(
MENAFN- Alghad Newspaper)
عمان - الغد - يتضمن كتاب "مقطوعات شعرية" ترجمة لمختارات من نصوص الأديب الجزائري الراحل محمد ديب، ترجمها من الفرنسية إلى العربية كريم نايت أوسليمان. هدفت هذه الترجمة كما يوضح أوسليمان أن تقدم قراءة أو إعادة قراءة محمد ديب، و"التماس طريق العودة" نحو الثقافة والهوية اللتين تعرضتا لمحاولات تدميرهما، وهذا "أحد أصعب التحديات التي تواجه بلدان ما بعد الاستعمار وأكثرها تعقيدا". ويضيف المترجم: "لقد تم انتزاع الاستقلال على حساب الدم، لكن الوضع الحالي الذي تعيشه معظم البلدان المستعمرة سابقا يظهر أن الاستقلال لا يمكن أن يكون غاية في حد ذاته، بل هو رحلة مستمرة في درب تحرير الإنسان".
تؤكد المقطوعات المختارة في الكتاب على فكرة المقاومة التي حضرت بقوة في نصوص محمد ديب، سواء بشكل مباشر أو بشكل رمزي؛ من مثل حديثه عن لعبة "الوالبيتشاك" الشعبية، التي انتشرت في الجزائر خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي، ويقال إن الإدارة الفرنسية للبلديات كانت قد منعت الأطفال الجزائريين من لعب كرة القدم في الملاعب إلى جانب أطفال المستعمرين الأوروبيين، فتم اختراع هذه اللعبة ردا على ذلك. يقول ديب في قصيدة له: "فلْنذهبْ بالبيتشاكْ، تْشاك، تْشاك إلى حيث نلعب سأجلب لك الشعير والقمح يا حجر الرحى العظيم يا أيتها القيثارة - النحلة!". وتنحاز نصوص محمد ديب للقضايا الإنسانية الكبرى، فتتحدث عن الحرية، والحرب، والحب، والتهجير الذي ذاق الشاعر مرارته، إذ يقول:"يجلس كأنه غريب واضعا يديه على الطاولة بمجرد النظر إليه ندرك أنه طالب لجوء وعذر". وتستمر هذه الصورة الدرامية المليئة بالرموز والدلالات بقول الكاتب: "يهشم الخبز الذي نضج فوق نار لم يقم بإعدادها بنفسه لملم الفتات في النهاية ليحملها للعصافير". وفي عدد من القصائد ينتهج محمد ديب أسلوبا حواريا متأثرا بالسرد، ومنه قصيدته التي تتضمن حوارا بين فتى وفتاة، يكشف عن فهم عميق للوجود وفلسفته، ومنها: "تقول الفتاة: أنت لا تعرف ما أعرف قال: لا كان الفتى يفضل المشي ويتهيأ كي يكون وسيما لقد أرادت كل شيء سوى أن تمشي تقول: إنه لشيء جميل والفتى من بعيد، يقول: مثل ماذا؟ مثل الكثير من الأشياء يقول وهو أكثر بعدا: مثل ماذا بالضبط؟ لن تعرف، تقول، ثم تصرخي واصل الفتى السير ويقول: لن أعرف ذلك". هذا البعد الفلسفي مطروح في معظم المختارات المترجمة، في إشارة إلى السمة الأبرز فيما قدمه محمد ديب وهو يتأمل ما حوله محيلا كل المفردات التي يلتقطها إلى إشارات ورموز عميقة: "لا روح تحيا هنا تحسس وجهه وقال: هذا أنا لم يعد يعرف ما الذي افتقده وما الذي ضاع". هذا البعد التأملي الوجودي يفسر اشتمال العديد من المقتطفات الشعرية على مفردات تؤنسن الطبيعة، وترسم المشاهد على مهل، وتبث فيها المعاني التي تدفع للقراءة والتأويل، والتمعن في صور فنية غير مألوفة:"في خميلة نهارية إقليم صدْفة اهتزاز خفيف للأوراق أو نار مشتتة في الريح والشعلة الأخرى التي تجمع عمرانا من الضباب وهي بعيدة عن أمواج البحر لعلها تستقبلني يوما ما". ولعل الارتباط بالأماكن، وما يشيع من أجواء الحنين والغربة في القصائد، قادم كما يوضح المترجم من أن عمل محمد ديب ارتبط ارتباطا وثيقا بالمشهد الجزائري سواء من حيث جانبه التاريخي أو بلاغته الشعرية. ويضيف كريم نايت أوسليمان: "لقد تطور المؤلف وتطور عمله، وتم له ذلك في فضاءات عدة، فضاء جغرافي، وفضاء بشري، وفضاء للتعبير الأدبي، وفضاء خاص باللغة الفرنسية، أين بني النص ليمنح وجودا لمؤلف يقف في مواجهة أمام تاريخ الجزائر المرعب، يحاوره ويسائله، على مرأى من أعين القراء".
ويذكر أن كريم نايت أوسليمان أكاديمي ومحلل سياسي جزائري، متخصص في الأدب الجزائري وخاصة أعمال محمد ديب. حصل على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون الشمالية. يعمل أستاذا في جامعة باريس. قام بترجمة عدة أعمال أدبية إلى العربية، بما في ذلك قصائد لمحمد ديب، محاولا نقل هذه القصائد بأسلوب واضح ومعرفة عميقة بالثقافة الجزائرية. من بين أعماله البارزة كتاب "سارق النار – ديب يلتقي ديلوز"، الذي يقدم قراءة جديدة ومبتكرة لأعمال محمد ديب من خلال فكر الفيلسوف جيل دولوز. يتميز هذا الكتاب بمقاربته الشعرية والسياسية، حيث يتجاوز القوالب التقليدية ويقدم منظورا جديدا لعمل يعتبر عادة مخصصا للمختصين.
MENAFN01082024000072011014ID1108504737
إخلاء المسؤولية القانونية: تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.