصة لاستهداف مشروع إيران النووي الآن؟
عن هذا السؤال اكتفى آيلاند بالقول:“لدينا قدرات لكنني أفضّل عدم الخوض بذلك علانية”.
من جهته، يرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة“هآرتس” عاموس هارئيل أن إسرائيل ستردّ بقوة وسرعة، مرجحاً استهداف منشآت نفطها، مع رسالة لمشروعها النووي، ولا يستبعد جرّ الولايات المتحدة لمواجهة رغماً عنها.
هارئيل يقول أيضاً، في تحليل له بعنوان“حرب إقليمية”، إنها أزمة إقليمية وعالمية، من شأنها أن تترك تبعات بعيدة المدى على أمن إسرائيل، وعلى الاقتصاد الدولي، وعلى مكانة أمريكا في العالم”.
وتحت عنوان“غلطة إيران”، يرى محلل الشؤون الاستخباراتية في“يديعوت أحرونوت” رونين بيرغمان أن طهران بحثت عن عملية تحمي لها كرامتها من جهة، ومن جهة أخرى منع أمريكا التدخّل، وتؤدي بالتالي لرد إسرائيلي معتدل، لكنها لم تقدّر بشكل صحيح درجة الحرارة الساخنة لدى القيادات الإسرائيلية.-(وكالات)
MENAFN02102024000072011014ID1108740555