(
MENAFN- Alghad Newspaper)
ربى الرياحي
عمان - لا يمكن حصر المرأة بين خيارين متناقضين، كأن تجبر على الاختيار بين تعليمها أو وظيفتها وبين عائلتها، حيث يصبح من الصعب ترجيح كفة على الأخرى دون أن يكون الثمن خسارة مؤلمة.
ومع ارتفاع وعي المرأة بحقوقها، أصبحت تسير جنبا إلى جنب مع الرجل في بناء حياة أكثر استقرارا. وقد مكنها ذلك من أن تكون دعما لنفسها ولعائلتها، مستندة إلى تعليمها وخبراتها التي تسهم في دفع طموحاتها الشخصية نحو الأمام بثبات وإصرار.
"لا يوجد نجاح دون عائلة تحتضنك، تدعمك، وتحبك"، هذا ما تؤمن به علياء محمود، وهي معلمة في إحدى المدارس، مستندة إلى تجربة شخصية عايشتها. تؤكد علياء أن المرأة الواعية تدرك أن السند الحقيقي لا يقتصر على المناصب، الشهادات، أو الأموال، فالعائلة هي أيضاً دعامة أساسية في حياة الإنسان. الحياة قد تخذل الإنسان احيانا، ولا يبقى أمامه سوى أن يقاتل بما يملك من أدوات وإمكانات.
رغم الظروف الصعبة التي مرت بها، خاصة بعد وفاة زوجها واضطرارها لتحمل المسؤولية بمفردها، استطاعت علياء أن تكون امرأة قوية وناجحة، مدركة قيمة كل طرف في حياتها، ومتمسكة بدعم عائلتها الذي كان مصدر قوتها الدائم. كان لاستقلالها المادي دور كبير في تجاوز العديد من العقبات، لكنه لم يغنها عن دعم والدها وإخوتها ووقوفهم إلى جانبها. فقد كانوا بمثابة الوطن الذي تلجأ إليه كلما شعرت بالغربة أو أثقلتها الظروف.
علياء لم تكتف بما وفرته لها وظيفتها من أمان واستقرار، بل ظلت بحاجة دائمة إلى محبة أهلها وثقتهم بها. فقد رأوا فيها امرأة قادرة على إدارة حياتها واتخاذ القرارات التي تناسبها وتناسب أولادها، ولهذا لم تجد نفسها مضطرة للاختيار بين عائلتها واستقلالها، بل جمعت بينهما بانسجام ونجاح.
تعتقد سجود، البالغة من العمر 41 عاما، أن شهادتها ووظيفتها كمهندسة في إحدى الشركات كانتا أساس قوتها واستقرارها الأسري اليوم. توضح سجود أنها حين قررت الزواج، وضعت شرطا واحدا فقط: الاستمرار في عملها دون إجبارها على تركه بعد الزواج. فهي تدرك تماما أن الوظيفة تمنح المرأة دعامة قوية، وتكسبها حصانة في مواجهة تقلبات الحياة وظروفها الصعبة.
اليوم، تعلمت كيف تكون سندا لمن حولها، وقبل كل شيء، كيف تكون سندا لنفسها. بات لها رأي يحترم دون تعنت أو تمرد، فهي ترى في وظيفتها ليس مجرد وسيلة لكسب العيش، بل مصدر نجاح وسعادة، وعكاز تتكئ عليه لمواجهة تقلبات الحياة. وظيفتها ليست سلاحا تواجه به زوجها أو عائلتها، بل أداة تعزز بها استقرارها ودورها في حياتها الأسرية والمهنية.
أما عبير، فهي نموذج آخر لامرأة قست عليها الظروف، وأجبرتها على السير في طريق لم تختره. رغم تفوقها الدراسي وطموحها في أن تصبح مهندسة ديكور، جاء قرار والدها بتزويجها من ابن أخيه كسهم حد من أحلامها التي لم تُكتب لها الحياة. بسبب تعنت أهلها، خسرت الكثير، حتى شعورها بالسعادة؛ إذ لم يعد هناك ما يحفزها لتعيش الحياة بحلم وشغف كما كانت تراها من قبل.
استسلمت عبير للانطفاء وتوقفت تماما عن الحلم، لتصل في النهاية إلى الطلاق. ولأنها كانت مجردة من كل الأدوات التي تمكنها من الوقوف مجددًا، شعرت بالقسوة بشكل مضاعف. كل شيء كان ضدها، حتى أهلها لم يتقبلوا فكرة عودتها إليهم مطلقة.
تقول عبير: "التخلي عن أبسط حقوقك يعني موافقتك على أن تكوني ريشة في مهب الريح، لا تعرفين إلى أين ستأخذك الحياة، ولا تستطيعين حتى التنبؤ بذلك".
ومن جهتها تبين مدربة المهارات الحياتية نور العامري أن الشهادة والوظيفة يمثلان سندًا قويًا للمرأة، حيث يعززان استقلالها المالي وقدرتها على اتخاذ قراراتها، ويدعمان ثقتها بنفسها ويسهمان في تحقيق طموحاتها الشخصية والمهنية.
هناك عدة حالات تكون فيها الشهادة والوظيفة دعمًا مهمًا للمرأة، ومنها: الاستقلال المالي، بامتلاكها وظيفة وشهادة، تستطيع المرأة تحقيق دخل مستقل يمكّنها من تلبية احتياجاتها دون الاعتماد على الآخرين، مما يتيح لها حرية أكبر في قراراتها الشخصية.
ايضا؛ التعامل مع الظروف الصعبة: إذا واجهت المرأة ظروفا مثل الطلاق أو وفاة الزوج، تصبح الوظيفة والشهادة سندا أساسيًا يساعدها على تأمين مستقبلها ومستقبل أسرتها. كما ان الوظيفة تتيح للمرأة فرصة تنمية مهاراتها والتطور المهني، مما يسهم في تعزيز ثقتها بنفسها، ويساعدها على تحقيق أهدافها وطموحاتها.
وتلفت العامري إلى الشهادة والوظيفة يمنحان المرأة مكانة اجتماعية عبر قدرتها وكفاءتها في العمل، وفي بعض الأحيان، تكون المرأة هي المعيلة الوحيدة أو الشريك الأساسي في الإنفاق على الأسرة، مما يجعل الشهادة والوظيفة أداة قوية لدعم العائلة وتوفير حياة كريمة.
في مجمل القول، الشهادة والوظيفة توفران للمرأة حرية أكبر وإمكانية اتخاذ خيارات تؤثر إيجابيًا على حياتها، مما يجعلهما سندا قويا يمكن الاعتماد عليه في مختلف الظروف وخصوصا في الأوقات الصعبة كالطلاق أو وفاة ألأب أو الزوج.
وتنوه إلى أن الشهادة قد تمنح المرأة استقلالية ودعامة قوية، لكنها لا تغني عن دور الأب أو الأخ أو الزوج كدعم معنوي واجتماعي، خصوصًا في المجتمعات التي تقدر روابط الأسرة. فالشهادة قد تساعد المرأة في تحقيق استقلالها المالي والمهني، لكنها لا تلغي حاجة المرأة للدعم العاطفي والنفسي الذي يمكن أن يوفره الأب أو الأخ أو الزوج.
في مجتمعاتنا، وجود أفراد الأسرة مثل الأب أو الزوج يعتبر قوة اجتماعية ودعامة، ويساهم في منح المرأة احتراما أو حماية في بعض المواقف التي تحتاج فيها إلى الدعم من المجتمع. وقد تحتاج إلى دعم إضافي عندما تواجه مسؤوليات كبيرة مثل رعاية الأطفال أو إدارة المنزل، والوجود العائلي يمكن أن يساعدها في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. وهنالك بعض النصائح التي يمكن أن تساعد المرأة مثل تنظيم الوقت حيث يمكن للمرأة أن تخصص وقتاً محددًا للعمل وآخر للعائلة. استخدام أدوات مثل جداول الأعمال أو التطبيقات الذكية يساعدها على تحديد أولوياتها وتقليل التشتت. ومن المفيد للمرأة أن توضح لعائلتها طبيعة عملها واحتياجاتها الوظيفية، حتى يكونوا متفهمين لمتطلباتها ومسؤولياتها. كما يمكنها إشراك العائلة في تحديد الأوقات المناسبة لأنشطة الأسرة، مما يعزز الترابط العائلي.
وتنصح العامري بان تخصص المرأة وقت لنفسها، سواء للراحة أو للقيام بأنشطة تساعدها على الاسترخاء والتجديد، لأن الراحة الجسدية والنفسية تجعلها أكثر كفاءة وسعادة في أداء دورها العائلي والوظيفي. إلى ذلك، يمكن للمرأة التفاوض بشأن ساعات عمل مرنة أو العمل عن بُعد، خصوصًا في الأوقات التي تتطلب حضورها العائلي بشكل أكبر.
وترى خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن التعليم والعمل يعتبران من أهم الحقوق التي يجب منحها للإنسان بغض النظر عن جنسه سواء كان ذكر أو أنثى، وتعليم المرأة بالذات يكسبها المعارف والمعلومات والمهارات التعليمية النظرية والتطبيقية الأساسية التي تمكنها من القيام بأنشطة حياتها ومسؤولياتها الكبيرة اليومية والمستقبلية على أكمل وجه.
ويعزز العلم من وعي المرأة ويعمل على تنمية قدراتها مما ينعكس ايجابا على قدرتها على التعامل مع أطفالها مستقبلاً، وتربيتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة القائمة على الأسس العلمية والتربوية السليمة، وبالتالي تخرج على يدها أجيالاً مثقفة واعية قادرة على النهوض بالمجتمع المستقر الخالي من المشاكل والجرائم.
ويؤمن العلم، بحسب إبراهيم ما يسمى بالاستقلال المادي للمرأة، وذلك من خلال منحها دخلاً شهريا خاص بها يمكنها من خلاله تحقيق الاستقلال وعدم التبعية لغيرها، سواء لأحد من أفراد أسرتها أو زوجها، مما يضمن لها حرية القرار. ويمنح العمل للمرأة مكانة اجتماعية بين أفراد المجتمع، حيث يتيح لها تحقيق ذاتها وطموحها، وعدم اقتصار دورها على العمل داخل المنزل، وكذلك تساند زوجها مادياً وتساعده على توفير مستلزمات الحياة المختلفة الأساسية وغير الأساسية، مما يحقق لهم العيش الكريم.
ويزيد التعليم من وعي المرأة بحقوقها، ويُعرفها على أهم واجباتها، كما ينمي وعيها حول الاهتمام بنفسها وبعائلتها، مما يضمن لها حياة صحية سليمة إلى أقصى حد ممكن.
والمفاضلة بين تعليم المرأة وعملها وبين زواجها وأسرتها باعتقادها "أمر مسيء" للغاية، لأن لا طرف يغني عن الآخر، فجوانب الحياة بالنسبة للمرأة يجب أن تكون كاملة ومتكاملة، بمعنى ألا تستغني أو تتنازل المرأة عن حقها في التعليم والعمل ولا تعتبر أيضاً أن هذا الجانب يغنيها عن عائلتها أو بالأخص الجانب الذكوري من العائلة مثل الزوج والأب، فالمرأة بحاجة لكل أنواع الدعم والمساندة في هذه الحياة، بحاجة للتعليم والعمل وبحاجة للدعم العائلي والأسري، فكلما كانت المساندة الأسرية سليمة تشعر المرأة بمعنى النجاح والحياة وتكون فردا منتجا وفاعلا في المجتمع.
MENAFN17112024000072011014ID1108894818