Thursday, 06 February 2025 08:50 GMT



سيناريو نهاية الحرب في عهد ترامب بقلم د. سنية الحسيني

(MENAFN- Palestine News Network ) بعد دعواته لتهجير الغزيين، أعلن ترامب في مؤتمر صحفي مع نتنياهو في البيت الأبيض قبل يومين أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة بشكلدائم، وأيد نتنياهو الخطة على الفور، رغم عدم واقعيتها. أكد ترامب أنه يريد أن يمتلك غزة ويطورها لغير أهلها، بعد طرد الغزيين منها. وأضاف ترامب أنهسيوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، و سيتخذقراراً قريباً ، في غضون الأسابيع القريبة المقبلة، حول إمكانية ضم دولة الاحتلال للضفة الغربية. وتمنح تلك التصريحات نتنياهو مخرجاً لإنقاذ صفقة التبادل واستكمال المرحلة الثانية منها، بينما تحمي في ذات الوقت تماسكإئتلافه المتطرف من التفكك والإنهيار. فشدد نتنياهو على إلتزامه بتحقيق جميعأهداف الحرب على رأسها استعادة المحتجزين، وضمان إلا تشكل حركةحماس تهديداً في المستقبل، بتصريحات تبدو أكثر واقعية من تصريحات ترامب، بينما تحقق ذات الغاية بطمئنة إئتلافه. اعتبر ترامب أيضاً أن ما يمكن أن يمنع خروج الغزيين من غزة هو غياب البديل، وكرر دعوته للأردن ومصر لاستقبالهم، في ظل علمه بالرفض العربي القاطع لدعواته.

يشير البيان الصادر عن قمة وزراء الخارجية العرب الستة في القاهرة، والتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض والرئاسة المصرية حول ما جاء في اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو بأيام قليلة، إلى عدم وجود استجابة لتصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة، وفهم ترامب لرسالة العرب. شكلالبيان الصادرعن وزراء الخارجية جدار صد عربياً موحداً رافضاً لأية محاولة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم. فرفضت المملكة العربية السعودية وقطروالإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الأردن ومصر وفلسطين، دعوات ترامببذات الخصوص، وهي جميعهاً دول حليفة للولايات المتحدة. وتستثمر السعوديةوالإمارات وقطر مئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة، كما أعلنت السعودية مؤخراً عن نيتها إستثمار ٦٠٠ مليار دولار إضافية خلال فترة ولايةترامب الجارية. إن ذلك يعني أن تهديدات ترامب لدول المنطقة باستخدام ورقةالضغط المالي قد تصبح تهديدات متبادلة، وتحبط مخططات ترامب الإقتصاديةوالسياسية في المنطقة، وخصوصاً مع السعودية.

ورغم أن البيان أكّد على استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطينيعلى أرضه، ودعم حقوقه غير القابلة للتصرف والمشروعة وفقاً للقانون الدولي، إلا أن لغة البيان رغم صرامتها فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، جاءت لغة دبلوماسية ناعمة في مخاطبة ترامب. فرحب البيان بالتوصل لإتفاق لوقف إطلاقالنار في غزة، وأكد على الدور المهم والمقدر للولايات المتحدة في انجاز ذلكالإتفاق، وشدد على الحاجة للعمل مع إدارة ترامب لتحقيق السلام العادلوالشامل في الشرق الأوسط، وفقاً لحل الدولتين.

وفي سياق متصل، عكس التعليق الرسمي للحكومة المصرية والأميركية على فحوى الإتصال الذي أجراه ترامب مع الرئيس السيسي، والذي جاء بعد تصريحات الأول حول تهجير سكان غزة، عدم نجاح ذلك الأمر. فلم يتم التعليق من قبل الجهتين على موضوع التهجير، وغلبت لغة دبلوماسية ودية وتعاونية من قبل الطرفين في القضايا الثنائية، والتركيز على تثبيت وقف إطلاق النار فيقطاع غزة، وإيصال المساعدات لسكانه. وركز تعليق الرئاسة المصرية على رسالة الرئيس السيسي حول تعويل المجتمع الدولي على قدرة ترامب علىالتوصل إلى إتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقةمنذ عقود، في تقاطع واضح مع ما جاء في بيان قمة وزراء الخارجية العرب. وقد يشكل ذلك الموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية رسالة مستقبلية للعالم تعكس القدرة السياسية والإقتصادية عموماً للدول العربية، والتي تشكل فعلياً قوة لا يمكن الإستهانة بها في التوازنات الدولية القائمة.

ويساعد عدد من المعطيات التي جاءت بها نتائج حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل في قطاع غزة على دعم الموقف العربي الموحد للتصدي لمؤامرات التهجير الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، التي تبناها ترامب، بحكم دعم بلادهالمطلق لحليفتها الأهم في العالم. وأهم تلك المعطيات عدم نجاح خطة تهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة، بل وعودة معظم السكان خلال المرحلة الأولى من الهدنة لأماكن سكنهم. كما أن عدم النجاح في تحييد حركة حماس، والسيطرة العسكرية والأمنية على قطاع غزة، يقوض مخططات إسرائيل التي وضعتها في بداية الحرب حول السيطرة الأمنية داخل القطاع، وتقطيع أوصاله، والاستيطان فيه، وتهجير سكانه. وشكلت الأعداد الهائلة لضحايا هذه الحرب الهمجية بين قتلى وجرحى وأيتام وثكلى ومشردين سبباً اضافياً كي يضغط العالم لعدم العودة لهذه الحرب، خصوصاً بعد ما كشفت عنه الهدنة من تدمير للقطاع بأكمله. إن تلك المعطيات تطرح عدداً من التساؤلات حول جدوى مواصلة الحرب والتدمير والقتل بعد الهدنة في ظل عدم القدرة على القضاء على حركة حماس بعد أكثر من عام، وكم سيحتاج ذلك من وقت في حال استمرار القتال، وما هي حدود عدد الضحايا الإضافية التي سيسمح العالم بسقوطها بعد إنتهاء الهدنة، في ظل بروز عدم جدوى لهذه الحرب وتكلفتها.

إن تلك المعطيات والتساؤلات تفسر سلوك ترامب بفرض الهدنة في غزة رغم مخاطر سقوط الحكومة الإسرائيلية، وقبول نتنياهو بها، رغم مماطلته السابقة، ووفق شروط كان يرفضها قبل ذلك. أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أنه لا يمكن اعتبار أن حركة حماس انتهت، فقد استطاعت الصمود رغم تعرضها لضربات عسكرية قاسية، وتصفية جزء كبير من قيادتها، سواء علىالمستوى العسكري أو السياسي. إن تلك التطورات أيضاً تحبط مخططات نتنياهو المتعلقة بالبقاء في غزة بعد الحرب، فقد عبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والذي خاض حرب الإبادة في غزة إلى جانب نتنياهو،عن رفضه لسيطرة إسرائيل العسكرية أو المدنية على قطاع غزة بعد إنتهاءالحرب، ودعا إلى وجود بديل فلسطيني لحركة حماس ليحكم القطاع. في حين أكد نتنياهو في المؤتمر الصحفي الأخير مع ترامب على إلتزامه بضمان إلاتشكل حركة حماس تهديداً في المستقبل.

وقد تكون مقاربة العودة للحرب بعد تخطي مراحل الهدنة الجاري العمل بها بعيدة عن الواقع، لعدة أسباب أهمها عدم رغبة ترامب بحدوث ذلك. ويكمن هدفترامب الرئيس في توقيع صفقات التكنولوجيا والدفاع بمليارات الدولارات مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يحتاج إلى الهدوء ووقف إطلاق النار ليس في غزة فقط بل وفي لبنان أيضاً ومع إيران إن أمكن. ورغم رفض نتنياهو لعودة السلطة لحكم القطاع، اعتبر داني دانون، سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، أن السلطة الفلسطينية ضعيفة، وحتى لو تم الموافقة على توليها إدارة غزة، فمن غير المتوقع أن تكون قادرة على ذلك، ومع ذلك فأن إسرائيل قبلت الانسحاب من أجزاء مهمة من معبر فيلادلفيا ومحور نيتساريم، وسمحت بإعادة العمل في معبر رفح وفق الاتفاق الموقع عام ٢٠٠٥، بوجود إدارة مشتركة للسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي ومصر. يأتي ذلك في ظل عدم قدرة إسرائيل على طرح بديل معقول لحكم غزة. لقد حاولت إسرائيل خلال فترة الحرب استقطاب بعض الوجهاء الغزيين لتشكيل بديل لحكم حركة حماس في غزة، إلا أنها لم تنجح. كما حاولت بناء تحالف عربي للقيام بتلك المهمة، إلا أنها لم تجد تعاوناً، في ظل رفضها لفكرة التواصل بين الضفة وغزة وعدم قبولها بدولة فلسطينية.

قد يكون نتنياهو بحاجة للخروج من هذه الحرب أو "النزول عن الشجرة" بأقل الخسائر الممكنة، وقد تكون تصريحات ترامب الأخيرة حول غزة المخرج الذي يمنحه لنتنياهو، والتي تساعده في البقاء في الحكم، بينما تستكمل مراحل الهدنة وصولاً لنهاية الحرب. ورغم أن حركة حماس أثبتت، خلال الحرب وبعد سريان الهدنة، قدرة معقولة على السيطرة على القطاع، خصوصاً في ظل اللحظات العصيبة التي يمر بها، إلا أنها أبدت مرونة حول عدم وجودها بشكل مباشر في إدارة القطاع، ووافقت على فكرة إنشاء حكومة تكنوقراط أو لجنة الإسناد المجتمعي، ضمن توافق فلسطيني. وترفض الولايات المتحدة وجود حركةحماس في إدارة قطاع غزة، وتوافق على عودة السلطة الفلسطينية. وستوافق إسرائيل على إنهاء الحرب وفق صيغة تضمن عدم وجود حركة حماس في الحكم. وتميل الدول العربية أيضاً لتولي السلطة الفلسطينية لمهمة إدارة القطاع بعد الحرب. وقد يكون ذلك أكثر الاطروحات واقعية، ويكون مصحوباً بالتعاون مع بعض الدول العربية، وتشكيل قوة عربية أو دولية لضبط وضع القطاع بعد الحرب، وفتح الأفق أمام الانتخابات في فلسطين وتحقيق الإعمار في غزة.ونقف حالياً أمام معضلتين الأولى تتمحور حول ضرورة ترتيب الوضع الفلسطيني داخلياً، وفق توافق وطني صلب وتكتل شعبي داعم، كي يتمكنالفلسطينيون بالفعل من تجاوز التحديات القادمة، وكي يكونوا قادين كذلك على إقناع العالم بقدرتهم على ذلك، بينما تكمن المعضلة الثانية في مدى القدرة على الاحتفاظ بالقوة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة،والذي يواجه رفضاً إسرائيلياً أميركياً حاسماً، ويرجعنا ذلك لضرورة حل المعضلة الأولى، للتنسيق فلسطينياً وعربياً وإقليمياً، وفق صيغة حكيمةتمنح الفلسطينيين أكبر المكاسب الممكنة، في ظل الموقف العربي والدولي الحالي الداعم للفلسطينيين، وتكبد أقل الخسائر المحتملة في ظل شروط ما بعد الحرب.

MENAFN06022025000205011050ID1109176900


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.