Monday, 18 November 2024 06:14 GMT



الصمت الـحـرج: دمشق تنأى بنفسها عن حرب غزة رغم الضربات الصهيونية المتكررة

(MENAFN- Alghad Newspaper)



تستنج مادة تحليلية أن النظام السوري وفي خِضم الاستهداف الصهيوني المتكرر للأراضي السورية؛ تركز أولويته في الصمت والنأي بالنفس وتجنب الانخراط في الصراع الإقليمي الذي يقف وراءه الكيان الصهيوني بعد مرور أكثر من سنة منذ أن بدأت الحرب على غزة.
وذكرت المادة التي نشرها معهد السياسة والمجتمع بالشراكة مع مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أن النظام السوري ينتهج اليوم إستراتيجية تمرير الوقت، لغياب القدرة عن الانفكاك في هذه المرحلة عن إيران، بالإضافة لوجود اعتبارات لأولوية حسم الصراع المحلي في عدة مناطق داخل سورية كهدف رئيسي للنظام، مما يشير إلى احتمالية عودة التصعيد العسكري في الرقعة السورية قبيل تسلم دونالد ترامب مهامه رسميًّا كرئيس للولايات المتحدة في كانون الثاني (يناير) العام المقبل. حيث تناقش وتبحث المادة المزودة بالخرائط- المحدثة لغاية منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)- مناطق الانتشار والوصول الإيرانية في سورية، بالإضافة لمناطق السيطرة المحلية بين أطراف الصراع في سورية.
وتشير المادة التي أعدها الباحث حـسـن جـابـر، وفـرح أبو عيادة، مساعد باحث، أن من جملة الأسباب التي تدفع باتجاه تثبيت الدور غير الفاعل للنظام السوري في ظل التحولات الإقليمية أيضًا؛ مجموعة من القيود والمحددات المحلية؛ كتفاقم حالة التردي الاقتصادي، وتزايد الحراك الشعبي المستمر مثل حراك السويداء، وتنامي حالة عدم الرضا محليًا.
وفي هذا السياق، يستنتج الباحثان، تبعًا للعدد الكبير من الضربات الصهيونية على الأراضي السورية، أن معظمها استهدف مواقع إيرانية أو فصائل مسلحة تابعة لها. كما يلفتان إلى أن تفاعل النظام لم يكن بالمستوى المناسب لحجم التطورات الإقليمية من وجهة نظر "محور المقاومة"، ويظهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر في غياب المسيرات المناصرة لغزة في المدن التي يسيطر عليها النظام، إلى جانب البيان وردة الفعل الخجولة على إثر استشهاد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني.
كما يبقى الحديث عن القدرة على التحلل من النفوذ الإيراني في سورية موضع اختبار ونقاش، خاصة وأن هذا النفوذ يتجسد على شكل انتشار عسكري في سورية ممتد لأكثر من عقد من الزمن، مما يشير إلى أن التحلل منه لن يكون سهلًا وإن توفرت الإرادة الكافية لذلك، لا سيما في ضوء الطموح الجيوسياسي الإيراني في الشرق الأوسط، وفي ضوء ما تمثله الجغرافيا السورية من قيمة إستراتيجية في حسابات طهران.
وتخلص المادة إلى أن دمشق تراهن على عاملين اثنين في المرحلة المقبلة هما؛ استمرار وتيرة الانفتاح الدبلوماسي لإعادة تأهيل النظام السوري دوليًا، ورهان إعادة الإعمار وتجاوز مرحلة الحرب، في الوقت الذي يعتقد أن الانفكاك من طهران رغبة غير معلنة لدمشق، إلا أن مدى وكثافة هذا الانتشار قد يضفي المزيد من التعقيدات على خيارات النظام، ويبقي مصير النفوذ الإيراني رهينة للترتيبات الإقليمية المرتقبة مع تولي ترامب للرئاسة الأميركية، كما تبقى فرضية قدرة النظام على اتخاذ قرارات ذاتية موضع تساؤل مفتوح، مع تبادر مؤشرات عودة التصعيد المحلي إلى الواجهة مجددًا في المرحلة المقبلة.
وتُعتبر الفترة القادمة، لحين تولي ترامب رسميًّا إدارة البيت الأبيض، الأكثر عرضة لامتداد رقعة الحرب الصهيونية نحو الجنوب السوري، وقد يتخذ هذا التوسع أحد الأهداف الإستراتيجية، كعزل حزب الله عن الممر الإيراني الآمن، والذي يعتبر شريانًا حيويًا لاتصال الحزب بإيران مرورًا بالجغرافيا السورية، أو توسيع المنطقة العازلة شمال الجولان بالحد الأدنى للاحتلال. في حين يُستبعد أن تصل حالة التصعيد الجارية لمرحلة الاشتباك المباشر مع النظام السوري.
كما تتيح المبادرة العربية والتوجهات السياسية الروسية هوامش إضافية لحركة النظام السوري للتحلل التدريجي من النفوذ الإيراني، في حين يعتبر الانتشار العسكري الإيراني في سورية الأكبر والأهم من بين الأطراف الأخرى.
يتضح مما سبق أن النظام السوري ماضٍ في إستراتيجية تمرير الوقت، والحفاظ على الوضع الراهن بمكتسباته، بهدف محاولة تجنب التورط في مواجهة مباشرة كطرف ضمن "محور المقاومة"، وعبور الضباب الإقليمي بأقل خسائر ممكنة، حيث يدرك النظام الخطر الوجودي الذي قد ينبثق عن أي تحرك غير محسوب لصالح إيران أو حزب الله، لا سيما في سياق معادلة صفرية ينتهجها الاحتلال، وتوفر الإرادة الصهيونية لتوسيع رقعة الحرب ضد النفوذ الإيراني في الإقليم بعد الحرب على غزة، وغياب الكبح الأميركي لهذه التوجهات؛ والتي تنعكس بوضوح في رفع الضغط والتصعيد العسكري للحد الأقصى في مواجهة حزب الله منذ منتصف أيلول (سبتمبر)، والتحركات المباشرة شمال الجولان المحتل، ناهيك عن القصف شبه اليومي للأراضي السورية، وبالتالي، المزيد من فرص التدخل العسكري الصهيوني المباشر على الأراضي السورية.
وأمام تعقيدات هذا المشهد بقيود الداخل وتحولات الإقليم؛ فإن براغماتية دمشق تظهر بصورة تفضيل الخيار العربي والروسي في مقابل الاصطفاف مع إيران، وتفضيل المكتسبات الدبلوماسية طويلة الأمد التي يمكن وصفها برهان المصير. فمنذ عودة النظام السوري لجامعة الدول العربية في أيار (مايو) 2023، وتفكك الموقف الأوروبي الموحد من النظام بعد تطبيع إيطاليا متبوعًا بتعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لسورية مؤخرًا، والانفتاح التركي المتسارع على التفاوض المباشر مع النظام، وضبابية توجهات إدارة ترامب نحو تطبيع الدول مع النظام السوري؛ فإن مزيدًا من هوامش الحركة تتاح للتحلل من النفوذ الإيراني، وهو ما يتلاقى مع أهداف النظام غير المعلنة.
في المقابل، فإن كثافة ومدى النفوذ الإيراني في سورية، والكلف الباهظة التي تكبدتها طهران للتمدد داخل مناطق سيطرة النظام السوري؛ تعتبر أبرز التحديات خاصة وأن فرص تخليها عن مكتسباتها في سورية لن تتم بسهولة؛ بل على العكس، فإن ردود فعل إيران والفصائل المحسوبة عليها في سورية ستبقى غير متوقعة لفترة غير يسيرة من الوقت، خاصة إذا ما تفاقم الضغط الأميركي في عهد ترامب على إيران كما هو متوقع مع عودته.
وأمام تعدد الأطراف وتعقيدات المشهد الجيوسياسي في خريطة الصراع السوري، والتي تُعبر عن درجة عالية من عدم اليقين حول مستقبل حسم الصراع عسكريًا، خاصة في ضوء المحددات التالية؛ الانكفاء الروسي في سورية تبعًا لأولية الحرب في أوكرانيا، استمرار تدفق المقاتلين والخبراء الإيرانيين ومن محور المقاومة نحو الأراضي السورية، التوجه الأميركي المحتمل لسحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية، تعدد الأطراف المحلية مع الجاهزية للاشتباك على خطوط التماس مع مناطق سيطرة النظام السوري، أو بين المعارضة السورية وقسد وهيئة تحرير الشام؛ فإن فُرص عودة التصعيد العسكري في سورية تزداد بمرور الوقت.
في ضوء ما سبق؛ يظهر التفاهم بين الأطراف الأجنبية الرئيسية الثلاث في سورية؛ روسيا وتركيا وإيران عبر مسار استانا كفرصة حاسمة لضمان الإبقاء على التفاهمات الثلاثية البينية، والتي يعتبر نجاحها عاملًا مهمًا لضمان عدم عودة حالة الفوضى المطلقة بين الأطراف المحلية، كما يؤيد كل مما سبق التحول في الإدارة الأميركية بتولي ترامب للرئاسة، المدفوع بإنهاء الحروب كما وعد انتخابيًا، والراغب بشدة بسحب الوجود العسكري الأميركي من سورية، حيث يرى فيه عبئًا على الولايات المتحدة، وهذه العوامل مجتمعة يمكن اعتبارها دوافع لتجاوز النظام لتعقيدات المشهد الحالي في سورية والشرق الأوسط.

MENAFN17112024000072011014ID1108895337


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار