Friday, 17 January 2025 03:01 GMT



نداء الواجب ... قابلة سويسرية تقضي أسابيع في مستشفى ميداني بغزة

(MENAFN- Swissinfo) قضت القابلة السويسرية تامارا بونك مؤخّرا، خمسة أسابيع في المستشفى الميداني التابع للصليب الأحمر بقطاع غزة، حيث خاضت تجربة استثنائية خلال أدائها لمهامها في توليد الأطفال والطفلات وسط مشاهد الدمار والخراب. كيف عاشت هذه التجربة المؤثرة في قلب النزاع؟

تم نشر هذا المحتوى على 16 يناير 2025 - 07:37 18دقائق

صحفي إيرلندي الأصل. عمل دومنال في مجال الأبحاث والكتابة في عدد من الدول الأوروبية قبل انضمامه إلى swissinfo في عام 2017. يغطي مجالات الديمقراطية المباشرة والسياسة وعادة ما يكون متواجداً في برن.

  • مقالات أخرى للكاتب (
  • القسم الإنجلي
  • English en Swiss midwife responds to call for aid from Gaza الأصلي طالع المزيدSwiss midwife responds to call for aid from Gaz
  • Deutsch de Eine Schweizer Hebamme im Gaza-Krieg طالع المزيدEine Schweizer Hebamme im Gaza-Krie
  • Français fr Une sage-femme suisse répond à l'appel à l'aide de Gaza طالع المزيدUne sage-femme suisse répond à l'appel à l'aide de Gaz
  • Italiano it Una levatrice svizzera risponde alla richiesta di aiuto da Gaza طالع المزيدUna levatrice svizzera risponde alla richiesta di aiuto da Gaz
  • 日本語 ja 耳に残るは産声とドローン スイス人助産師が見たガザの野戦病院 طالع المزيد耳に残るは産声とドローン スイス人助産師が見たガザの野戦病
  • 中文 zh 一名瑞士助产士在加沙战争中的经历 طالع المزيد一名瑞士助产士在加沙战争中的经

من المستشفى الميداني التابع للصليب الأحمر والواقع بمدينة رفح جنوب غزة، تصف بونك بعض المشاهد التي تبدو طبيعيّة، رغم كل ما يحدث. من تلك المشاهد، منظر المساء المطل على البحر الأبيض المتوسط، تراه بونك من العيادة
رابط خارجي الساحليّة، التي أمضت فيها خمسة أسابيع خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، ضمن مهمة إنسانية للصليب الأحمر. وعندما تتلاشى الأضواء على صفحة المياه، يقدم غروب الشمس مشهداً ساحراً قد ينسي للحظات التحديات المحيطة.

من زيورخ، الملتحفة بجو ما قبل عيد الميلاد الملبّد بالغيوم، تقول بونك لموقع سويس إنفو (SWI swissinfo):“يمكن طمأنة النفس أحيانا، والقول: حسناً، على الأقل هناك أشياء تبقى كما هي ولا تتغير أبداً”.

وتتجلّى من داخل المستشفى الميداني الذي يضم 60 سريراً، مشاهد أخرى تعكس بدورها جوانب من الحياة الطبيعية وسط الظروف الصعبة؛ من التفاعلات اليومية العملية مع النساء اللواتي يأتين لإجراء الفحوصات الطبية، مجموعة الخدمات الطبية المتوفرة رغم طابع المكان المؤقت، إلى فرحة الولادة، والأحاديث مع الزملاء والزميلات، وتصفح الأخبار، وحتى متابعة نتائج الانتخابات الأمريكية، تسلّط كل هذه التفاصيل الضوء على لحظات من استمرار الحياة رغم كل التحديات.

لكن يظلّ واقع غزة القاسي حاضراً في كل لحظة؛ إذ تصل المريضات الحوامل غالباً على عربات تجرها الحمير. العديد من العاملين.ات في المستشفى يشغلون وظائف متعددة بسبب الحاجة الملحة لتغطية الارتفاع الهائل في أسعار الغذاء. لكن، يظلّ شبح سوء التغذية محدقا بالمواليد الجدد ذكورا وإناثا. وفي نهاية المطاف، يتكوّن المستشفى، رغم ما يوفره من خدمات، من خيام تفتقر إلى الخصوصية. فتقول بونك:“هنا، لا توجد مساحة كافية للحفاظ على الخصوصية”.


وقبل أسابيع قليلة من توجه
الشعب الأمريكي إلى صناديق الاقتراع، وفي حدث هزّ الأجواء على بعد آلاف الأميال، قُتل يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، على يد القوات الإسرائيلية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

تقول تامارا بونك:“عندما تركز فقط على منظر غروب الشمس، أو على الأشخاص ممن لا يزالون يستمتعون بالشاطئ أو يسبحون في المياه، يمكنك تناسي الواقع المحيط بك، إلى حدّ ما، وأحياناً يبعث هذا المشهد على الشعور بالهدوء والسكينة. لكن بمجرد
الالتفات والنظر إلى الجهة الأخرى، حيث الدمار والمخيمات الضخمة المليئة بخيام النزوح، يتجلى لك الواقع القاسي الذي تعيشه هذه المنطقة”.


تامارا بونك، الثانية من اليسار، مع عضوات فريقها من القابلات في رفح. الصليب الأحمر السويسري. ICRC ICRC مولودة لتكون قابلة

تقول بونك، البالغة من العمر 44 عاماً، بدأ
شغفها بمهنة القابلة منذ نعومة أظافرها . وتروي:“عندما كنت في الخامسة من عمري، دخلت المستشفى لإجراء عملية استئصال اللوزتين. وصادف أن كان قسم الولادة قريباً من غرفتي، ومنذ تلك اللحظة شعرت بشيء يشدني إلى هذه المهنة”.

ولم يكن شغف بونك بالعمل مع النساء الحوامل الدافع الوحيد وراء اختيارها لمهنة القبالة؛
بل قد جذبها ما توفره هذه المهنة من استقلالية أيضا. وازدادت مع مرور الوقت إدراكاً لأهمية دور القابلة الاجتماعي، واكتشفت أن هذا الدور لا يقتصر على مساعدة الأمهات أثناء الولادة فقط، بل يتمثل أيضاً في دعم الآباء والأمهات والأطفال والطفلات للتكيف مع الحياة اليومية في المنزل.

وتنقلت تامارا بونك بعد حصولها على شهادة القابلة في عام 2002، بين عدة مدن في سويسرا، حيث كرست نفسها للعمل في مجال التوليد. وجمعت خلال مسيرتها المهنية، بين الممارسة الميدانية والمسؤوليات الاستشارية، مما أضاف بُعداً جديداً إلى خبرتها.
كما شاركت بفاعلية في جمعية القابلات السويسرية.

لكن قد تشعر الأرواح الحساسة بالاختناق في بلاد تنعم بالرفاهية. فتقول بونك:“لم أختر أن أولد في بلد ينعم بالرفاهية مثل سويسرا”. إلا أنها شعرت برغبة عميقة في تقديم العون للفئات المحتاجة في مناطق الأزمات. ومن هذا المنطلق، انضمت إلى الصليب الأحمر، وسجلت في فريق الطوارئ المؤلف من خبراء وخبيرات
على استعداد للتوجه إلى مناطق الأزمات كلما دعت الحاجة.

وبدأت بونك رحلتها الإنسانية بمهمتين في بنغلاديش، حيث عملت في مخيمات اللجوء في ظروف قاسية، لكنها لم توجد حينها في منطقة نزاع مباشر. وفي أبريل 2024، جاءها نداء استغاثة جديد: الحاجة إلى قابلة في رفح، المدينة الغزاوية التي أصبحت مأوى لما يقارب ثلثي سكان القطاع من الرجال والنساء، بعد أن اجتاحت الحرب معظم أرجائه. فتقول:“لم أحتج إلى أكثر من نصف يوم فقط للتفكير في الأمر، ناقشته مع شريكي، ثم اتخذت القرار، وقبلت المهمة”.

تم إنشاء المستشفى الميداني في رفح في مايو 2024 من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع 11 جمعية وطنية للصليب الأحمر، منها الجمعية السويسرية. ويضم المستشفى 60 سريراً، ويوفر خدمات طبية حيوية تشمل الرعاية الجراحية الطارئة، ورعاية التوليد وأمراض النساء، بالإضافة إلى رعاية الأمهات، والمواليد، والأطفال من الذكور والإناث.

كما يضم المستشفى قسماً خاصاً بغير المقيمين والمقيمات من المرضى والمريضات، بالإضافة إلى قدرات متقدمة لإدارة الأزمات الناتجة عن الإصابات الجماعية وعمليات فرز الحالات الطارئة. ويمثل المستشفى نموذجاً لاستجابة إنسانية عاجلة تهدف إلى دعم السكان
وسط ظروف النزاع المستمر.


لقد اندلعت الحرب في غزة عقب هجوم إرهابي شنه مقاتلو حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أودى بحياة 1200 شخص، وأسفر عن اختطاف 251. ومع تصاعد العنف واستمراره، تشير التقديرات إلى
أنّه حتى شهر ديسمبر من عام 2024، قُتل نحو 45،000 شخص، وأصيب أكثر من 100 ألف، وفقاً لبيانات وزارة الصحة التي تديرها حماس.

ولم يتبق من 36 مستشفى كانت تقدم خدماتها لعدد من سكان غزة، لا يتجاوز مليوني نسمة قبل الحرب، لم يتبقَ سوى 17 مستشفى تعمل بشكل جزئي فقط، وفقاً لمنظمة الصحة العالميةرابط خارجي . هذه الأرقام تكشف عمق الأزمة الصحية والإنسانية التي تعصف بالقطاع، في ظل الحصار المشدد والدمار المتواصل.


مع توقف العديد من مستشفيات غزة عن العمل بسبب النزاع، جُهّزت عيادة رفح لتقديم مجموعة واسعة من العمليات الطارئة والروتينية ICRC ICRC طواف طائرات مسيّرة يومياً

بدأت تامارا بونك رحلتها الإنسانية في شهر أكتوبر الماضي، فانطلقت من زيورخ إلى عمّان، وخضعت لتدريب أمني مكثف استمر يوماً كاملاً، ثم تابعت طريقها في رحلة طويلة وبطيئة عبر الضفة الغربية وإسرائيل، وصولاً إلى غزة عبر معبر يخضع لإجراءات أمنية مشددة، قبل أن تتجه جنوباً في رحلة وعرة نحو رفح، بالقرب من الحدود المصرية.

وقد بدت لها فترة مهمتها كأنّها دهر، رغم أنّها تجاوزت الشهر بقليل. قد عملت بونك بلا كلل يوماً بعد يوم، متأهبة على مدار الساعة لأي طارئ. وفقدت خلال خمسة أسابيع فقط، خمسة كيلوغرامات من وزنها تحت وطأة الإرهاق والتحديات.

وتروي تجربتها فتقول:“تلقّينا تحذيرا مسبقاً بأن الأسبوع هنا سيبدو وكأنه شهر”. ومع الإرهاق المتواصل، وتشابه الأيام، والتنقل المحدود، بين المستشفى ومكان الإقامة، تلاشت تفاصيل الوقت، وتحولت التجربة بأكملها إلى مجموعة من الذكريات المشوشة.

ويمتزج العمل في قلب الحرب بتوتر مستمر يثقل الأنفاس،
ويصبح البقاء في حالة تأهب دائم جزءاً من الروتين اليومي. فلا يمكن التنبؤ متى ستدق لحظة الهروب إلى ملجأ ضيق مليء بأكياس الرمل. وأصوات الحرب لا تتوقف أبداً: القنابل التي تهز الأرض، صفارات الإنذار التي تشق السكون، وأزيز الرصاص الذي يتسلل باستمرار في الأجواء.

لكن ما يبقى محفوراً في ذاكرة بونك أكثر من أي شيء آخر هو صوت الطائرات بدون طيار، تلك الطائرات الكبيرة التي لا تهدأ. فتقول:“ليست تلك الصغيرة التي قد تبدو مألوفة وغير مؤذية، بل الكبيرة منها، ذات الصوت القاسي والمستمر، وكأنها آلات عملاقة لقص الأعشاب”. أما الليل، فكان أكثر الأوقات وطأة.

MENAFN17012025000210011054ID1109100040


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.