(
MENAFN- Alghad Newspaper)
بناء الشخصية الإنسانية وفق مجموعة من القيم تشكل رؤية الفرد ومنهجه في الحياة ضرورة لازمة ومساحة تكاد تكون مفقودة في البناء الانساني الحالي. في مرحلة من المراحل أصبحت القيم وجهة نظر، أن تكون أو لا تكون هي مسألة تحكمها متغيرات الظروف الزمانية بالدرجة الاولى والمكانية كذلك، وظروف اخرى ذات علاقة بطبيعة الأنظمة الاقتصادية التي لعبت دورًا مهمًا في اعتبار منظومة القيم ومضامينها متغيرات خاضعة لحسابات الربح والخسارة في كثير من الأحيان، هذه النظرة أثرت بشكل أو بآخر على نوعية حياة الافراد واتزانهم وسلامهم الداخلي الذي يشكل في مجموعه اتزان المجتمع وطمأنينته.
ففي علاقة عضوية، هناك ترابط عميق بين شعور الفرد بالسعادة وبين أن يحيا وفق قيم تشكل المحرك لمنظومة حياته، هي سعادة لا تقتصر على الفرد وإنما تمتد الى المجتمع لأن ما يدفع الانسان في هذه الحالة نحو تحقيق سعادته هي منظومة من القيم والتي تمتد عمقا فتحدث تغييرًا متدرجًا في منظومة المجتمع ودوافعه نحو الانجاز والعمل والبقاء عمومًا.
سعادة القيم منظومة او مفهوم ينطوي على الاستمرارية ولا يتوقف على متغيرات او بدائل وهو المفهوم المعاكس لسعادة المتعة، وهو المفهوم الاكثر انتشار واعتقادا بأنه ما ينقص الافراد، وهو قائم على تحقيق ملذات آنية لا ترتبط بقيم محددة فتكون السعادة مؤقتة عابرة خلافا لتلك السعادة الناتجة عن تبني قيم يسعى الفرد لتحقيقها فتؤدي به الى الرضا وهو اعلى درجات السعادة، ذلك أن مصدره داخلي مستمر لا خارجي يتعرض لعوامل الانقطاع او الاستمرار او الوفرة او القلة.
القيم وسعادتها او سعادة القيم لم يعد مدلولا عابرا او ذا ابعاد عاطفية مثالية وانما هو ضرورة لازمة في بناء المجتمعات؛ لذا فإن الدول اليوم صاحبة النهضة التعليمية ادركت اهمية البناء الاخلاقي للأجيال فارتكزت في مناهجها على منظومة القيم لإدراكها العميق ان تغيرا مجتمعيا وتنمية مستدامة لا يمكن ان تنطلق بعيدا عن منظومة قيمية؛ فمثلا اذا ما اردنا لجماعة ان تدافع عن الحق في بيئة سليمة وتقف في وجه معطيات التغير المناخي لا بد وان تكون قد زرعت في نفوس ابنائها وعبر منظومة قيمية تربوية تضامنا انسانيا مع العالم وعلاقة طيبة مع مكونات الارض ليدرك الفرد ان أحد اسباب وجوده وبقائه هو تحقيق الخلافة له وللاجيال القادمة على حدّ سواء، واذا اردنا للعدل وللقانون ان يسود لا يمكن ألا تنشئ جيلا لا يجعل من الدفاع عن حرية الآخرين وتحررهم قيمة عليا تستحق العمل، ليصبح العدل عنوانا للامان والنوم ملء الجفون لما يخلفه من آثار على استقرار المجتمع وبنائه.
القانون ذاته بني على القيم والاخلاق، فكان وعاء جامعًا لهما ومن أجل ان يدافع القانون عن قيم حقيقية خاضت البشرية وما تزال نضالات عديدة، وفي سياق متصل الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي جاءت لتعكس خلاصة التجربة الانسانية أكدت على ان التعليم بدون تنشئة الفرد على قيم التسامح والتعددية والحق والحرية سيبقى تعليما غير ذي جدوى في ترسيخ حقوق الانسان بمفهومها الشامل وفي تحقيق التضامن الانساني على المستوى الوطني والعالمي كذلك.
خلاصة القول، منظور تربوي قيمي يبدو متطلبا أكثر من أي وقت مضى في المنظومة التعليمية، يؤدي الى البناء الواعي للفرد ويشكل هويته الانسانية المنسجمة مع قيمه ويزرع في النفس الانسانية رسوخا ويجعلها اصدق عملا وقيلا، وهو ما يؤدي بالنتيجة الى تبدد العديد من الاشكاليات والتحديات التي نعيشها كل يوم في ظل تراجع الايمان والعمل في اطار قيمي اخلاقي في العديد من مناحي الحياة.
MENAFN28122024000072011014ID1109038326
إخلاء المسؤولية القانونية: تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.