(
MENAFN- Palestine News
Network )
رغم أنه معروف بسلوكه غير المتوقع، إلا أن الكثير من المحللين يحاولون توقع سياسة الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد
ترامب خلال حقبة حكمه القادمة، انطلاقاً من الدور والمكانة التي تتمتع بها الولايات المتحدة كقوة عظمى، وتأثير توجهاتها على السياسة الدولية بشكل عام. وخلال حفل تنصيبه الرئاسي يوم الاثنين الماضي ألقى ترامب خطبة طولية، قد تعكس بعض المؤشرات لسياسته الخارجية، بالإضافة لعدد من المؤشرات الأخرى، كسياسته خلال حقبته الأولى، وتصريحاته خلال دعايته الانتخابية، بالإضافة إلى تعييناته لفريق عمله. وتُرسم توجهات السياسة الخارجية الأميركية في العادةبشكل متشابه في الإدارات المتلاحقة خلال الحقب المتقاربة تجاه مناطق ودول العالم، انطلاقاً من تواصل استمرار المصالح والقيم الناظمة والمعطيات الاستراتيجية. وقد يساهم التغير في التوازنات السياسية التي حدثت خلال العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط بفتح المجال لانفتاح في تحقيق الأهداف الأميركية فيها. وتركز السياسة الخارجية الاميركية في المنطقة عموماً على حماية مصالحها الأمنية والاقتصادية بشكل أساسي وحماية حليفها الأول والأهم إسرائيل، ولتحقيق ذلك تسعى لضمان حسن علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، والتصدي لأي معارضة لمصالحها منها أو من خارجها.
رغم أن الشرق الأوسط لم يكن محور خطاب ترامب، إلا أنه أولى أهمية خاصة له من خلال إشارته لصفقة غزة. فركز على قضية استرجاع المحتجزين في غزة، وتعهد بإعادتهم جميعاً. وفي استعراض لافت أحضر الرئيس الجديدعائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة إلى الحفل، وأولى اهتماماًخاصاً لمبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي ألقى كلمة أمام الحشد قبل ترامب. واستشهد مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد مايك والتز بتأثير ترامب على انجاز الصفقة معتبراً أنه وضع حماس تحت الضغط بالتهديد بالعواقب إذا لم تفرج عن المحتجزين في غزة.
استعرض ستيف ويتكوف الركائز التي تقوم عليها سياسة إدارة ترامب القادمة في الشرق الأوسط معتبراً أنها تقوم على التواصل مع قيادات المنطقة لإيجاد مسارات نحو السلام والاستقرار المستدام، واستخدام الاقتصاد والشركات الاقتصادية والاستثمار كجسر لتحقيق الاستقرار، وبناء أساس للتعاون يتجاوز المظالم التاريخية، والدبلوماسية الشجاعة التي تنطوي على محادثات صعبة وقرارات جرئية. إن ذلك يفسر المسار الذي بدأت إدارة ترامب عهدها به، وذلك بإنجاز صفقة التبادل في غزة. ويسعى ترامب خلال ولايته الحالية لاستكمال مشروع تطبيع دول المنطقة مع إسرائيل، والذي بدأه في ولايته السابقة، فيتطلع لتحقيق ذلك مع السعودية في الأيام القادمة. فاعتبر والتز التطبيع السعودي الإسرائيلي بأنه "أولوية كبيرة" وأنه الجولة التالية من اتفاقيات التطبيع، ووصفه باتفاق تاريخي هائل سيغير المنطقة. وتبنت إدارةبايدن ذلك التوجه، إلا أنها فشلت في تحقيق اختراق، رغم جولات التفاوض المتعددة لإنجاز ذلك الهدف، بسبب استمرار حرب غزة ومطالبة السعودية بوقفها، وبالمضي قدماً باتجاه تحقيق الدولة الفلسطينية.
بعد الإعلان الرسمي في قطر يوم الأربعاء الماضي عن الهدنة، أشار نتنياهو إلى أنها مجرد فترة هدوء قصيرة، وستستأنف الحرب بكامل قوتها، إذا لزم الأمر. والواقع هو أن هذه الهدنة هي نهاية الحرب ومقدمة لصفقة أكبر في المنطقة يتطلع لتحقيقها ترامب، فهو يرى أن وقف إطلاق النار الآن مقدمة للتطبيع مع السعودية لاحقاً، وترتيب أوضاع المنطقة. إلا أن السؤال المهم كيف ينظر ترامب لحل قضية غزة بعد الحرب، ومستقبل الضفة الغربية في ظل أهداف حكومة نتنياهو المعلنة، وتجاه حل الدولتين؟ تحدث ترامب عن جمال ساحل غزة ومناخها واستراتيجية موقعها، وأدعى أنها تحتاج لإعادة إعمار بشكل مختلف. يذكر ذلك بدعوة صهره جيرالد كوشنر السابقة بترحيل الغزيين. كما يعيد لذاكرتنا موقف وزراء حكومة نتنياهو اليمينيين، الذين دعوا لترحيل المواطنيين الغرزين والاستيلاء على أراضيهم في شمال غزة وبناء مستوطناتهم عليها.
يؤكد ترامب أنه لا يستطيع أن يتخيل أن تلعب حركة حماس دوراً مستقبلياً في غزة بعد الحرب. ويدعم وزير الدفاع بيت هيجسيث والسفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي ضرورة القضاء على حركة حماس في غزة، بينما اعتبر والتز أن القضاء على حركة حماس مقدمة للحلول السياسية والاقتصادية، ليسفي فلسطين فقط، بل في المنطقة بأسرها. ووضع أنتوني بلينكن، وزير خارجيةالرئيس جو بايدن المنتهيه ولايته، رؤية لليوم التالي للحرب تقوم على أساس وجود السلطة الفلسطينية والدعم العربي والدولي لها، وهو ما ترفضه إسرائيل. ومن المرجح أن يتبنى ترامب وإدارته رؤية بلينكن ومقاربة الإدارة السابقة لحكم غزة بعد الحرب، كما تبنت من قبل مخرجات المفاوضات التي حققتهاالإدارة السابقة، وحصدت في النهاية الإعلان عن الصفقة بدلاً عنها، والتي يتباهي ترامب بأنه أنجزها. وقبلت إسرائيل بالفعل بعد إتفاق مع مصر بإدارةالسلطة الفلسطينية لمعبر رفح، تحت إشراف الأمم المتحدة، بعد دخول صفقة التبادل حيز النفاذ.
من بين أول القرارات التي اتخذها ترامب بعد وصوله للحكم إلغاء أمر تنفيذي سابق لبايدن مكنه من فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، كما ألغى أيضاً الأمر التنفيذي الذي اتخذه بايدن لينهي العقوبات التي فرضها ترامب على المحكمة الجنائية الدولية في ولايته السابقة. وأرسل ترامب رسالة حادة إلى المحتجين المؤيدين للفلسطينيين في جميع أنحاء أمريكا. وجدد العديد من المسؤولين الجدد في إدارة ترامب التزامهم بترحيل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين الذين يتواجدون في أميركا بتأشيرات طلابية. وتتقاسم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب هذا الحماس المعادي للفلسطينيين، تحت ستار مكافحة معاداة السامية، التي لم يعين لها ترامب مبعوثا خاصاً بعد.
وانتقدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إليز ستيفانيك، ذات الأصول اللبنانية "الأونروا" والمحكمة الجنائية الدولية وإيران في جلسة تأكيد تعيينها في مجلس الشيوخ. وأكدت على آراء الوزراء الإسرائيليين اليمينيين بأن لإسرائيل "حق توراتي في الضفة الغربية بأكملها"، ورفضت تأييد حل الدولتين أو حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير. وأكدت معارضتها لتمويل "الأونروا"، وانتقدت أداء قوات اليونيفيل في لبنان، واعتبرتها أنها فشلت في مهامتها، ويحتاج استمرار عملها لإعادة تقييم. وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية معادية للسامية، وتنوي تسخير طاقاتها لإدانة معاداة السامية في الأمم المتحدة. وتعتبر إيران التهديد الأكبر للسلام العالمي، وتدعو لاعادة فرض عقوبات عليها. وتعد مواقف ستيفانيك ملخصاً لمواقف مسؤولي الإدارة الجديدة عموما تجاه فلسطين والفلسطينيين. فيعتبر هيجسيث أن "من يحب أميركا يجب أن يحب إسرائيل" ورفض فكرة حل الدولتين واعتبرها مجرد "خدمة لفظية". وقال والتز إن الإدارة ستدعم هجومًا إسرائيليًا آخر على غزة إذا لم يصمد وقف إطلاق النار.
يساهم الوضع الإقليمي بعد الحرب، الذي يستلم ترامب في ظله الحكم،بإضفاء مزيد من التعقيد على المشهد. فالوضع الفلسطيني لا يحتاج لشرحلتوضيح، في أعقاب حرب مدمرة في غزة، واحتلال يعمل في الضفة الغربية دون قيود أو شروط. كما أن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يفترض أن ينتهي في غضون الأسبوع الأول لتولي ترامب الحكم. ورغم اشادة المسؤولينالأميركيين بأداء الجيش اللبناني، وبالرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، إلا أن إسرائيل أعلنت عن إحجامها عن الانسحاب الكامل حسب ما هو منصوصعليه في الاتفاق. ومن الواضح أيضاً أن لبنان في انتظار صفقة كبرى مع الاحتلال، خلال ولاية ترامب، والتي تأتي ايضاً ضمن المعطيات الخاصة بوضع إيران وسوريا في المنطقة. ويميل ترامب لعودة فورية إلى حملة الضغوط القصوى على إيران، فدعا وزير الخزانة سكوت بيسنت لجعل إيران مفلسة مرة أخرى، رغم وجود مسؤولين آخرين يدعون لتوجيه ضربة عسكرية حاسمة لإيران، وفق رغبة نتنياهو. ومن المتوقع أن يتم التفاهم مع إيران وعقد صفقة، في ظل براغماتية تصريحات إيران، وموقف ترامب الداعم للمشاريع والصفقات التجارية في المنطقة. يأتي ذلك في ظل تغير معادلات الردع في المنطقة بعد أكثر من عام على الحرب، تدمرت فيها غزة، وأضعف حزب الله، وسقط نظام الأسد في سوريا، والتزمت طهران بموقف دفاعي.
إن المشكلة في موقف الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية أنها تتعاون مع إسرائيل التي تتبنى إستراتيجية إدراة الصراع وعدم حله على مدار ٥٠ عاماً، لضمان تحقيق أهداف إسرائيل بشكل تدريجي. إلا أن حرب غزة قد تستدعي وضع حل للصراع، لكن من المؤكد أنه لن يكون في صالح الفلسطينيين، في ظل حكومتي نتنياهو وترامب، وفي إطار نتنائج ما بعد الحرب. ومن المتوقع بعد صفقة التبادل، أن يتم ترتيب موضوع إدارة غزة، الذي يعتمد على تأمين الجانب العسكري في غزة، والذي سيمهد الطريق أمام إعادةإعمارها. وتسيطر حماس داخلياً على الأرض، بينما تواصل إسرائيل حصارها للقطاع براً وبحراً وجواً. فبعد أكثر من عام كامل من الحرب لم تتمكن إسرائيل من إحكام سيطرتها على القطاع بشكل كامل، ومواصلة حربها داخل القطاع يعني مزيد من الخسائر والاستنزاف لجنودها وعتادها. الا أنإسرائيل تستطيع التحكم بالقطاع وفرض حصار عليه يجعله يعيش في وضع مأساوي مدمر، خصوصاً بعد الحرب. وفي ظل وجود توجه دولي بالسماح للسلطة بالعمل في غزة، ومع وجود حركة حماس على الأرض، يبدو التفاهم الفلسطيني وخلق موقف وطني موحد السبيل الوحيد أمام الفلسطينيين للتصدي لما هو قادم، ليس في غزة فقط، بل في الضفة الغربية أيضاً، والتي تواجه حرباً متواصلة على الجانب الآخر. فهل بدأ الفلسطينيون بالفعل في التفكير بترتيب أوضاعهم بعد الحرب أخذاً في الاعتبار بالأبعاد المتغيرة الداخلية والإقليمية والدولية. وقد يمنح شرط السعودية للتطبيع مع إسرائيل بأن يصبح هناك طريق إلى الدولة الفلسطينية للفلسطينيين الموحدين هامشاًللمناورة وتحقيق شروط أفضل.
MENAFN23012025000205011050ID1109120384