(
MENAFN- Alghad Newspaper)
أنقرة - أثار توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 27 اتفاقية خلال زيارته لبغداد في آذار (مارس) 2024 اهتماما كبيرا في المنطقة. وكانت الاتفاقيات المتعلقة بالأمن ومشروع طريق التنمية أكثر ما حظي بأهمية إقليمية ودولية على حد سواء.
وتشير المعلومات إلى أن الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل لم تكن راضية عن هذا التقارب وتتابعه بحذر شديد. لكن اللافت أن هذه الزيارة جرت قبل انطلاق آخر معركة في الثورة السورية. أما الآن، فقد تشكلت موازين جيوسياسة جديدة مما زاد من أهمية زيارة
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد.
وفي بغداد، التقى فيدان بالرئيس العراقي وجميع كبار المسؤولين مما يعكس أهمية هذه الزيارة من وجهة نظر القيادة العراقية. وتسعى تركيا وفقا لمحللين الآن إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع دول المنطقة مستفيدة من مكانتها ونفوذها اللذين اكتسبتهما بعد الثورة السورية.
وكانت الملفات التي حملها وزير الخارجية التركي معه إلى بغداد في الواقع مطروحة على الطاولة منذ فترة، لكنها تُناقش هذه المرّة في سياق مختلف نتيجة التحولات الجيوسياسية الجديدة وأبرزها ما حصل في سورية.
وتشير التقارير إلى أن زيارة فيدان قد تحمل تطوّرًا مهمًا بشأن مشروع "طريق التنمية" الذي يُعتبر بالغ الأهمية للمنطقة بعد التغيّرات في النظام السوري. ومن المتوقع أن يشهد المشروع تغييرًا في مساره ليشمل سورية.
ووفقا لمصادر في أنقرة، قد تنضم سورية إلى المشروع الذي تُنفذه تركيا والعراق والإمارات وقطر بشكل مشترك. ومن المتوقع أن يبدأ طريق التنمية من ميناء الفاو العراقي مرورًا ببغداد ليتجه غربًا ويرتبط بالطريق السريع إم 5 في سورية. وعلى هذا المسار، يمكن للطريق أن يصل إلى دير الزور ومنها إلى حلب، ثم يدخل تركيا عبر غازي عنتاب وهاتاي، مما يتيح الوصول إلى موانئ البحر المتوسط والربط البري بأوروبا.
وتنظر أنقرة بإيجابية إلى هذا التغيير في المسار لأنه سيقلل التكاليف ويختصر الوقت ويسهم في إعادة إعمار سورية.
أما بغداد، فيُعتقد أنها قد ترحّب أيضًا بهذا المسار الجديد بسبب مخاوفها المتعلقة بالتكاليف العالية، ومشاكلها العالقة مع إقليم كردستان العراق، هذا بالإضافة إلى التحديات الأمنية في الشمال.
وكان مشروع طريق التنمية من النقاط الرئيسية في محادثات هاكان فيدان مع الحكومة العراقية، حيث تولي حكومة محمد شياع السوداني أهمية كبرى لهذا المشروع وترى أنه سيؤثّر بشكل كبير على تنمية العراق ومستقبله وعلاقاته مع أوروبا.
مع ذلك، يواجه السوداني تحديات داخلية كبيرة أبرزها العلاقات مع إيران التي فقدت نفوذها في سورية بعد الثورة، وتخشى تكرار ذات السيناريو في العراق، وتسعى للحفاظ على علاقات قوية مع بغداد. لكن يبدو أن حكومة السوداني لا تشارك إيران نفس الرؤية، حيث يُثار داخل العراق نقاش حول سعي البلاد للوقوف كدولة مستقلة بعيدًا عن تأثير إيران أو الولايات المتحدة أو حتى تركيا.
من بين الملفات الأخرى المهمة التي تضمنتها زيارة وزير الخارجية التركي إلى بغداد ملف إعادة تنظيم العلاقات بين العراق وسورية الذي يحتل مكانة مهمة. فبعد الثورة السورية، أخرجت دمشق النفوذ الإيراني بالكامل من أراضيها، وعلى الرغم من الطابع الشيعي للحكومة العراقية، فإن دمشق تعبر عن رغبتها المستمرة في إقامة علاقة بناءة مع الحكومة العراقية.
وشهدت العلاقات بين البلدين خطوات إيجابية تُظهر نيات حسنة من الجانبين. فقد سلّم العراق جنود النظام السابق الفارّين إلى الحكومة السورية وامتنع عن السماح لقوات الحشد الشعبي باجتياز الحدود أثناء الثورة. في المقابل، كان ردّ دمشق حساسًا تجاه مكافحة تنظيم "داعش" واعتمدت خطابًا دقيقًا في تعاملها مع الحكومة العراقية.
وتسعى تركيا إلى طرح فكرة تحالف جديد. وتعمل إدارة الرئيس رجب طيّب أردوغان على إقامة شراكة إستراتيجية ثلاثية تجمع أنقرة ودمشق وبغداد. ومن المتوقّع أن يتم توقيع اتفاقيّة شبيهة باتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي التي أبرمتها أنقرة وبغداد، مع سورية أيضًا، بعد استقرار النظام فيها بشكل رسمي.
وتشير المصادر الدبلوماسية في أنقرة إلى أن الدول الثلاث، التي تربطها حدود طويلة ومصالح متشابكة، قد تتجه نحو تشكيل هيكل تحالف جديد يشمل التعاون في مجالات الأمن الإستراتيجي والتنمية والاقتصاد. لكن هناك عقبات رئيسية تعترض هذا التحالف المحتمل أبرزها وجود تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه) في شمال سورية والعراق، والنفوذ الإيراني في العراق، والخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، بالإضافة إلى الوجود الأميركي في سورية.
وتعتقد أنقرة أن لديها القدرة على تجاوز هذه التحديات من خلال علاقاتها القوية مع إدارة بارزاني في كردستان العراق، والاستفادة من العلاقة الشخصية الوثيقة بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وإذا نجح تشكيل مثلث تحالف بين أنقرة ودمشق وبغداد، فقد يكون لذلك تأثير إيجابي على دول أخرى في المنطقة مثل لبنان والأردن ودول الخليج العربي.
وفي هذا السياق، أجرت أنقرة استعدادات عسكرية مكثفة، وهي تظل في حالة تأهّب في انتظار الفرصة المناسبة. والجديد أن الإدارة السورية الجديدة تدعم مطلب تركيا في هذا الشأن، وهو ما يعكس توافقًا بين الطرفين حول هذه القضية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى قد طلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأجيل تنفيذ العملية العسكرية أثناء فترة رئاسته، وهو ما دفع أنقرة إلى تعليق العملية لفترة مؤقتة. مع ذلك، يواصل أردوغان تأكيد أن تركيا لن تتردّد في تنفيذ العملية إذا لم يلق التنظيم سلاحه.
وتشير مصادر أمنية في أنقرة إلى أن أحد المواضيع الرئيسية في زيارة هاكان فيدان إلى بغداد كان وجود التنظيم "الإرهابي" في كل من العراق وسورية. مع ذلك، أكدت المصادر أن تركيا لم تطلب دعمًا عسكريًا من الحكومة العراقية لتنفيذ العملية في منطقة روجافا، إذ لا ترى أنقرة حاجة إلى ذلك.
وأكمل الجيش التركي جميع الاستعدادات العسكرية، ولا ينتظر سوى القرار السياسي للبدء في العملية. ويُذكر أن تركيا تنفذ بالفعل عمليات محدودة في مناطق مثل منبج وعين العرب (كوباني) من وقت لآخر، لكن العملية الكبرى متوقفة على قرار الرئيس أردوغان.
كما يُتوقع أن يبدأ أردوغان قريبا استخدام مصطلح "منطقة خالية من الإرهاب" بدلًا من سياسة "تركيا خالية من الإرهاب" التي كان يروج لها في الفترة الماضية. ويُعتبر التحالف بين أنقرة ودمشق وبغداد عنصرا محوريا لتحقيق هذا الهدف، إذ يمكن أن يسهم بشكل كبير في القضاء على التهديدات الإرهابية وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.-(وكالات)
MENAFN27012025000072011014ID1109134498