Thursday, 02 January 2025 11:23 GMT



العمل الإسلامي تخرج من المولد بلا حمص

(MENAFN- Alghad Newspaper)
د. حسين الخزاعي






في الشريط الإخباري لمعظم المواقع الإخبارية، نقرأ ونصدم ونندهش من إعلان كتلة نواب حزب جبهة العمل الإسلامي عن ترشيح رئيسها النائب المخضرم صالح العرموطي (أبو عماد)، لموقع رئاسة مجلس النواب.
تؤكد الكتلة في بيانها أن هذا الترشيح جاء بعد تواصلها مع الأحزاب والكتل النيابية الأخرى والنواب المستقلين، في إطار الاستعداد للاستحقاقات النيابية داخل المجلس، ولحلحلة وتفكيك وقراءة هذه المستجدات المفاجئة والخطيرة غير المسبوقة تاريخيا من حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمين) للتوصل إلى رؤية عامة في ابعاد هذا الإجراء، نتوقف عند المعطيات التالية:
اولاً: يشير بيان كتلة نواب الجبهة إلى إجراء لقاءات مع الأحزاب والكتل النيابية والنواب المستقلين، استعدادا للاستحقاقات النيابية في مجلس النواب، والسؤال المطروح ماذا كانت نتيجة هذه اللقاءات؟ وهل ستدعم هذه الكتل النائب المخضرم صالح العرموطي أم لا؟
لا يوجد إجابة وردت في بيان الجبهة، سوى أن الروح الإيجابية قد غمرت اللقاءات مع المكونات الحزبية كافة، وقد عبرت على نحو واضح عن طموح الجميع في الارتقاء بأداء مجلس النواب واستشعار أهمية تعزيز عمله، في ظل ما يمر به الأردن الحبيب من ظروف.
نفهم من بيان الجبهة، عدم وجود دلائل أو إشارات إلى دعم الكتل الأخرى للعرموطي، وسيبقى الدعم محصورا في كتلة الجبهة (31 نائبا)، وفي حدود 10 نواب من المتعاطفين والمحسوبين على الكتلة، أي سيتراوح عدد الداعمين بين 40 إلى 45 نائبا فقط. فلماذا الإقدام على هذه المغامرة، والزج بالنائب العرموطي المحبوب شعبيا في هذا الموقف؟ وماذا يدور في أفكار وخيالات الحزب الذي دفع لهذه الخطوة؟.
ثانياً: يشير بيان كتلة الجبهة، إلى أنها تؤكد عملها في المجلس وفق مبدأ التشاركية، ومد اليد لجميع الأطراف، بما يخدم المصلحة العامة للوطن، لكن السؤال الذي يجول في الخاطر والوجدان والفكر الإستراتيجي: ما الذي يضمن أو يؤكد أن تعمل الكتل الأخرى أو النواب المستقلون مع كتلتكم بمبدأ التشاركية نفسه، ومد يد العون لكم، بخاصة بعد قراركم خوض انتخابات رئاسة المجلس؟ هل تتوقعون دعمكم على حساب مترشحي الكتل والتوافقات الأخرى؟ هل تتوقعون من النواب المستقلين الجدد الذين فازوا في الانتخابات، بأن يناطحوا الكتل الحزبية إذا توحدت واتفقت على مترشح واحد إرضاء لكم؟ أو أن يدعموكم ويغضبوا دوائرهم الانتخابية، والتي قد يكون لها مواقف من حزب الجبهة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين. وبالطبع، فإن نواب المناطق ذات التجمعات العشائرية، لن يضحوا بالوقوف مع كتلة الجبهة على حساب إغضاب الحكومة، بخاصة وأن مطالب كثيرة يجهزونها لتقديمها إلى الحكومة، تتعلق بدوائرهم الانتخابية.
ثالثاً: هل فكر حزب الجبهة على نحو عام وكتلته على نحو خاص جيدا قبل الإقدام على هذه الخطوة؟ وما مصير الكتلة إذا أخفق العرموطي بالفوز؟ وهل فكرت الكتلة بأن الكتل الأخرى لو قررت تجاهل ترشحه، وعدم التواصل مع كتلة الجبهة، أو التفاوض أو التشاور معها، واتخذت المواجهة مع كتلتكم، فماذا ستكون النتيجة؟ ولو قرر جميع المترشحين لرئاسة المجلس الاتفاق بينهم على تقاسم (الكعكة: رئاسة المجلس ونواب الرئيس واللجان)، وتجاهلوا وجود كتلة الجبهة؛ باختصار هذا سيضع الكتلة والمحسوبين الـ40 عليها في زاوية العزف المنفرد، وإبعادكم عن الشارع، ولن ينفعكم الربع المعطل ولا الحناجر الغاضبة ولا الحجب ولا الاستجوابات ولا الأسئلة، ولا عدم الموافقة على قرار أو اقتراح أو تعديل أو انسحاب من جلسات المجلس، بل سيزيد موقفكم من تغول الحكومة على المجلس، ما دامت "فتحة العداد" هي 86 نائبا موافقا.
رابعاً: وجود كتلة الجبهة بدون هذه المغامرة، يخدم الحزب على نحو عام، والكتلة في المجلس على نحو خاص، كون الكتل كافة بحاجة لكم، ولكن هذه الخطوة وترشحكم لرئاسة المجلس تبعد الكتل والمستقلين عن التعاون معكم أو مساندتكم مستقبلا، وسيبقى صوت أبو عماد، النائب الشعبي المحبوب الذي ينطق باسم هموم المواطن، صوتا صادحا يدعمه فيه النائب المفوه والعنيد والصلب ناصر النواصرة والدكتورة المبدعة المتواضعة ديمة طهبوب، وغيرهم من كتلة الجبهة، والحكومة لن تسمع ولن ترى ولن تتحرك حتى لو تحرك النواب الـ40 الذين يساندونكم.
خامساً: نعود والعود أحمد، إلى البيان الصادر عن كتلة الجبهة، ونقرأ في البيان عبارة ملغومة "ليأخذ مجلس النواب دوره بشكل كامل وفاعل في تحمل المسؤوليات الوطنية في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة العربية"، ونتابع ما جاء فيه "إن مجلس النواب من ركائز بناء الدولة وتحصينها وتعزيز حضورها، وإن قوته تعبر عن قوة المجتمع وإرادته، وهو قوة لكل سلطات الدولة في مواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات".
السؤال الذي يجول في الفكر، ويحتاج للغوص في العمق والتحليل، أن هذه عبارات قوية خطيرة تشير إلى احتمالين، الأول: وجود تحالف واتفاق بين الدولة وكتلة الجبهة على ترشيح العرموطي، لمواجهة تهديدات المترشح الجمهوري دونالد ترامب، وها هو قد فاز في الانتخابات، بحيث إن شعبية "الإخوان" الظاهرة (نصف مليون) أردني، والصامتين أضعافا، توحد الصف المجتمعي لمواجهة التحديات التي يقول عنها البيان، وتكون رسائل لأميركا وحلفائها، بأن الصوت الشعبي يقف ضد مخططات التهجير وابتلاع الضفة الغربية وتوسعها لصالح دولة الكيان، وفق تصريحات ووعود ترامب للجالية اليهودية في أميركا، وهذا تفكير سطحي خاطئ، لان ترامب شخصية عنيدة وصديق حميم لدولة الاحتلال، وسيحقق كل وعوده لإسرائيل، كما أن نتنياهو صديقه، لن يسأل أو يكترث لمظاهرة أو مسيرة أو خطاب أو شجب واستنكار او بيان عرمري من مجلس النواب أو من الإخوان المسلمين وفصائلهم والمحسوبين عليهم، وسيضع المجلس ورئيسه، الدولة في موقف محرج مع الأميركيين ورئيسهم المتهور العنيد الذي لا يتراجع عن قرار، ويواصل التنفيذ حتى ينتصر في النهاية.
هذه بعض تحليلات لشخصية الرئيس ترامب، والاحتمال الثاني أن ينسحب المترشحون لرئاسة المجلس والإبقاء على مترشح واحد، يدعم ويسند من الكتل كافة، لمواجهة كتلة حزب الجبهة، وإلحاق هزيمة بالمترشح العرموطي، برغم محبتهم له، ولكن المصالح تؤجل المحبة أخي أبو عماد، وبهذا يخسر حزب الجبهة قوته وشعبيته التي نالها بفوزه في الانتخابات. وهذا الاحتمال يذكرني بما جرى في تاريخ 12/12/2020، ذلك اليوم الذي أفشل حصول النائب النقابي المخضرم العرموطي على عضوية اللجنة القانونية، إذ حصل على أقل عدد من الأصوات، ولم يتمكن من الانضمام إلى اللجنة القانونية، وهذا كان موضع استهجان لما حصل معه، لإفشاله بدلا من التنازل له، وإفساح المجال للمعلم والخبير والقانوني والمحامي المعروف في اللجنة، ولكن أبعد نهائيا عن اللجنة القانونية؟
ماذا تغير أخي العزيز أبو عماد؟ اللاعبون نفسهم يديرون المشهد، في ظل هرولة لتحقيق المكاسب والمنافع، وانهيار مبك في منظومة القيم والأخلاق، وعدم احترام الكبير والأستاذ والمعلم والنقيب السابق والمحامي المخضرم.
وجرى ما جرى في مشهد دراماتيكي. فهل ترغب بأن تعيش اللحظة نفسها يا أخي العزيز أبو عماد؟ أو أن تعيش الكتلة أجواء فوز النائب أحمد الصفدي بمنصب النائب الأول للرئيس بـ86 صوتا مقابل 29 صوتا للنائب موسى أبو هنطش، والفارق أن العرموطي سيحصل على 40 صوتا مقابل 90 صوتا للصفدي على أقل تقدير؟
سادساً: عندما قررت الكتلة ترشيح النائب العرموطي لرئاسة المجلس، سؤال مهم تبادر للأذهان: لماذا لم تستنسخ كتلة العمل الإسلامي سيناريو مشاركة "الإخوان المسلمين" في المجلس النيابي الـ11 في العام 1989 في مختلف أعماله ولجانه وقراراته؟ لماذا لم يؤجل البحث في هذا الموضوع للسنة الثانية من عمر المجلس، على غرار ما جرى مع النائب الدكتور عبد اللطيف عربيات عليه رحمة الله، عندما ترشح لرئاسة المجلس في السنة الثانية من عمر المجلس، ولم تقبل الجماعة الترشح في السنة الأولى، وعرض عليهم الترشح، ولكنهم رفضوا رفضا قاطعاً حتى أن يبحث في الأمر، ولم يدخل الإخوان المسلمون من بدايات عمر المجلس في مناكفة وصراع وتنافس ومواجهة على رئاسته.
لا ننسى ظروف مجلس 1989، فهي تختلف كثيرا عما هي عليه في الوقت الحالي، إذ كان حكماء ورجالات الاخوان المسلمين اكثر حكمة وصبرا ودراية، واعمق في تقدير المواقف والظروف، مع محبتي وتقديري واحترامي للجميع.
والسؤال الأهم، ماذا سيقول المجتمع عن هذا الترشيح؟ سيقول أن حزب الجبهة تملكه الغرور بعد الفوز في الانتخابات، ويبحث الآن عن مواقع ومناصب قيادية، وانهم حزب الدولة، ولا يختلفون عن الأحزاب المدعومة حكوميا، والتي لا تخفي دعم الحكومة لها.
سابعاً: يخطئ منظرو الفكر السياسي والتخطيط الإستراتيجي لحزب الجبهة إذا كانوا قد وضعوا في أجندتهم بأن حصولهم على قرابة نصف مليون صوت في الانتخابات، يوجب عليهم فعل شيء أمام قواعدهم الانتخابية، ويجب أن ينافسوا على رئاسة المجلس، وإذا لم يحالفهم الحظ هذه المرة، فعمر المجلس أربع سنوات، وسيكررون المحاولة مرات أخرى. هذا التفكير سطحي جدا، فالعمل في لجان المجلس أهم بكثير لهم ويخدم الحزب والمجتمع، ولكن ما نلمسه بأن خسارة الكتلة في الفوز باللجان ستكون تحصيل حاصل ولو لم يغامروا هذه المغامرة، لكانت فرصتهم للمشاركة في اللجان كبيرة، وأيضا التحالف مع الكتل الأخرى على منصب النائب الأول أو الثاني لرئيس المجلس، ولكن جرى ما جرى ولكل جواد كبوة.
وبعد،،،
رحم الله شيوخنا وآبائنا وحكمائنا عندما كانوا يقولون "عد للعشرة" قبل الإقدام على تنفيذ أي خطوة أو اتخاذ قرار. يبدو أنكم يا كتلة الجبهة لم تعدوا لـ"الخمسة مش للعشرة"، قراركم خاطئ والتراجع عنه اليوم قبل الغد لمصلحتكم، إلا إذا كنتم ترونه يخدم الوطن، ولكن الأحزاب والكتل الأخرى ترى في ترشحها وتوافقها على مترشح واحد لرئاسة المجلس والمناصب الأخرى ولجان المجلس خدمة للوطن، ويبدو أن الكعكة قسمت بين الأحزاب المتوافقة، ولم تستفد كتلكم حتى من "حبة بيتي فور".
آخر الكلام،،،
جميع المؤشرات تؤكد أن كتلة الجبهة، ستخرج من "المولد بلا حمص.. هارد لك".. وللحديث أكثر من تحليل وبقية.

* أستاذ دكتور متخصص في علم الاجتماع

MENAFN10112024000072011014ID1108870130


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.