Tuesday, 26 November 2024 06:27 GMT



الأمم المتحدة والدبلوماسية متعددة الأطراف.. لماذا تبقى أملنا الأفضل لتحقيق السلام؟

(MENAFN- Alghad Newspaper)

شيري ريتسيما-أندرسون

صادف الخميس الماضي الذكرى التاسعة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة. بالنسبة لي، كان هذا أحد أكثر أيام الأمم المتحدة صعوبة خلال السبعة عشر عاما التي قضيتها للآن مع المنظمة الأممية - وهذا يعبِّر عن الكثير.

لقد قضيت ما يقارب عقدين من الزمن في تقديم المساعدات الإنسانية في أسوأ الأزمات في العالم: في غزة والضفة الغربية، في العراق خلال هجمات داعش وإبادة الإيزيديين، وخلال الزلازل المتتالية في إندونيسيا، وفي فترة تفشي الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخلال إندلاع أزمتين للاجئين من السودان.


الموجة العارمة من العنف التي اندلعت في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023 أسفرت عن عواقب مروعة. الموت والدمار المتواصل في غزة والمعاناة الكبيرة للشعب اللبناني، وما يزال الرهائن محتجزين، وأصبحت الضفة الغربية المحتلة بؤرة للعنف والتوتر.


في شمال غزة، حيث ما يزال زميل عزيز لي هناك مع والديه المسنين، تكمن الحالة الأكثر سوادا في الصراع، مع قصف لا يتوقف، وحصار ومخاطر المجاعة. وصول المساعدات الإنسانية عبر غزة يكاد يكون معدوما، والهجمات على المدنيين، والأفراد (أشخاص أعرفهم بأسمائهم)، والبنية التحتية (أماكن عملت فيها) تتكرر. ويجري النظر بجدية في تشريعات يمكن أن تمنع وكالة الأونروا من مواصلة عملها الأساسي في فلسطين، خلافا لميثاق الأمم المتحدة، وذلك في البرلمان لدولة عضو الأمم المتحدة.

وفي لبنان، تعرضت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للهجوم، وأسفر العنف المتصاعد عن أزمة إنسانية كارثية.


على مدى عام كامل، أدان الأمين العام للأمم المتحدة وقادة الأمم المتحدة مرارا العنف، داعين إلى إنهاء المذابح والدمار، وإطلاق سراح جميع الرهائن بشكل فوري وغير مشروط، واحترام القانون الدولي، وتقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع.


ومع ذلك، فقد تعثرت الجهود الدبلوماسية. القانون الإنساني الدولي - الركيزة الأساسية لمسيرتي المهنية - قد تآكل. لقد تعرضت إنسانيتنا المشتركة للخيانة.


من السهل فقدان الثقة في ظل هذه الظروف. قد يسأل البعض: ما فائدة التعددية عندما تستمر الصراعات ويبدو أن الأمم المتحدة غير قادرة على منع أو إيقاف الحروب؟ هذه الأزمة في الثقة في التعاون الدولي تبرز بشكل خاص في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن، حيث تتأرجح المنطقة نحو أزمة أكبر. من المفهوم أن يتساءل الناس عما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على تقديم نتائج ملموسة.


ومع ذلك، أعتقد أن التخلي عن التزامنا بالتعاون المتعدد الأطراف ليس خيارا، ولا ينبغي لنا أن نفقد الأمل.

يوفر لنا التاريخ العديد من الأمثلة على أوقات تمكنت فيها الدبلوماسية، من خلال الأمم المتحدة، من تهدئة الأزمات التي بدت لا يمكن التغلب عليها، مما يؤكد أن التعددية تظل أفضل أمل لنا لتحقيق السلام.
ولدت الأمم المتحدة في عام 1945 من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، والتي أودت بحياة حوالي 50 مليون مدني، وتركت عشرات المدن في حالة خراب، وشتتت ما يصل إلى 200 مليون شخص عبر عدة قارات. كانت المعاناة البشرية هائلة، والمجتمعات مفككة، والسلام كان أملا هشا.


من هذه الرماد، تأسست الأمم المتحدة، وبرزت من خلال التصميم الجماعي لقادة العالم لمنع الإنسانية من تحمل أهوال العنف غير المنضبط مرة أخرى. لقد أسس ميثاق الأمم المتحدة مسؤولية مشتركة لحماية حقوق الإنسان، وتعزيز السلام، ومنع الحروب المستقبلية. وقد أرشدت هذه المبادئ المنظمة منذ تأسيسها، وما زالت ذات صلة حتى يومنا هذا، كما كانت قبل ثمانية عقود تقريبا.


يكفي أن نلقي نظرة على التاريخ لندرك أن الدبلوماسية يمكنها بالفعل أن تحدث فرقا - حتى في أحلك الأوضاع. خلال أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، عندما بدا أن الحرب النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وشيكة، وفّرت الدبلوماسية من خلال الأمم المتحدة منبرًا للتفاوض غير الرسمي الذي حال دون الكارثة في النهاية.

وبالمثل، حقق اتفاق الهدنة في الحرب الكورية عام 1953، الذي تم التوصل إليه من خلال مفاوضات توسطت فيها الأمم المتحدة، وقف إطلاق نار مستمر حتى يومنا هذا، رغم فترات التوتر. منذ عام 2022 إلى 2023، ساعدت مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، وهي خطة للأمم المتحدة لضمان وصول الحبوب الأوكرانية والمواد الغذائية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، في استقرار أسعار الغذاء ومنع المجاعة على مستوى العالم، وبرزت كمثال نادر على اتفاق بين الطرفين لتحقيق مصلحة عالمية.


تذكرنا هذه اللحظات بقوة الإنسانية عندما نتكاتف.
اليوم، ومع كون الشرق الأوسط عند مفترق طرق، تظل الأمم المتحدة المنصة الوحيدة في العالم للحوار الشامل، حيث يمكن لجميع الدول العمل معا، حتى عندما تكون منقسمة بشكل كبير. جمعيتها العامة هي المنتدى العالمي الوحيد، حيث تملك الدول الكبيرة والصغيرة مقعدا وصوتا متساويين.


على مدى ما يقارب عامين، شهدت بنفسي الدور الحاسم الذي تلعبه المملكة على هذا المسرح العالمي.

القيادة الأخلاقية للأردن تمثل نموذجًا للقيم التي تقف في صميم الأمم المتحدة، وهي تذكرة دائمة لي بأن السلام الحقيقي لا يعني فقط غياب الحرب، بل وجود التعاون والحوار والالتزام المشترك بالعدالة.


يعد عمل الأمم المتحدة مع الأردن نموذجا لما يمكن أن تحققه الشراكة متعددة الأطراف. تعمل تسع وعشرون (29) وكالة وبرنامج وصندوق تابع للأمم المتحدة بالشراكة مع شعب وحكومة الأردن لتحقيق أهداف مشتركة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وحماية كوكب الأرض، واحترام الكرامة الإنسانية.

في مختلف المحافظات، تعمل وكالات الأمم المتحدة على تعزيز التعليم، وتطوير الابتكار الزراعي، وزيادة الأمن الغذائي، وتحسين التنافسية الصناعية، وتعزيز خلق فرص العمل، ودعم تمكين الشباب والنساء اقتصاديًا، وحماية التنوع البيولوجي والتراث الثقافي، وأكثر من ذلك بكثير. تظل الأمم المتحدة شريكا ثابتا للأردن في تلبية احتياجات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وفي إرسال المساعدات إلى غزة والضفة الغربية ولبنان.


تؤكد شراكتنا والالتزام المشترك، حتى في ظل عدم الاستقرار الإقليمي، على الدور الفريد للأمم المتحدة في مساعدة الدول الأعضاء مثل الأردن على تحسين حياة الشعوب، وبناء القدرة على الصمود، وتعزيز الأمل.


الأمم المتحدة ليست مثالية، لكنها أساسية. المبادئ التي تدعم الأمم المتحدة - السلام، العدالة، حقوق الإنسان، ومنع النزاعات - ليست قيمًا يمكننا التخلي عنها. إنها توفر لنا بوصلة أخلاقية مشتركة، توجهنا نحو مستقبل يتمتع فيه الجميع بالكرامة والازدهار كحقوق أساسية. يظهر تفاني موظفي الأمم المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، الذين يعملون بإصرار، غالبًا ضد كل الصعاب، في ظروف مروعة وبمخاطر كبيرة على حياتهم، حقيقة قوية: أنه حتى عندما يبدو السلام بعيد المنال، فإن مهام وقيم الأمم المتحدة تظل لا غنى عنها، مما يوفر لنا سببًا للاحتفاظ بالأمل في عالم أفضل.


بينما نتأمل في 79 عامًا من حياة الأمم المتحدة، دعونا نستمد الأمل من دروس الماضي ونعترف بأن هذا هو الوقت لتأكيد التزامنا، وليس التخلي عنه، تجاه المبادئ التي تدعم المنظمة. دعونا ندرك أن تحقيق أهداف الأمم المتحدة العالية يتطلب العمل من الجميع. لدى قادة العالم التزامات محددة، لكن على المجتمع المدني والمجتمعات والأفراد أيضًا أن يساهموا.


يجب أن نقاوم إغراء فقدان الثقة. دعمكم للدبلوماسية والمبادئ والقيم التي تمثلها الأمم المتحدة بالغ الأهمية.


أدعوكم للانضمام إلي في تأكيد أهمية الأمم المتحدة. اليوم، كما كان في عام 1945، يحتاج عالمنا إلى الوحدة، والرحمة، والعزيمة التي لا يمكن أن تأتي إلا من خلال العمل الجماعي. دعونا نعمل معا نحو عالم تصمت فيه الأسلحة ويسوده السلام، والتعاون، والعدالة للجميع، بغض النظر عن جنسيتهم، عرقهم، دينهم، جنسهم، أو أعمارهم.

*المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن


MENAFN27102024000072011014ID1108822430


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية