Saturday, 04 January 2025 08:14 GMT



كيف بنت إسرائيل مصنع ذكاء اصطناعي للحرب .. وأطلقته في غزة؟

(MENAFN- Alghad Newspaper) ترجمة: إسراء الردايدة

بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، أغرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي غزة بالقنابل، معتمدة على قاعدة بيانات تم جمعها بعناية على مر السنين، تحتوي على تفاصيل عن عناوين المنازل والأنفاق والبنية التحتية المهمة لحركة المقاومة الاسلامية "حماس".

ولكن سرعان ما نفدت قائمة الأهداف، وللحفاظ على وتيرة الحرب السريعة، لجأت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى أداة ذكاء اصطناعي متقدمة تسمى "حبسورة" أو "الإنجيل"، التي يمكنها بسرعة توليد مئات الأهداف الإضافية.

وسمح استخدام الذكاء الاصطناعي لتجديد بنك الأهداف لقوات الاحتلال الإسرائيلي بسرعة للجيش بمواصلة حملته دون انقطاع، وفقًا لشخصين مطلعين على العملية.

ويعد هذا مثالًا على كيف ساهم البرنامج الممتد لعقد من الزمن لوضع أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة في مركز عمليات استخبارات قوات الاحتلال الإسرائيلي في تصعيد العنف خلال الحرب التي استمرت 14 شهرًا في غزة.

وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالترويج لوجود هذه البرامج، التي يعتبرها بعض الخبراء المبادرة العسكرية الأكثر تطورًا للذكاء الاصطناعي على الإطلاق.

لكن تحقيقًا أجرته صحيفة "واشنطن بوست" يكشف عن تفاصيل غير معلنة سابقًا عن العمل الداخلي لبرنامج التعلم الآلي، بالإضافة إلى التاريخ السري الممتد لعقد من الزمن لتطويره.

ويكشف التحقيق أيضًا عن جدل محتدم داخل أعلى مستويات القيادة العسكرية، بدأ قبل سنوات من 7 أكتوبر، حول جودة المعلومات الاستخباراتية التي يجمعها الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت توصيات التكنولوجيا قد خضعت للتدقيق الكافي، وهل تركيز الذكاء الاصطناعي أضعف قدرات الاستخبارات البشرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي.


ويجادل بعض النقاد الداخليين بأن برنامج الذكاء الاصطناعي كان قوة خفية زادت من عدد القتلى في غزة، حيث أودت الحرب بحياة 45,000 شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.

وتعتبر قوات الاحتلال أن وزارة الصحة في غزة لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. وقالت قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيان إن الوزارة تخضع لسيطرة حماس وإن بياناتها "مليئة بالتناقضات والتقديرات غير الدقيقة."

وبحسب أشخاص مطلعون على ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك جنود خدموا في الحرب، يقولون إن الجيش الإسرائيلي وسع بشكل كبير عدد الضحايا المدنيين المقبولين مقارنة بالمعايير التاريخية.


ويجادل البعض بأن هذا التغير أصبح ممكنًا بفضل الأتمتة، التي جعلت من السهل توليد كميات كبيرة من الأهداف بسرعة، بما في ذلك المقاتلين ذوي المستويات المنخفضة الذين شاركوا في هجمات 7 أكتوبر.


كما تحدث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة تفاصيل تتعلق بموضوعات الأمن القومي السرية للغاية، بالإضافة إلى وثائق حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست".


قال ستيفن فيلدشتاين، الكاتب لبارز في مؤسسة كارنيغي، الذي يدرس استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب: "ما يحدث في غزة هو مقدمة لتغيير أوسع في طريقة خوض الحروب".

وأشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي بدت وكأنها خفضت العتبة المقبولة لعدد الضحايا المدنيين خلال حرب غزة. وأضاف: "اجمع ذلك مع التسريع الذي تقدمه هذه الأنظمة - بالإضافة إلى التساؤلات حول الدقة - والنتيجة النهائية هي ارتفاع عدد القتلى أكثر مما كان متصورًا في الحروب سابقًا".


وقالت قوات الاحتلال الإسرائيلي إن الادعاءات بأن استخدام الذكاء الاصطناعي يعرض الأرواح للخطر "غير دقيقة". وأضافت في بيان لصحيفة "واشنطن بوست" : "كلما زادت قدرتك على تجميع المعلومات بشكل فعال، كان العملية أكثر دقة". "إذا كان هناك شيء، فإن هذه الأدوات قللت من الأضرار الجانبية وزادت من دقة العملية التي يقودها البشر".


وتتطلب قوات الاحتلال الإسرائيلي توقيع ضابط على أي توصيات من أنظمة "معالجة البيانات الضخمة"، وفقًا لمسؤول استخباراتي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأن إسرائيل لا تفصح عن أسماء قادة الأقسام. وأضاف الشخص أن "حبسورة" وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى لا تتخذ القرارات بشكل مستقل.


وازدادت إعادة هيكلة وحدة الاستخبارات الإشارية المرموقة التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والمعروفة بوحدة 8200، منذ عام 2020 تحت قيادة يوسي سارييل الحالية، مما حول عمل الوحدة وممارسات جمع المعلومات الاستخباراتية.


ودعم سارييل تطوير "حبسورة"، وهو برنامج تعلم آلي يعتمد على مئات الخوارزميات التنبؤية، مما يسمح للجنود بالبحث بسرعة في كنز ضخم من البيانات المعروف داخل الجيش باسم "المسبح".
وعند مراجعة أكوام من البيانات من الاتصالات الملتقطة، ولقطات الأقمار الصناعية، وشبكات التواصل الاجتماعي، تقوم الخوارزميات بإخراج إحداثيات الأنفاق والصواريخ وأهداف عسكرية أخرى. يتم وضع التوصيات التي تجتاز تدقيق المحلل الاستخباراتي في بنك الأهداف بواسطة ضابط كبير.


وباستخدام التعرف على الصور في البرنامج، يمكن للجنود كشف أنماط دقيقة، بما في ذلك تغييرات طفيفة في سنوات من لقطات الأقمار الصناعية لغزة تشير إلى أن حماس قد دفنت منصة إطلاق صواريخ أو حفرت نفقًا جديدًا في أرض زراعية، مما يقلص أسبوعًا من العمل إلى 30 دقيقة، وفقًا لقائد عسكري سابق عمل على الأنظمة.


أداة تعلم آلي أخرى، تسمى "لافندر"، تستخدم درجات مئوية للتنبؤ بمدى احتمال أن يكون فلسطيني عضوًا في جماعة مسلحة، مما يسمح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بتوليد عدد كبير من الأهداف البشرية المحتملة بسرعة. وتحمل برامج خوارزمية أخرى أسماء مثل "الكيميائي"، "عمق الحكمة"، "الصياد"، و"فلو"، الذي يتيح للجنود الاستعلام عن مجموعة بيانات مختلفة ولم يتم الإبلاغ عنها مسبقًا.


وأعرب العديد من ضباط الوحدة منذ فترة طويلة عن مخاوفهم من أن تقنية التعلم الآلي، التي سرعت عملية اتخاذ القرار، قد أخفت عيوبًا أساسية. وقال مسؤول عسكري كبير سابق إن التقارير المقدمة إلى القيادة العليا لم توضح كيف تم جمع المعلومات الاستخباراتية - سواء من محللين بشريين أو أنظمة ذكاء اصطناعي - مما جعل من الصعب على المسؤولين تقييم النتائج. وأظهرت مراجعة داخلية أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي لمعالجة اللغة العربية كانت تعاني من عدم دقة، ولم تتمكن من فهم كلمات وعبارات عامية رئيسية، وفقًا لاثنين من القادة العسكريين السابقين.


وتتوقع تقنية التعلم الآلي لقوات الاحتلال الإسرائيلي أيضًا عدد المدنيين الذين قد يتأثرون بالهجمات، مما يساعد إسرائيل على الامتثال لمبدأ رئيسي من القانون الدولي. في حرب غزة، تُستمد تقديرات عدد المدنيين الذين قد يتضررون في غارة قصف من خلال برامج التنقيب عن البيانات، باستخدام أدوات التعرف على الصور لتحليل لقطات الطائرات بدون طيار جنبًا إلى جنب مع إشارات الهواتف الذكية إلى أبراج الخلايا لحساب عدد المدنيين في منطقة معينة، وفقًا لشخصين.


وفي عام 2014، كانت نسبة الضحايا المدنيين المقبولة لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي هي مدني واحد لكل إرهابي رفيع المستوى، وفقًا لما قاله تال ميمران، المستشار القانوني السابق لقوات الاحتلال الإسرائيلي. وفي حرب غزة، ارتفع العدد إلى حوالي 15 مدنيًا لكل عضو منخفض المستوى في حماس، و"بشكل متزايد" لأعضاء حماس ذوي المستويات المتوسطة والعالية، وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "كسر الصمت"، مستشهدة بشهادات عديدة من جنود في قوات الاحتلال الإسرائيلي. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا الأسبوع أن العدد بلغ 20.


وتقول قوات الاحتلال الإسرائيلي إن تقييماتها للأضرار الجانبية تلتزم بقانون النزاعات المسلحة، الذي يفرض على الدول التمييز بين المدنيين والمقاتلين واتخاذ الاحتياطات لحماية الأرواح.


ويجادل بعض المؤيدين لاستخدام إسرائيل للتكنولوجيا بأن نشر الابتكارات بقوة، مثل الذكاء الاصطناعي، أمر أساسي لبقاء دولة صغيرة تواجه أعداءً أقوياء ومصممين. يقول بليز ميزتال، نائب الرئيس للسياسات في معهد الأمن القومي اليهودي الأمريكي، الذي تلقى إحاطة من قسم الاستخبارات في قوات الاحتلال الإسرائيلي حول قدراتها في الذكاء الاصطناعي عام 2021: "التفوق التكنولوجي هو ما يحافظ على أمن إسرائيل. كلما تمكنت إسرائيل من تحديد قدرات العدو وإزالتها من ساحة المعركة بشكل أسرع، كانت الحرب أقصر، وكانت الخسائر أقل".


بالإضافة إلى المخاوف بشأن جودة المعلومات الاستخباراتية المستمدة من الذكاء الاصطناعي، أدى استخدام التكنولوجيا إلى تحول جذري ومثير للجدل داخل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستبدلًا ثقافة استخباراتية كانت تاريخيًا تعطي الأولوية للتفكير الفردي بواحدة تركز على الكفاءة التكنولوجية، وفقًا لثلاثة أشخاص. كانت وحدة 8200 تمنح المحللين ذوي المستويات الدنيا صلاحية تجاوز رؤسائهم المباشرين وتوجيه تحذيرات مباشرة إلى القادة الكبار.


وتحت قيادة سارييل وقادة استخبارات آخرين، أعادت وحدة 8200 هيكلة نفسها لتُركّز على المهندسين، وقامت بتقليص عدد المتخصصين في اللغة العربية، وإزالة العديد من القادة الذين يُعتبرون معارضين للذكاء الاصطناعي، وحل بعض المجموعات التي لا تركز على تقنيات تحليل البيانات، وفقًا لثلاثة أشخاص. وبحلول 7 أكتوبر، كان 60% من موظفي الوحدة يعملون في أدوار هندسية وتقنية، وهو ضعف العدد قبل عقد من الزمن، وفقًا لأحد الأشخاص.


وتخضع ممارسات الاستخبارات في قوات الاحتلال الإسرائيلي للتدقيق. فقد رفعت جنوب إفريقيا تهمًا بالإبادة الجماعية ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، متسائلةً عما إذا كانت القرارات الحاسمة بشأن أهداف القصف في غزة قد اتخذتها البرمجيات، وهي تحقيق قد يعجل مناقشة عالمية حول دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحروب.


وفي إسرائيل، قال سارييل في سبتمبر إنه يخطط للتنحي عن قوات الاحتلال الإسرائيلي بسبب زيادة التساؤلات حول إخفاقات الاستخبارات التي أدت إلى أحداث 7 أكتوبر.

وقال اثنان من القادة الكبار السابقين إن التركيز المكثف على الذكاء الاصطناعي كان سببًا كبيرًا في أن إسرائيل فوجئت بهذا اليوم. وأضافوا أن القسم بالغ في التركيز على النتائج التكنولوجية مما صعّب على المحللين توجيه التحذيرات إلى القادة الكبار.

وقال قائد عسكري سابق، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لوصف موضوعات الأمن القومي: "كان هذا مصنعًا للذكاء الاصطناعي". "تم استبدال الإنسان بالآلة".


"عنق الزجاجة البشري"

ورفض سارييل، من خلال قوات الاحتلال الإسرائيلي، الرد على طلبات التعليق. كما لم يستجب لطلبات التعليق المرسلة إلى بريده الإلكتروني الشخصي.


في عام 2019، قبل عامين من توليه منصب قائد الاستخبارات، قضى سارييل عامًا دراسيًا في جامعة الدفاع الوطني، وهي مؤسسة تمولها وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن وتقوم بتدريب قادة الأمن القومي من جميع أنحاء العالم. قال أستاذ في جامعة الدفاع الوطني، تحدث لصحيفة "ذا بوست" بشرط عدم الكشف عن هويته لوصف العلاقة الشخصية، إن سارييل وهو كانا يشتركان في رؤية جذرية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في ساحات المعارك، حيث اعتبرا أن إسرائيل يجب أن تتقدم بخطوات واسعة مقارنة بحلفائها الأمريكيين الأكثر تحفظًا.


وقال الأستاذ: "كان يوسي في عالمه الخاص، قائلاً إن هذا الأمر يتحرك بسرعة، أسرع مما يدركه الجميع. وعلينا أن نجعل الجميع متوافقين مع ذلك".


ويتناول كتاب ألفه سارييل خلال إجازته الدراسية ونشره تحت اسم مستعار رؤيته لتضمين مؤسسات الأمن القومي أنظمة مؤتمتة. في كتابه "فريق الإنسان والآلة: كيف تخلق انسجامًا بين الإنسان والذكاء الاصطناعي"، وصف سارييل كيف يمكن التنبؤ بأفعال الإرهابيين المنفردين مسبقًا من خلال إطلاق خوارزميات لتحليل مواقع الهواتف، والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولقطات الطائرات بدون طيار، والاتصالات الخاصة التي تم اعتراضها.


وفي رؤيته الشاملة، تصور سارييل أن الذكاء الاصطناعي سيلمس جميع جوانب الدفاع، سواء في أوقات السلم أو الحرب. باستخدام تقنيات المراقبة بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن تصبح حدود إسرائيل "حدودًا ذكية". ومن خلال جمع الآثار الرقمية، يمكن للجيوش بناء "بنوك أهداف" متقدمة بأسماء ومواقع وأنماط سلوك آلاف المشتبه بهم. وخلص إلى أن هذه التقنيات يمكن أن تحل محل 80% من محللي الاستخبارات المتخصصين في اللغات الأجنبية خلال خمس سنوات فقط.


وعاد سارييل إلى إسرائيل مليئًا بالخطط لتحقيق أفكاره. في صيف 2020، عُين من قبل أفيف كوخافي، الذي كان وقتها رئيس أركان الجيش وداعمًا كبيرًا لأدوات الذكاء الاصطناعي، لتولي قيادة وحدة 8200، أكبر وأرقى وحدة في قوات الاحتلال الإسرائيلي. اجتمع قادة سابقون لتبادل مخاوفهم بشأن "الموقف الديني تجاه الذكاء الاصطناعي" الذي كان يتطور في الوحدة تحت قيادة سارييل، وفقًا لما قاله شخصان.


فيما رفض كوخافي التعليق. لصحيفة واشنطن بوست.


وعندما أصبح سارييل قائدًا رسميًا في فبراير 2021، كانت وحدة 8200 قد جربت علوم البيانات لأكثر من سبع سنوات، وفقًا لما قاله خمسة قادة عسكريين سابقين، حيث تعاملت مع انفجار في الاتصالات الرقمية التي قدمت منجم ذهب لوكالات الأمن القومي. اكتسبت الوحدة النخبوية سمعة لجمع مجموعة من الرسائل الخاصة، وسجلات المكالمات، وغيرها من الآثار الرقمية عبر تقنيات إلكترونية محلية تُعتبر الأفضل في العالم.


لكن خبراء الإنترنت في الوحدة 8200 كانوا بحاجة إلى طرق لفهم البيانات التي جمعوها.


بعد فشل الاتصالات خلال حرب 2006 ضد حزب الله في لبنان، أعادت القوات العسكرية الإسرائيلية حساباتها بشأن استراتيجية تبادل المعلومات والبيانات. في ذلك الوقت، عادةً لم تشارك وحدات الاستخبارات المعلومات مع الجنود في ساحة المعركة، وفقًا لما قاله بن كسبيت، كاتب عمود إسرائيلي لـ"أل مونيتور" الذي يكتب كتابًا عن وحدة 8200. لمنع مثل هذه الحواجز، طورت "الموساد"، وكالة التجسس الإسرائيلية، ووحدة 8200 قاعدة بيانات تُعرف باسم "المسبح" لتخزين جميع الاستخبارات العسكرية في مستودع واحد.


ومع انطلاق طفرة "البيانات الضخمة" في وادي السيليكون، بدأ المهندسون الإسرائيليون بتجربة أدوات استخراج البيانات الجاهزة التي يمكنها ترجمة وتحليل اللغتين العربية والفارسية. ناقش قادة الوحدة ما إذا كانوا سيستعينون بخبراء، مثل شركة "بلانتير" لتحليل البيانات في وادي السيليكون، أو يبنون برامجهم الخاصة.


لكن هذه التقنيات، رغم أنها معترف بها على نطاق واسع بأنها واعدة، كانت لها قيود. أحيانًا كانت الكمية الهائلة من الاتصالات التي يتم اعتراضها تغمر محللي وحدة 8200. على سبيل المثال، غالبًا ما استخدم عملاء حماس كلمة "بطيخ" كرمز للقنابل، وفقًا لما قاله شخص مطلع على الجهود. لكن النظام لم يكن ذكيًا بما يكفي لفهم الفرق بين محادثة عن بطيخ حقيقي ومحادثة مشفرة بين إرهابيين.


وقال هذا الشخص: "إذا التقطت ألف محادثة يوميًا، هل أريد حقًا أن أسمع عن كل بطيخ في غزة؟".


ومع انتقاله إلى القيادة العليا، سرّع سارييل جهود تحليل البيانات. روّج لإعادة تنظيم شاملة قسّمت جهود الاستخبارات إلى ما أطلق عليه القادة "مصانع الذكاء الاصطناعي" الموجودة في "مركز الأهداف" الذي تم إنشاؤه حديثًا في قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب إسرائيل. صممت كل وحدة مئات الخوارزميات المخصصة وتقنيات التعلم الآلي، وشاركت توقعات البرامج عبر سلسلة قيادة الاستخبارات.

واستثمرت القوات العسكرية في تقنيات السحابة الإلكترونية الجديدة التي تعالج الخوارزميات بسرعة، استعدادًا لصراع متوقع مع حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل. وتم تطوير تطبيق يسمى "هنتر" (Hunter) يتيح للجنود في ميدان المعركة الوصول المباشر إلى المعلومات. كما تم إنشاء تطبيق آخر يسمى "زد تيوب" (Z-Tube) حيث يمكن لجنود قوات الاحتلال الإسرائيلي مشاهدة فيديو مباشر للمناطق التي هم على وشك دخولها، بالإضافة إلى تطبيق آخر يسمى "ماب إت" (Map It)، والذي يقدم تقديرات فورية للخسائر المدنية المحتملة في منطقة تم إخلاؤها.


واحتفظت وحدة 8200 منذ فترة طويلة بما يسمى بنك الأهداف: قائمة بإحداثيات دقيقة لنظام تحديد المواقع (GPS) للبنية التحتية لحماس وحزب الله والأهداف البشرية، محددة جغرافيًا إلى نفق معين أو طابق في مبنى سكني. كانت المحافظة على بنك الأهداف عملية شاقة.

وكان على المحللين تأكيد نتائجهم باستخدام مصدرين مستقلين على الأقل وتحديث المعلومات باستمرار، وفقًا لما قاله ثلاثة أشخاص مطلعين على البرنامج. قبل إدخال الهدف رسميًا إلى البنك، كان يجب أن يحصل على "تصديق" من ضابط رفيع المستوى ومحامٍ عسكري لضمان الامتثال للقانون الدولي، وفقًا لخمسة أشخاص.


واعتقد قادة الاستخبارات، بقيادة سارييل، أن التعلم الآلي يمكن أن يسرّع بشكل كبير هذه العملية الدقيقة، وفقًا لما قاله شخصان.


وقال مسؤول عسكري سابق مطلع على عملية تكوين الأهداف الجديدة: "استغرق الأمر من مديرية الاستخبارات الإسرائيلية سنوات لتحقيق بنك من هذا النوع من الأهداف، ولكن ماذا يحدث إذا قمت بتدريب الذكاء الاصطناعي لتقليد عمل ضابط استهداف؟"


وشمل الجهد جمع مليارات الإشارات من أجهزة استشعار موضوعة على الطائرات بدون طيار، وطائرات إف-35، وأجهزة مراقبة زلزالية تحت الأرض، بالإضافة إلى اتصالات تم اعتراضها.

وتم دمج هذه البيانات مع قواعد بيانات تحتوي على أرقام هواتف، وملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي، ومعارف معروفة، ومجموعات دردشة، ووثائق داخلية. وتم إدخال المعلومات في برامج قادرة على قراءة الأنماط وتقديم التوقعات بشأن من وماذا يمكن استهدافه.


وتم تدريب خوارزمية للتعرف على الصور على البحث في آلاف الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية لتحديد نوع معين من الأقمشة التي يستخدمها مقاتلو حماس لإخفاء مواقع الحفر لإطلاق الصواريخ المدفونة.

وقال ضابط عسكري سابق إن هذه الأدوات اختصرت أسبوعًا من العمل إلى 30 دقيقة.


وقال بليز ميستال، الذي يقود منظمة تركز على التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل: "لقد كانوا يعتقدون حقًا أنه مع كل أجهزة الاستشعار التي كانت لديهم حول غزة وفوقها، لن أقول وعيًا معلوماتيًا كاملًا، لكن كان لديهم صورة جيدة جدًا عما يحدث داخلها".

وأشار إلى أن الجيش شدد على أنظمته الصارمة لفحص توصيات الاستهداف خلال إحاطة قدمها عام 2021.


"لافندر" (Lavender)، وهو برنامج خوارزمي تم تطويره في عام 2020، استعرض البيانات لإنتاج قوائم بأفراد محتملين من حماس والجهاد الإسلامي، مع إعطاء كل شخص درجة تقدّر احتمال كونه عضوًا، وفقًا لما قاله ثلاثة أشخاص مطلعين على الأنظمة لصحيفة "ذا بوست".

ومن العوامل التي يمكن أن ترفع درجة الشخص كانت الانتماء إلى مجموعة على تطبيق "واتساب" مع أحد الأعضاء المعروفين، أو تغيير العناوين وأرقام الهواتف بشكل متكرر، أو إدراج اسمه في ملفات حماس، وفقًا للأشخاص.


وتم الإبلاغ لأول مرة عن وجود "لافندر" وتفاصيل نظام تسجيله من قبل موقع +972، وهو موقع إخباري إسرائيلي-فلسطيني.


وتم إدخال التقديرات من مختلف الخوارزميات في النظام الشامل "جوسبل" (Gospel)، والذي يمكن للمحللين الاستخباراتيين استجوابه.


وكان بعض قادة القسم قلقين بشأن دقة هذه الخوارزميات. وكشف تدقيق داخلي لتقنية معالجة اللغة أن توقعات البرنامج لم تكن دقيقة كما يمكن أن يكون الضابط البشري، وفقًا لشخصين.
فيما كان آخرون قلقين من أن التوقعات المستخلصة من البرنامج كانت تُمنح وزنًا كبيرًا للغاية.


وعادةً، تُنتج وحدة البحث تقارير استخبارات يومية ليتمكن القادة العسكريون الكبار من مراجعة الأهداف المحتملة.

ومع ذلك، رغم أنه يمكن لمحلل فردي النقر مرتين لرؤية المعلومات التي أدت إلى تلك التوقعات، لم يكن القادة الكبار على دراية بما إذا كانت التوصيات مستمدة من خوارزمية أو من مصدر بشري.


وقال مسؤول عسكري سابق رفيع المستوى: "تم التعامل مع كل شيء على نفس القدر من المساواة. لست متأكدًا حتى من أن الشخص الذي أعد التقرير كان يعرف الفرق بين أجزاء المعلومات المختلفة".


وأخبر اثنان من القادة العسكريين السابقين صحيفة "واشنطن بوست" أن التركيز على التكنولوجيا قوض "ثقافة التحذير" الخاصة بوحدة 8200، حيث كان بإمكان حتى المحللين ذوي المستوى المنخفض تقديم إحاطات مباشرة للقادة الكبار بشأن المخاوف. وأضافوا أن هذا التحول كان سببًا كبيرًا في أن إسرائيل تفاجأت بهجوم 7 أكتوبر: حيث لم تتمكن محللة متمرسة كانت قد كشفت خطط حماس لمعركة لاختراق الحدود الإسرائيلية من الحصول على اجتماع مع قادة الوحدة في الوقت المناسب.


وقال بن كاسبيت، الصحفي الإسرائيلي الذي أجرى مقابلات مع جميع قادة وحدة 8200 الأحياء من أجل كتابه: "النتيجة النهائية هي أنك لا تستطيع استبدال الشخص الذي يصرخ 'اسمعوا، هذا أمر خطير' بكل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في العالم. لقد كان هذا الغرور الذي أصاب الوحدة بأكملها".


وفي عام 2023، تفاخر رئيس الأركان المتقاعد حديثًا، كوخافي، لوسيلة إعلامية بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة منحت الجيش الإسرائيلي جهاز استخبارات فورية متطور "يشبه فيلم 'ذا ماتريكس'". قبل "الإنجيل"، كان بإمكان المحللين إنتاج 50 هدفًا جديدًا في غزة سنويًا لإضافتها إلى بنك الأهداف. وقال: "بمجرد تشغيل الآلة، كانت تنتج 100 هدف يوميًا".


وفي كتابه، جادل سارييل بأن الذكاء الاصطناعي سيكون مفيدًا بشكل خاص في أوقات الحرب، حيث يمكنه تسريع عملية تحديد الأهداف و"فتح عنق الزجاجة البشري" الذي كان يبطئ كل شيء.


في يونيو 2021، أتيحت لإسرائيل الفرصة الأولى لإطلاق بنك الأهداف المدعوم بالخوارزميات. ومع اندلاع حرب استمرت 11 يومًا بين إسرائيل وحماس، استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي علوم البيانات لضرب 450 هدفًا، بما في ذلك قائد صواريخ حماس ووحدة مضادة للدبابات تابعة للجماعة، وفقًا لمحاضرة قدمها قائد في وحدة 8200 بجامعة تل أبيب.


استغل القادة الكبار هذه اللحظة كفرصة للترويج للثورة في الذكاء الاصطناعي التي كانت تجري في نفاطيم وداخل مقر وحدة 8200 شمال تل أبيب. وقال ميتزال إن جميع القادة الكبار "أرادوا الحديث فقط عن 'أول حرب ذكاء اصطناعي في العالم'".


مصنع الأهداف في حالة عمل مفرط
ويتطلب القانون الإنساني الدولي من الدول المتحاربة تحقيق توازن بين الفوائد العسكرية المتوقعة للهجوم والأضرار الجانبية المتوقعة للمدنيين، والمعروفة بالتناسب أو معيار "القائد العسكري المعقول".


والحقيقة هي أن عدد من المعاهدات، التي وقعت إسرائيل على بعضها جزئيًا فقط، صامتة بشأن الذكاء الاصطناعي. قالت قوات الاحتلال الاسرائيليفي بيان لها هذا الصيف إن معالجة بيانات الاستخبارات العسكرية "تلبي تعريف القانون الدولي للهدف المشروع".


ووفقًا لاعتراف إسرائيل نفسها، لعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في عملية تحديد الأهداف في غزة. ففي غضون أيام من هجمات 7 أكتوبر، أمطرت القنابل المصنعة أمريكيًا بوزن 2000 رطل من طراز مارك 80 المنطقة.


وفي بيان صحفي صدر في 2 نوفمبر 2023، أعلنت قوات الاحتلال الاسرائيليأن "الإنجيل" ساعدها في قصف 12,000 هدف في غزة. ومع موسيقى درامية وفيديوهات للمباني وهي تنفجر، أشاد البيان بـ"تعاون غير مسبوق" حيث تم تغذية الاستخبارات من مصنع أهداف الذكاء الاصطناعي مباشرة إلى القوات على الأرض، وفي الجو والبحر - مما مكن من تنفيذ مئات الهجمات "في الحال".


قال آدم راز، المؤرخ الإسرائيلي الذي أجرى مقابلات مع الجنود والقادة حول استخدام وحدة 8200 للذكاء الاصطناعي، إنه حسب أن الجيش الإسرائيلي كان يضرب حوالي هدفين في الدقيقة خلال ذروة القصف - وهو ما وصفه بمعدل "مذهل".


وقال ضابط استخبارات لصحيفة "واشنطن بوست" إنه شهد الجيش الإسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتجاوز بعض الإجراءات في اتخاذ قرارات استهداف. تحدث الجندي بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه يُعد جريمة وصف التكنولوجيا العسكرية دون موافقة حكومية في إسرائيل.


وفي الأيام الأولى للحرب، كان مصنع الأهداف يعمل بكامل طاقته، ويضم حوالي 300 جندي يعملون على مدار الساعة. كان على العديد من المحللين التحقق من الأهداف الموصى بها من "الإنجيل" و"لافندر"، وهي عملية يمكن أن تستغرق من ثلاث دقائق إلى خمس ساعات.


وتم إسقاط القاعدة التي تتطلب وجود مصدرين مستقلين من الاستخبارات البشرية للتحقق من التوقعات من "لافندر" إلى واحد في بداية الحرب، وفقًا لشخصين مطلعين على الجهود. وفي بعض الحالات في قسم غزة، هاجم الجنود أهدافًا بشرية دون التحقق من توقعات "لافندر" على الإطلاق، وفقًا للجندي.


وفي أوقات معينة، كانت المصادقة الوحيدة المطلوبة هي أن الهدف كان ذكرًا، وفقًا لشخص آخر مطلع على الجهود.


وقال الشخص: "تبدأ بـ'لافندر'، ثم تقوم بعمل الاستخبارات". "في بداية الحرب، قللوا العمل إلى النصف - وهو أمر مقبول لأننا في حالة حرب. المشكلة كانت أنهم أحيانًا كانوا يختصرون كل العمل".


لتتبع الأشخاص الذين حددتهم "لافندر" كأعضاء محتملين في حماس بسرعة، حصل الجيش الإسرائيلي على صور فورية للأشخاص في منازلهم باستخدام طريقة رفض الجندي وصفها. مكّنته أدوات التعرف على الوجه المصممة خصيصًا من مقارنة الصور بالصور الموجودة بالفعل لأعضاء حماس في قاعدة بيانات "لافندر".


وقال الشخص إنه بينما كانت المطابقات تبدو دقيقة، شعر بعض الجنود بالقلق من أن الجيش كان يعتمد فقط على التكنولوجيا دون التحقق مما إذا كان الأشخاص لا يزالون أعضاء نشطين في المنظمة الإرهابية.


كما تراجعت المخاوف بشأن التناسب: قد يكون بعض الأشخاص الذين تم التقاط صورهم أفرادًا من عائلاتهم، وقبل قادة الجيش الإسرائيلي أن هؤلاء الأشخاص أيضًا سيتم قتلهم في الهجوم، وفقًا للجندي.


وفي وقت ما، تم توجيه وحدة الجندي لاستخدام برنامج برمجي لتقدير الخسائر المدنية لحملة قصف تستهدف حوالي 50 مبنى في شمال غزة. تم إعطاء المحللين في الوحدة صيغة بسيطة: قسّم عدد الأشخاص في منطقة ما على عدد الأشخاص المقدر وجودهم هناك - وذلك بحساب الرقم الأول من خلال عد الهواتف المحمولة المتصلة ببرج خلوي قريب.


وباستخدام نظام أضواء مرور أحمر-أصفر-أخضر، يومض النظام باللون الأخضر إذا كان معدل الإشغال في المبنى 25% أو أقل - وهو عتبة تعتبر كافية لتمريرها إلى قائد لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم القصف.


وقال الجندي إنه صُدم بما اعتبره تحليلًا مبسطًا للغاية. لم يأخذ في الاعتبار ما إذا كان الهاتف المحمول قد تم إيقاف تشغيله أو نفدت طاقته أو وجود أطفال لن يمتلكوا هاتفًا محمولًا. وبدون الذكاء الاصطناعي، ربما تكون القوات العسكرية قد اتصلت بالأشخاص لمعرفة ما إذا كانوا في منازلهم، وهي جهد يدوي كان سيكون أكثر دقة ولكنه استغرق وقتًا أطول بكثير.



MENAFN31122024000072011014ID1109045388


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار