Friday, 10 January 2025 06:56 GMT



عقول مشتتة.. كيف يواجه أهال ومدرسون طغيان العالم الرقمي؟

(MENAFN- Alghad Newspaper)
ديمة محبوبة






عمان- خلال اجتماع لأولياء الأمور في إحدى المدارس، وتحديدا للمرحلة الأساسية، عبرت أم فايز عن قلقها، قائلة: "ابني لا يركز في دروسه لأكثر من خمس دقائق، وإذا لم يكن الهاتف في يده، تزداد عصبيته ورفضه لكل ما يطلب منه".
أيدتها معلمة من المدرسة، قائلة إن العديد من الطلاب يواجهون صعوبة في تذكر التعليمات، وكأن عقولهم ترفض استقبال أي معلومات تحتاج إلى تفكير عميق ويكون التشتت سيد الموقف.
هذه الملاحظات ليست مجرد حالات فردية، بل هي جزء من ظاهرة، في ظل الانتشار الواسع للأجهزة الإلكترونية في أيدي الأطفال واليافعين، وما تحمله من تأثيرات على سلوكهم بالبيت والمدرسة.
من الهواتف الذكية إلى الأجهزة اللوحية، يقضي الأطفال ساعات طويلة أمام الشاشات، غارقين في محتوى سريع، مشتت للانتباه. وإذا أخذوا استراحة من هذه الأجهزة، ينتقلون إلى مشاهدة التلفزيون، حيث يتسم محتوى الأطفال بالسرعة والحركة والصوت المرتفع، مما يجعلهم في حالة تركيز مؤقت، لكنه يعزز تشتتهم في الحياة العملية.
أحمد طوالبة، طالب في المرحلة الإعدادية، وصف يومه بابتسامة عفوية: "بعد المدرسة، ألعب على هاتفي حتى يحين وقت العشاء، وأحيانا أشاهد مقاطع فيديو قصيرة على يوتيوب. إنه ممتع جدا! كما أنني أظل على تواصل مع أصدقائي ونلعب ألعابا مشتركة، وبالطبع خلال ذلك أحل واجباتي وأدرس".
هذا المشهد اليومي يعكس جزءا من حياة الكثير من الأطفال، حيث أصبحت التكنولوجيا عنصرا أساسيا، تفرض تحديات على قدرتهم على التركيز.
ويضيف أحمد أن والدته دائما غاضبة منه لأنه لا يركز مع حديثها، قائلا "الحقيقة أنني أسمع ما تقوله، لكن يدي وعقلي يكونان منشغلين باللعبة. أقول لنفسي عندما أنتهي مما في يدي سأفعل ما طلبته مني، لكنني بالتأكيد أنسى، وهنا تبدأ المشكلة المتكررة".
بالنسبة للعديد من الأطفال واليافعين، يمثل الوقت أمام الشاشات وسيلة للهروب من الملل ومصدرا رئيسا للترفيه، خاصة في ظل مخاوف الأهل من لعبهم في الحارات بسبب القلق على سلامتهم، إلى جانب نقص المساحات المخصصة للعب. ومع ذلك، نادرا ما يدرك الأطفال كيف يؤثر هذا الاعتماد على الشاشات سلبًا على تحصيلهم الدراسي أو علاقاتهم الأسرية.
أما الأهل، فيدرك أغلبهم أن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية يضر بقدرة أطفالهم على الانتباه والتركيز. لكن محاولاتهم للحد من هذا السلوك غالبا ما تصطدم بمقاومة الأطفال، أو تنتهي بالاستسلام بسبب صعوبة توفير بدائل، سواء لارتفاع تكلفة الذهاب إلى أماكن اللعب بشكل مستمر، أو بسبب نقص المساحات الآمنة التي تتيح لهم اللعب بحرية في الحارات.
تقول إحدى الأمهات، وهي أم لطفلين في المرحلتين الأساسية والإعدادية، خلال اجتماع المدرسة: "كلما حاولت تحديد وقت استخدام الهاتف، يبدآن بالصراخ والغضب، وكأنني حرمتهما من شيء لا يمكنهما العيش من دونه".
وفي منزل يضم ثلاث فتيات بأعمار متقاربة في المرحلتين الإعدادية والأساسية، يتحول استخدام الشاشات إلى موضوع جدل دائم. هذا الجدل لا يقتصر على ضبط الوقت، بل يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق فجوة في العلاقة بين الأهل وبناتهم، ما يزيد من صعوبة التواصل داخل الأسرة.
تقول والدة الفتيات إن ردود أفعالهن متكررة؛ إما ينسين ما طلبت منهن، أو يبررن إخفاقهن في الامتحانات بأنهن نسين ما درسن سابقا. أحيانا تشعر بأنها مضطرة للاستسلام للأمر الواقع، معتبرة أن التكنولوجيا أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الأطفال اليوم.
من جهتها، تشير التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني إلى أن الطلاب يعانون من تشتت واضح داخل الفصول الدراسية، مع انخفاض ملحوظ في القدرة على الحفظ والاستيعاب. وتقول: "وصلتني ملاحظات من المعلمات بأن الطلاب والطالبات يعيشون في عالم آخر، حتى أن إحدى المعلمات وصفتهم بأنهم أشبه بالـ"زومبي"؛ يأكلون ويشربون، لكن عقولهم وتركيزهم غائبان".
وتتابع الكيلاني، أنه وخلال مقابلاتها مع عدد من الطلاب والطالبات، لاحظت أنهم يفقدون التركيز بسرعة شديدة، ويشعرون بالملل سريعا وينتقلون إلى شيء جديد، تماما كما لو كانوا يتنقلون بين مقاطع قصيرة على "تيك توك".
ووفق اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، فإن الإدمان على الشاشات ليس مجرد مشكلة سلوكية، بل هو قضية تؤثر بعمق على النمو العقلي للأطفال واليافعين، وحتى البالغين. ويشرح أن عقول الأطفال تتطور بشكل أسرع عندما يشاركون في أنشطة تتطلب تركيزا وإبداعا، مثل القراءة أو اللعب التفاعلي. ولكن عندما يقضون وقتا طويلا أمام شاشات تقدم محتوى سريع التغير، يفقدون القدرة على التركيز لفترات طويلة.
ويضيف مطارنة، أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD). ولا يقتصر التأثير على الجانب العقلي فحسب، بل يمتد ليشمل الجوانب العاطفية والاجتماعية أيضا.
ولمواجهة هذا التحدي، يشدد مطارنة على أهمية أن يبدأ الأهالي بتحديد وقت محدد لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، موضحا: "ساعة واحدة يوميا كحد أقصى للأطفال في سن المدرسة الابتدائية، وساعتان للمراهقين".
والالتزام الصارم بهذه القواعد، مع توفير بدائل مفيدة تشجع الأطفال على ممارسة الأنشطة التفاعلية والابتعاد عن الشاشات.
ويوصي مطارنة بتعزيز الأنشطة البديلة، مثل الرياضة والفنون والموسيقا، حيث يساعد إشغال وقت الأطفال في أنشطة تفاعلية على تقليل رغبتهم في العودة إلى الأجهزة الإلكترونية.
كما يشدد على أهمية مشاركة الأهل في بعض الأنشطة الرقمية، سواء من خلال ألعاب تفاعلية أو برامج تعليمية، مما يسهم في خلق بيئة صحية وتعزيز التواصل الأسري.
من جهتها، تؤكد المرشدة النفسية رائدة الكيلاني أن التكنولوجيا ليست عدوا، بل هي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية ولا يمكن تجاهلها. لكنها تحذر من أن الإفراط في استخدامها من دون ضوابط يؤثر سلبًا على النمو العقلي والعاطفي للأطفال.
وتوضح الكيلاني أن الحل يكمن في تحقيق توازن حقيقي بين العالم الرقمي والأنشطة الواقعية، مشيرة إلى أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الأهل والمدرسين على حد سواء لضمان مستقبل أفضل وأكثر توازنا للأجيال المقبلة.

MENAFN09012025000072011014ID1109074065


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.