Wednesday, 06 November 2024 07:21 GMT



الدراية الإعلامية وصبيان الرقمية المغامرون

(MENAFN- Alghad Newspaper)
د. محمود أبو فروة الرجبي








رغم الجهود العظيمة التي تبذل لتأهيل الناس، وخاصة الطلبة منهم على صناعة محتوى إيجابي، وكي يصلوا إلى مرحلة التمييز بين الـمحتوى الجيد وغير الجيد، ولكنني غير متفائل لأننا في الغالب ما زلنا نتعامل مع الـموضوع بأدوات أثبتت عدم نجاعتها.
قبل أيام اختتمت أعمال المؤتمر الثالث عشر للأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، والذي نظمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (( اليونسكو)) بالشراكة مع وزارة الاتصال الحكومي، وبناء على هذا المؤتمر تم إطلاق ((إعلان عمان)) الذي ألقاه وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، ومساعد المدير العام لقطاع الاتصال والمعلومات في منظمة ((اليونسكو)) توفيق جلاصي.
وفي هذا الإعلان تم التركيز على ((تهيئة بيئة تعزز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، مع ضمان الحماية من مخاطر المعلومات المضللة والتلاعب الرقمي خاصة في أوقات الأزمات))، إضافة إلى ضرورة وضع ((سياسات وإستراتيجيات وطنية وإقليمية فاعلة لتعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية وإتاحتها للجميع))، وغيرها من النقاط التي لا يختلف عليها اثنان، ومع ذلك لا بد للدول كافة، أن تنتبه إلى بعض النقاط التي تساهم في تحويل ما ورد في هذا المؤتمر إلى خطوات فاعلة، تؤثر بشكل مباشر بالناس، وتؤدي إلى تحقيق أهدافه التي لا يختلف عليها اثنان.
يمكن تعريف ((الدراية الإعلامية)) ببساطة على أنها قدرة الناس على تحليل الـمعلومات الواردة اليهم من وسائل الاعلام المختلفة، ومنصات التواصل الاجتماعي، كي لا يقعوا في الخداع، أو التضليل، بينما تركز التربية الإعلامية على تزويد الناس بالمهارات اللازمة للتفاعل مع وسائل الإعلام، وتساعدهم على إنشاء محتوى إيجابي.
وفي ظل انتشار منصات التواصل الاجتماعي التي أعطت لكل إنسان دورين، دور المرسل وصانع الـمحتوى، إضافة إلى دور المتلقي، فإن هذه المفارقة صنعت الكثير من الإشكاليات، وأولها أن كثيرا من الناس أصبحوا صناع محتوى منتشرين جدا، دون امتلاك الحد الأدنى من الضوابط اللازمة لبناء مثل هذا الـمحتوى، وفي الـمقابل يتعرض الأفراد إلى طوفان من الـمحتوى الغث والسمين، دون امتلاك غالبيتهم القدرة على التمييز بين ما هو صحيح، ومضلل، وبين ما هو سيئ، ويؤثر بشكل سلبي على وجدان، وحياة المتلقي.
تزداد الدعوة إلى التوسع في تدريس التربية الإعلامية، وإفراد منهاج خاص بها في الـمدارس والجامعات، وهذا أمر جيد، لكن نقطة الاختلاف التي أضعها أمام المسؤولين، وصناع المناهج، أن الهدف العظيم الذي تسعى إليه التربية الإعلامية هو تحقيق نتاجات سلوكية، ومعرفية كبيرة، وهي تختلف عن أي منهاج آخر، وإذا عرفنا أن التعليم في الوطن العربي كله يعاني من مخرجات ضعيفة لا تنعكس عمليا في أي منهاج – في الغالب- فماذا سيحصل مع منهاج التربية الإعلامية، وهل سيحقق أول أهدافه وهو جعل الطلبة يصنعون محتوى إيجابيا، وفي الوقت نفسه ألا يقعوا ضحايا التضليل، وخطاب الكراهية، والتحيز، وغيرها؟
لو قسنا الـموضوع على المناهج الحالية في غالبية الدول العربية، فإن الطالب يأخذ حصصا في اللغة الإنجليزية والعربية يوميا، ومع ذلك لا يتمكن غالبية الطلبة من كتابة أو الحديث بثلاثة أسطر بطريقة صحيحة سواء باللغة العربية أو الإنجليزية.
وأنا أقولها بكل صراحة، لو تم تطبيق منهج التربية الإعلامية بالشكل نفسه الذي يتم التعامل به مع المناهج الأخرى التي تظهر نتاجاتها على شكل مهارات – مثل العربي والإنجليزي، فإن النتائج لن تكون إيجابية، وهذا طبعا ما لا نتمناه.
اقتراحي ببساطة أن يوكل تعليم وتدريب التربية الإعلامية إلى مؤسسات مستقلة، بعيدا عن الأجواء المدرسية، وأن يتم إنشاء جهة تقوم بهذا العمل، وتعين الـمعلمين والـمعلمات بأسلوب البحث عن كوادر بصفات أخرى مختلفة، تركز على الأسلوب العملي، وتكون مليئة بالحيوية والنشاط، وتعرف كيف تنقل الطالب من ملل الحصص إلى أسلوب التلقي الإيجابي القائم على التفاعل، والإنتاج الـمباشر للمحتوى، وبناء عقليته الناقدة.
لا نقصد بهذا المقال أن نقلل من الجهود التي يقوم بها المعلمون الـمعلمات على امتداد وطننا العربي الكبير، ولا مما تعمله وزارات التربية والتعليم، ولكننا نتحدث عن واقع، وأزمات، يجب التعامل معها بأسلوب مختلف، وفي الوقت نفسه ندعو إلى اعتبار التغيرات الرقمية الحاصلة في العالم، وكأنها مصنع ألغام يمكن أن تنفجر بنا على شكل فتن طائفية، ومناطقية لا سمح الله، فما دامت هذه المنصات الرقمية تعطي الفرصة لكل ما هب ودب أن ينشر ويبث ما يريد دون أي ضوابط، فلا أحد يعرف نتيجة ما يحصل على الجيل الحالي والأجيال المقبلة في وطننا العربي الكبير.
الأمن القومي العربي مهدد من صبيان الرقمية المغامرين، ولا يمكن أن نقف في وجهه سوى بتعليم جيد يستند إلى نتاجات حقيقية بعيدة عن التلقين، والحفظ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، لذلك يجب أن نتعاون جميعا لنتقي شرور ما يحصل في العالم الرقمي، لأن شعبنا العربي يستحق الأفضل، والله من وراء القصد.

MENAFN05112024000072011014ID1108853931


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار