Thursday, 16 January 2025 01:19 GMT



الزواهرة يكتب.. فرحة الأردنيين بوقف الحرب على غزة: أبعاد نفسية وس

(MENAFN- Khaberni) كتبمحمد صبيح الزواهرة:

وقف الحرب الأخيرة في غزة شكّل لحظة استثنائية امتزجت فيها مشاعر الأردنيين بين الفرح والألم، ليصبح هذا الفرح تعبيرًا عاطفيًا وصوتًا جماعيًا ينبع من أعماق القلوب المتعطشة للعدالة. مشهد الاحتفاء الشعبي بهذا الحدث لم يكن مجرد انكسار رمزي للمعاناة، بل كان تعبيرًا عن تداخل عميق بين الجوانب النفسية والسياسية التي تحرك مشاعرهم تجاه القضية الفلسطينية. فرحة الأردنيين، رغم الدمار والجراح، كانت انعكاسًا لمشاعر التضامن الثابت، وعجزهم المُكتوم، وآمالهم المتجددة في انتصار القضية الفلسطينية. هذا الفرح كان صادقًا، لأن الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من هويتهم، ومعاناتهم أصبحت ألمًا مشتركًا في وجدان الشعب الأردني.

الشعب الأردني بكل تنوعاته، سواء كان من أصول فلسطينية أو أردنية، كان في حالة تأهب دائم خلال الحرب على غزة، محاطًا بألم عميق من مشاهد القصف والمجازر التي كانت تُرتكب. ورغم أن تلك الأصول والمناطق كانت متباينة، إلا أن الشعور المشترك الذي جمعهم كان واحدًا: أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية، عربية، وإنسانية بالدرجة الأولى. هذا الوعي المشترك خلق شعورًا قويًا بالعجز لدى الأردنيين، الذين كانوا يتابعون عن كثب مشهد الحرب بينما يقفون على الحياد السياسي، دون قدرة على التدخل بشكل حاسم. ومع استمرار العدوان، كان الضغط النفسي يتصاعد، لدرجة أن إعلان وقف الحرب أصبح فرصة لإطلاق عواطفهم وتنفيس مشاعرهم المكبوتة. كان الفرح بالانتصار في نظرهم تعبيرًا عن إعادة تقييم للوضع السياسي والإنساني، وهو بمثابة إنجاز معنوي يعوض عن غياب الدور الفاعل في وقف العدوان.

لكن هذا الفرح لم يكن مجرد احتفال بانتصار المقاومة الفلسطينية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، بل كان أيضًا نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني. كان الموقف السياسي الأردني واضحًا ومتماسكًا، حيث لم تدّخر المملكة جهدًا في مساعدة أهل غزة وتوفير الدعم الإنساني والطبي. جلالة الملك عبد الله الثاني، بتوجيهاته الحكيمة، قاد حملة دبلوماسية حثيثة لإيقاف القصف وحشد الدعم العربي والدولي، مؤكدًا أن السلام العادل والشامل هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ومع تقديم الأردن المساعدات الطبية والغذائية والدعم اللوجستي، كان الأردنيون يشعرون بأنهم يسهمون في الوقوف إلى جانب غزة حتى وإن لم يكن بإمكانهم التدخل المباشر.

الحرب كانت اختبارًا ليس فقط لبطولة المقاومة الفلسطينية، ولكن أيضًا للشعوب العربية، لا سيما الأردنيين الذين تربطهم علاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية. فرحتهم بوقف الحرب كانت بمثابة إعلان عن تضامنهم العميق مع الشعب الفلسطيني، وتأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية جغرافية أو سياسية، بل هي قضية وجود وهوية. وبالرغم من عجزهم عن تغيير مجريات الأحداث العسكرية، فإنهم شعروا بأن انتصار غزة هو انتصارهم أيضًا.

عاطفيًا، يمكن فهم فرحة الأردنيين بوقف الحرب عبر ثلاثة مفاهيم نفسية رئيسية. أولًا، النمو ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Growth)، حيث أصبح هذا الفرح بمثابة إعادة بناء نفسي بعد سنوات من المعاناة المستمرة والفقدان. ثانيًا، التفاؤل التفسيري (Explanatory Optimism)، حيث قرأ الأردنيون في صمود غزة دلالة على قدرة الشعوب على التغلب على القوة العسكرية، وأن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنه سحق إرادة الفلسطينيين. وأخيرًا، إعادة التقييم الانفعالي (Emotional Reappraisal)، حيث استطاع الأردنيون تحويل مشاعر الحزن والعجز إلى فرحة جماعية تعكس تمسكهم بالقضية ورفضهم للظلم.

فرحة الأردنيين كانت تعبيرًا عن الوعي السياسي العميق، وقدرتهم على التعبير عن مشاعرهم رغم الألم. كانت هذه الفرحة بمثابة رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب، وأن الأردنيين، سواء كانوا من أصول فلسطينية أو أردنية، متحدون في هذه القضية العادلة.“عندما جاء نيسان أخذت الأرض تتضرج بزهر البرقوق الأحمر وكأنها بدن رجل شاسع، مثقب بالرصاص كان الحزن والفرح المختبيء فيه مثلما تكون الولادة ويكون الألم!” هذه الكلمات التي كتبها الشهيد غسان كنفاني لا تعكس فقط مشهدًا طبيعيًا، بل تتوازى مع ما يختلج في قلوب الأردنيين من مشاعر مختلطة، قلوب تتوق إلى الحرية والسلام، لكنها لا تخلو من جراحٍ لا تزال تنزف.

MENAFN16012025000151011027ID1109096149


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.