(
MENAFN- Alghad Newspaper)
د. حسن عبدالله الدعجة
تمثل المشروعات الوطنية الكبرى في الأردن نموذجا للتخطيط الإستراتيجي الرامي إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي. تُنفذ هذه المشروعات ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحسين البنية التحتية، تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاقتصاد الوطني عبر استثمار الموارد المحلية بشكل فعّال وجذب الاستثمارات الأجنبية. تسهم هذه المشروعات في دعم القطاعات الحيوية كالمياه، الطاقة، النقل، والسياحة، مما يوفر فرص عمل جديدة ويُعزز من تنافسية الاقتصاد الأردني. كما تعكس هذه الجهود التزام الحكومة بتحقيق أهداف التنمية الشاملة والاستدامة، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة في ظل التحديات المتزايدة.
في مجال الطاقة والمياه، يُعد مشروع ((الناقل الوطني لتحلية مياه البحر)) أحد أبرز المشروعات الإستراتيجية التي تعكس التزام الأردن بمواجهة تحديات ندرة المياه المزمنة. يهدف هذا المشروع الطموح إلى تحلية مياه البحر الأحمر وضخها إلى مختلف مناطق المملكة، بما يضمن توفير مصدر مياه مستدام يلبي الاحتياجات المتزايدة للسكان والقطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية. كما يعزز المشروع الأمن المائي في ظل محدودية الموارد المائية التقليدية، ويُعد خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة، من خلال استخدام تقنيات متطورة للطاقة المتجددة في تشغيل المحطات، مما يقلل من الأثر البيئي ويعزز الكفاءة الاقتصادية.
بالإضافة إلى الجهود المبذولة في تحسين أمن المياه، يشهد الأردن توسعا كبيرا في مشاريع الطاقة المتجددة بمناطق متعددة، مثل محطات الطاقة الشمسية في معان والطفيلة، ومزارع الرياح في الطفيلة. تسهم هذه المشروعات بشكل ملحوظ في تعزيز الاعتماد على مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، مما يقلل بشكل كبير من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد. كما تساهم هذه المشاريع في تعزيز الاستقلالية الطاقية للمملكة، وخفض تكاليف استيراد الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون، مما يضع الأردن في مقدمة الدول الإقليمية التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة. هذه المشروعات تعد أيضا محفزا لفرص العمل والنمو الاقتصادي في المناطق الريفية.
في قطاع النقل، يشكل مشروع ((الباص سريع التردد)) في عمان والزرقاء نقلة نوعية تهدف إلى تحسين وسائل النقل العام من خلال توفير وسيلة نقل سريعة وفعالة تلبي احتياجات المواطنين وتساهم في تقليل الازدحام المروري وتوفير الوقت والجهد. إلى جانب ذلك، يتم تطوير مشروع ((الربط السككي مع العراق))، الذي سيعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويدعم حركة النقل اللوجستي، مما يعزز الترابط الإقليمي. وعلى صعيد النقل الجوي، شهد مطار الملكة علياء الدولي توسعات كبيرة شملت تحسين البنية التحتية والخدمات، مما زاد من قدرته الاستيعابية ورسخ مكانته كمحور رئيسي لحركة الطيران والتجارة والسياحة في المنطقة.
في قطاع المياه، تُولي الحكومة الأردنية اهتماما كبيرا لتعزيز الأمن المائي من خلال تنفيذ مشروعات إستراتيجية شاملة. إلى جانب مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر، تعمل الحكومة على إنشاء وتطوير السدود لتجميع مياه الأمطار والاستفادة منها في تلبية احتياجات الري والشرب. يُعد سد وادي الكرك وسد الوحدة من أبرز الأمثلة على هذه الجهود، حيث يُسهمان في توفير احتياطات مائية إستراتيجية تُساعد في مواجهة تحديات ندرة المياه. كما تدعم هذه السدود الاستخدام المستدام للموارد المائية، وتعزز من قدرة المملكة على التكيف مع التغيرات المناخية والضغوط البيئية المتزايدة.
أما في قطاع السياحة، يشهد الأردن تركيزا كبيرا على تنفيذ مشاريع إستراتيجية تهدف إلى استثمار التراث الثقافي والطبيعي الفريد وتعزيز مكانة المملكة كوجهة سياحية عالمية. تشمل هذه المشاريع تطوير منطقة البترا، التي تُعد واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، من خلال تحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للزوار، مما يعزز من تجربة السائحين ويدعم المجتمعات المحلية. كذلك، يُعد مشروع ((العقبة الجديدة)) نموذجا طموحا لتعزيز السياحة الساحلية، حيث يتم تطوير بنية تحتية شاملة تضم فنادق، منتجعات، ومرافق سياحية حديثة. بالإضافة إلى ذلك، يشهد البحر الميت استثمارات ضخمة لتحفيز السياحة العلاجية والاستجمامية من خلال إنشاء منتجعات ومراكز علاجية بمعايير عالمية، مما يجذب الزوار الباحثين عن تجربة فريدة تجمع بين الطبيعة والعلاج. هذه المشاريع تُسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة، مع تعزيز التنوع في المنتجات السياحية الأردنية.
في قطاع التكنولوجيا والابتكار، تولي الحكومة الأردنية اهتماما كبيرا لتعزيز الاقتصاد الرقمي وإحداث تحول نوعي في البنية التحتية الرقمية. من بين المشروعات البارزة، يأتي تطوير ((منطقة عبد الله الثاني للابتكار))، التي تهدف إلى جذب الشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، وإنترنت الأشياء. هذه المنطقة تُشكل منصة للإبداع والبحث والتطوير، مما يسهم في تعزيز مكانة الأردن كوجهة إقليمية للتكنولوجيا والابتكار.
بالإضافة إلى ذلك، يشهد قطاع التعليم طفرة ملحوظة مع إطلاق مشروعات التعليم الرقمي التي تهدف إلى تحسين جودة التعليم وإعداد الطلاب لمتطلبات العصر الرقمي. تشمل هذه الجهود تطوير منصات تعلم إلكترونية حديثة وتحديث المناهج لتشمل المهارات التقنية اللازمة، مما يعزز من تنافسية الموارد البشرية الأردنية.
رغم التحديات التي تواجه تنفيذ هذه المشروعات، مثل محدودية التمويل وارتفاع الكثافة السكانية، يواصل الأردن العمل على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية لتأمين التمويل اللازم وتنفيذ المشروعات بكفاءة. تمثل هذه الجهود خطوات حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة، حيث تجمع بين تحسين الخدمات الأساسية، خلق فرص عمل، وتعزيز مكانة المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
إن المشروعات الوطنية الكبرى ليست مجرد استثمارات في البنية التحتية، بل هي استثمار في المستقبل. إنها تعكس التزام الأردن برؤية تنموية طموحة تجمع بين الابتكار والاستدامة، مما يمهد الطريق لبناء اقتصاد قوي ومجتمع مزدهر قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة واستقرار.
MENAFN14012025000072011014ID1109090109