Friday, 31 January 2025 01:10 GMT



دعوة ترامب لتهجير الغزيين لن تحل القضية الفلسطينية.. وستعقد واقع المنطقة

(MENAFN- Alghad Newspaper)
محمد الكيالي


عمان – على مدى أشهر، أبدت منظمات حقوقية ووكالات إنسانية مخاوفها حول مآلات الوضع في قطاع غزة، بعد أن تسببت الحرب العدوانة الصهيونية بنزوح شامل لسكان القطاع داخله، ما أدى لأزمات، تصب في تقويض حياة الغزيين، من ناحية المأوى والغذاء والماء والأمان، وغيرها من انعدام أدنى الضرورات، وهو ما فرضته عملية نزوح الغزيين جراء التدمير الشامل للقطاع، ما خلق ظروفا غير قابلة للعيش فيه.
واذ يأتي الرئيس الاميركي دونالد ترامب، امس، بتصريحات تنحاز بالكامل لجرائم الصهاينة الابادية في القطاع، بحق اهل غزة، مطالبا الاردن ومصر بـ”استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت حرب إسرائيل ضد حركة حماس في أزمة إنسانية”، فإن التساؤلات حول مدى صوابية هذا الطرح المتطرف، اذ كيف يمكن حل القضية الفلسطينية بالتهجير؟ وما هي التبعات التي يمكن ان تترب على فعل متطرف كهذا، سيشعل حريقا جديدا في المنطقة؟، وما هي التداعيات التي بنى عليها ترامب تصوره هذا؟
وهو إذ يعيد إثارة غضب عارم في منطقة تتقلب على نار القلق أساسا، فإن تصريحاته التي تأتي بعد ارتقاء اكثر من 50 الف غزي، وأكثر من 100 الف مصاب، جلهم من الاطفال والنساء، وتدمير شبه كامل للقطاع، وتقويض لكل مظاهر الحياة، يغفل ان هذه التضحيات الغزية، لم تكن إلا رفضا لتهجيرهم من القطاع، وتحديا لأي محاولة احتلالية تقتلعهم من أرضهم، ليأتي بعد 471 يوما من الحرب العدوانية على غزة، ويعلن بكل بساطة نزوحهم، بعد كل هذه التضحيات والصمود في ارضهم.
لم يكتف ترامب بتصريحه المستفز، كما وصفه نواب خبراء، بما اثاره من دعوات على المستوى الشعبي، رفضا لمضامين تصريحه الذي ينم عن جهل بواقع المنطقة، وهو ما يكشفه جوابه حول سؤاله، عما إذا كان ما يقوله هو اقتراح مؤقت أو طويل الأجل لعملية النزوح التي يدعو اليها، اجاب“يمكن أن يكون هذا أو ذاك”، وفق وكالة“رويترز”، مستدركا“نتحدث عن مليون ونصف شخص، ونقوم بتطهير المنطقة (التي عصفت بها الحرب) برمتها”.
واذ يحاول ترامب تغليف تصريحاته غير المنطقية، والمرفوضة فلسطينيا واردنيا، وعربيا، بقوله إن غزة“مكان مدمر حرفيا، تقريبا كل شيء مدمر والناس يموتون هناك، لذلك أفضل المشاركة مع بعض الدول العربية وبناء سكن في موقع مختلف، بحيث يمكنهم العيش بسلام من أجل التغيير”، يفصح المحلل السياسي د. منذر الحوارات، بأن ما تحدّث به ترامب“يندرج ضمن قراءة أميركية سطحية للقضية الفلسطينية وتفاعلاتها ومرجعياتها الدولية”، فـ”الاعتقاد بأن القضية الفلسطينية تقتصر على حل مشكلة اللاجئين، هو انتقاص من الرؤية للقضية”.
ولفت الحوارات إلى أن“ما يعتقد به ترامب لحل القضية، من أنه مرتبط بتأمين سكن آمن للمواطنين الفلسطينيين ومصدر مالي ودولة مستقرة يعيشون فيها، يفصح عن جهله بالقضية الفلسطينية، أو تقصّد لإنهائها، على أساس أن تهجيرهم سيحلها، وينهي كما يقول أزمة إسرائيل”.
وأضاف، أن ترامب“لا يعتبر بأن الغزيين يعانون من أزمة، برغم حرمانهم طوال عقود من أدنى حقوقهم بأرضهم ودولتهم المستقلة وتقرير مصيرهم”، وهو هنا، يريد“إسقاط حقوق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة للفلسطينيين، ويرى بأن الحل، يكمن في أنه إنهاء لأزمة سكانية أو أنه مجرد أزمة مهجّرين فقط، بدون أي اعتبارات”.
وأشار إلى أنه، يقترح بأن يكون الحل الغزي، مرهونا بدول الجوار، والأردن واحدة منها، وهذا بالتالي،“ينسف تماما فكرة استقرار الدولة الأردنية وسيادتها عنده، فالأردن صاحبة الحق بشأن من يأتي أو لا يأتي إليها”، وحديث ترامب يمسّ ثوابت الدولة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، بل ويصفي القضية متناقضاً في ذلك مع ثوابت المملكة التي ترى بأن الحل، يجب ـن يكون عادلا، ويضمن للفلسطينيين دولة وكيانا سياسيا مستقلا، يحقق لهم مستقبلهم.
وقال الحوارات“يمكن للأردن بسهولة رفض ما يقوله ترامب. ربما يكون لذلك تبعات سياسية واقتصادية، لكن لا بأس؛ في مقابل الحفاظ على استقرار الأردن ومستقبل أبنائه، والحفاظ على القضية الفلسطينية”، مؤكدا ثقته بالفلسطينيين“الذين سيرفضون التهجير”. لافتا الى انه بالنسبة لقيادة الاحتلال، فإن تصريحات ترامب“هدية هبطت من السماء”، قدمها لهم رئيس يتبنى ما يقوله اليمين في كيان الاحتلال حرفياً،“ولا يعترفون بشيء اسمه فلسطين، ولا بدولة مستقلة، ولا بحق تقرير المصير”.
وتابع، في الكيان“يرون بأن حق الفلسطينيين في أي مكان من العالم، باستثناء المساحة الجغرافية بين النهر والبحر. وبالتالي سيروق لهم ما قاله ترامب وسيؤيدونه وسيدعون لتطبيقه”. مشددا على حاجة الأردن للتسلح بشعبه وبصداقاته وعلاقاته الدبلوماسية مع دول الإقليم والدول والقوى العالمية إذ إن هناك إمكانية للوقوف بوجه ما يقوله ترامب، لأن ما يقوله ليس مُنزلا، وقد تراجع عن كلامه أكثر من مرة”.
وأكد الحوارات، أنه إذا كان يمكن لترامب الضغط على الأردن بالمساعدات، فـ”هنالك بدائل كثيرة لها، صحيح أن هذا الضغط قد يؤدي لضائقة اقتصادية، ولكن المرور بمثلها، مختلف عن القبول بشروط أميركية قد تزعزع استقرارنا لا سمح الله، أو السير بنا الى طريق المجهول”.
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي قال إن“الأردن، وبالتأكيد لا يستطيع تحمّل التعاطى مع مزيد من اللاجئين، لأسباب سياسية وموضوعية”، موضحا أن“من أهم الأسباب السياسية، هي أن الأردن لن يسهم بتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الحقيقيين، ولن يشارك بمشروع يهدف إليه اليمينان المتطرفان في دولة الكيان والولايات المتحدة”.
وشدّد الماضي، على أنه يجب أن يكون مفهوما للإدارة الأميركية ولدول الإقليم بأن الموقف الأردني هو“مبادئ الدولة الأردنية، وينسجم مع تطلعات الفلسطينيين، كما ينسجم مع تطلعات الأردنيين في الحفاظ على أرضهم واستقلالهم”، لافتا إلى أن ترامب ينظر للواقع في منطقتنا بـ”سطحية عجيبة وغريبة”، فهو“لا يفهم تعقيدات المشهد السياسي والديمغرافي والجغرافي والحق التاريخي للشعبين الفلسطيني والأردني وشعوب المنطقة”.
واعتبر بأن الأردن، لا يستطيع إدارة ظهره كاملا للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، لكن يمكنه تصليب جبهته الداخلية، والتسريع بإيجاد حلول اقتصادية وتعويض الدعم الأميركي، مشددا على أن الأردن لديه فرص كبيرة جدا الآن في التعامل مع الواقع السوري الجديد، عبر التعاون مع السعودية وتركيا وقطر، لتعويض ما يمكن خسارته من مساعدات أميركية.
وأشار إلى أن مشكلة المساعدات الأميركية، تكمن في أنها مرتبطة بالمواقف السياسية فـ”الخشية من أن يضاعف ترامب ضغوطه على الأردن، ليس فقط من ناحية تعليق المساعدات الاقتصادية، ولكن يُخشى أن يكون هناك أيضا مضاعفات سياسية لمثل هذه القرارات، بحيث نواجه إشكاليات حادة بهذا الخصوص”.
وقال الماضي،“من المهم جدا معرفة بأن الأردن لن يكون لقمة سائغة، وباستطاعته الصمود بوجه أي تحد كما فعل بين العامين 2016 و2020، عندما كان ترامب أقوى بكثير مما هو عليه اليوم، فهو حاليا“أقل حدّة” عما كان عليه في ولايته الرئاسية الأولى“والسبب، بأنه يعلم تماما أن الأردن يستطيع التعامل مع هذه السنوات الأربع حتى وإن كانت عصيبة”.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، إن الأردن منذ بداية الحرب العدوانية على غزة،“حذّر من أهداف الاحتلال الخفية الكامنة وراء حرب الإبادية، لذا عارض فكرة التهجير من قطاع غزة بعد اندلاع الحرب قبل اكثر من عام من الآن، وتعاون مع مصر بهذا الشأن والتنسيق مع العالم العربي، موضحا أن الأردن حذّر من أن جعل القطاع، مدمراً ومكانا غير قابل للحياة، يخفي خلفه أهداف التهجير.
وبيّن شنيكات، أن“الأردن لديه تجربة طويلة في استقبال اللاجئين، والتعامل مع أزمات إنسانية لدول إقليمية، ليست لها علاقة بها، سواء القضية الفلسطينية وهجرة اللاجئين في العام 1948 والنازحين في العام 1967، أو ما حدث في العراق في العام 1990 إبان حرب الخليج الثانية، وأيضاً الإجراءات المتعاظمة التي أتت أيضاً من العراق ومن سورية ومن غيرها من الدول”.
ولفت إلى أن الأردن يتوجّس من كل ذلك“وهو أصلاً يتبنى حل الدولتين. اذ كيف يجري تهجير السكان إذا كانت الولايات المتحدة هي من تتبنى حل الدولتين؟”، معتبرا بأن ما تحدّث به ترامب، يعني قتل الدولة الفلسطينية والحل السياسي، ومزيد من انفجار الأوضاع في الداخل، كما أن مسألة التهجير هي تجربة ليست سهلة.
وقال إن تهجير الفلسطينيين في العام 1948، أدى إلى وعي كبير عند الشعب الفلسطيني في العام 1967 حين رفض التهجير، مشددا على أنه على الأردن دعم صمود الفلسطينيين والتشارك مع الدول العربية بهذه المسألة، والتحذير من خطورة حالة عدم الاستقرار إذا صح حديث ترامب في نقل مليون فلسطيني من غزة باتجاه الأردن، و”هذا قد يحدث مشاكل في المجتمع الأردني الذي يعاني من أعداد كبيرة وضخمة من اللاجئين، في ظل موارده المحدودة، وغير ذلك”.
وبين شنيكات،“قد تستغل الولايات المتحدة الأمر بحكم أنها تقدم مساعدات للأردن - وهي أوقفتها فعليا- كطريقة للمقايضة بين المساعدات أو قبول اللاجئين والمهجّرين”، معتبرا بأن هذه الخطورة ستكون على حساب الأردن وأمنه، وعلى حساب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، مشددا على أن كل ما يحدث حاليا، هو تنفيذ لوجهة نظر اليمين المتطرف الصهيوني المرتبط جذريا بأفكار الإدارة الأميركية، ما يؤثر بشكل كبير جدا على أرض الواقع، ودفعه لمزيد من الحدة، على غرار تأثير اليمين الأميركي المحافظ على إدارة بوش الابن إبان حرب الخليج.

MENAFN26012025000072011014ID1109131120


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.