Tuesday, 26 November 2024 02:40 GMT



الديماغوجية في عصر البيانات: إشاعات المستشفى الرقمي

(MENAFN- Alghad Newspaper)
د. حمزة العكاليك







شهد العصر الرقمي تطوراً مذهلاً في أدوات التأثير والتلاعب بالرأي العام، حيث أصبحت البيانات والمعلومات الرقمية قوة هائلة تشكل ساحة المعركة الجديدة في صراعات النفوذ والتأثير. ففي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الاعتماد عليها كمصدر للأخبار والمعلومات، برزت أسئلة حول مدى استغلال هذه المنصات لأغراض سياسية وتجارية، وهل يمثل هذا الاستغلال تطوراً حديثاً للديماغوجية التقليدية؟
الديماغوجية التقليدية كانت تعتمد على الخطاب العاطفي والإغراءات الوهمية لإقناع الجماهير، وكانت تقتصر على نطاق جغرافي محدود. أما الديماغوجية الرقمية، فتعمل على مستوى أوسع بكثير، وتستغل قدرات التكنولوجيا الحديثة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم محتوى مخصص لهم بدقة متناهية.
فمنصات التواصل الاجتماعي تعتمد على خوارزميات معقدة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم المحتوى الذي يرجح أن يجذب انتباههم. هذه الخوارزميات تجمع بيانات هائلة حول تفضيلات المستخدمين، اهتماماتهم، علاقاتهم الاجتماعية، وسلوكهم عبر الإنترنت.
فتحليل الخوارزميات يساهم في تقديم تجربة أفضل للمستخدم من خلال عرض محتوى يتناسب مع اهتماماته. ويساعد في رصد التوجهات والآراء السائدة بين المستخدمين. ويمكن للمعلومات المستقاة من تحليل البيانات أن تساعد في تحسين خدمات المنصة وتطويرها.
إلا أن لهذا التحليل أوجه استغلال تؤدي إلى أضرار لا يمكن حصرها والسيطرة عليها فمن الممكن أن تساهم في بناء فقاعات معلوماتية: فيمكن للخوارزميات أن تساهم في بناء فقاعات معلوماتية حيث يعرض للمستخدمين فقط المحتوى الذي يتفق مع آرائهم، مما يعزز الانقسامات الاجتماعية ويصعَب الحوار البناء.
كما يمكن استغلال هذه البيانات لتوجيه الرأي العام نحو مواقف معينة أو دعم أجندات سياسية معينة. أو لنشر الأخبار الكاذبة فيمكن للخوارزميات أن تساعد في نشر الأخبار الكاذبة والإشاعات بسرعة وفعالية أكبر.
وهناك مئات الأمثلة من الواقع العملي كالتسويق المستهدف: حيث تستخدم الشركات تحليل البيانات لتقديم إعلانات مخصصة لكل مستخدم، مما يزيد من فعالية الحملات التسويقية. كما تستخدم هذه التحليلات للتلاعب بالرأي العام: فهناك أدلة على أن بعض الجهات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار الكاذبة والتلاعب بالرأي العام في العديد من البلدان.
وعلى المستوى المحلي هناك العديد من الأمثلة لمثل هذا الاستغلال كما حدث عندما قامت وزارة التربية بتوزيع وجبات مدرسية على الطلبة تحتوي على حبوب فيتامينات حيث ظهرت العديد من التحليلات الاجتماعية التي تفترض أن هذه الفيتامينات هي لغايات تحديد النسل ولم يظهر أي دليل علمي على ذلك إلا أنها مجرد إشاعة ظهرت وتدحرجت لكبر وتصبح ما يشبه الحقيقة على مستوى الوطن.
كما ظهرت إشاعة أخرى تتعلق بالمستشفى الرقمي الذي تعمل على إنشائه وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد الرقمي من خلال تمويل إماراتي حيث تم تجاهل الهدف والغاية من التحول الرقمي للخدمات الصحية وابتداع إشاعة جديدة تقوم على أن الشركة المنفذة تهدف الى بيع بيانات الأردنيين إلى الكيان الصهيوني.
ولا بد هنا من النظر بتحليل ما تم تداوله حيث أن الاتفاقيات التي يتم توقيعها لمثل هذه الأغراض تترافق مع التزامات بالحفاظ على سرية البيانات وكيفية التعامل معها وتحليلها ومن مسموح له الاطلاع عليها ومدة تخزينها؛ ولم يظهر أي دليل من قبل من روجوا لهذه الإشاعة على ما تم الترويج له إلا فقط اسغلال الرأي العام والعاطفة والموقف من الكيان المحتل، وأن هذه الشراكة والتمويل من الجانب الإماراتي هي فقط لتسريب بيانات الأردنيين.
وأما الحصول على بيانات الأردنيين فأود أن أشير هنا إلى أن أجهزة الهاتف الذكية التي في أيدينا ونتعامل معها كل يوم ودقيقة هي أكبر جامع بيانات عن حامليها وبطريقة مجانية دون الحاجة إلى دفع ملايين الدولارات للحصول عليها وبموافقة والإرادة الحرة لحامليها؛ فوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي على هواتفنا على اختلاف أنواعها تجمع مختلف أنواع البيانات بشكل مجاني وبموافقة المستخدمين وتحللها وتبيعها للأطراف المهتمة.
فمن مواقع الشراء والأماكن التي يزورها الشخص إلى عدد نبضات القلب وحركة العين والمزاج اليومي بناء على الحالة النفسية من خلال تقاسيم الوجه للشخص إلى عادات الإنفاق وأماكن الإنفاق؛ تقدم تحليلا شاملا عن سلوك الفرد وأسلوب حياته اليومية والعامة دون الحاجة إلى إنفاق مئات الملايين في شراكات بين دول للحصول على هذه المعلومات وللتأكد من هذه البيانات التي يتم جمعها يستطيع أي مستخدم لهذه التطبيقات أو الأجهزه الذكية الرجوع إلى تاريخ المواقع التي زارها أو أنفق عليها أو تصفحها أو عدد نبضات القلب أو المسافه التي قطعها في يوم أو وقت معين من خلال هاتفه والذي ينقلها إلى مزود خدمات التطبيقات لتحليلها وبيعها.
وعليه يمكن القول إن تحليل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي يمثل تطوراً نوعياً للديماغوجية التقليدية، حيث يوفر أدوات أكثر دقة وفعالية للتأثير على الرأي العام. فبدلاً من الاعتماد على الخطاب العاطفي العام، يمكن للديماغوجية الرقمية استهداف الأفراد بشكل مباشر وتقديم رسائل مخصصة تلبي احتياجاتهم ورغباتهم.
إن تحليل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي يمثل تحدياً كبيراً للمجتمعات الديمقراطية، حيث يهدد بتقويض الحوار البناء والتشكيك في مصداقية المعلومات. ويجب على الحكومات والشركات ومنصات التواصل الاجتماعي العمل معاً لتطوير آليات تنظيمية تضمن استخدام البيانات بشكل مسؤول وتمنع استغلالها لأغراض سياسية أو تجارية ضارة. كما يجب على الأفراد أن يكونوا أكثر وعيًا بأساليب التلاعب بالمعلومات وأن يتعلموا كيفية التحقق من صحة الأخبار قبل مشاركتها.
في النهاية، يجب علينا جميعاً أن نكون حذرين من قوة البيانات والذكاء الاصطناعي، وأن نعمل على استخدامها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع ككل.

MENAFN25112024000072011014ID1108924226


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.