Saturday, 21 December 2024 02:37 GMT



القيم الغربية تحتضر.. نقد أردوغان للحرب على غزة‏

(MENAFN- Alghad Newspaper) ‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة نوشيروان عادل*‏ - (مودِرن دبلوماسي) 27/9/2024
‏تشكل الأزمة الإنسانية في غزة إدانة صارخة لفشل البشرية، بينما يدفع الأطفال والنساء ثمنًا باهظًا، حيث يتردد صدى صوت أردوغان في أروقة السلطة.
* * *
‏لطالما كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أمد طويل نقطة اشتعال جيوسياسية. لكن التصعيد الأخير في غزة لفت الانتباه العالمي إلى الدمار الذي يتكشف في المنطقة. ومن بين القادة الذين عبروا عن آراء قوية بشأن الأزمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان أحد أشد منتقدي تصرفات إسرائيل في غزة. ويتحدث تصريحه الواضح -"ليس الأطفال فقط، ولكن منظومة الأمم المتحدة والقيم الغربية تموت في غزة أيضًا"- عن نقد أوسع للحكم الدولي والفشل الأخلاقي المتصور للدول الغربية في مواجهة الأزمة الإنسانية المستمرة.‏
‏انتقادات أردوغان: انعكاس لأزمة غزة‏
‏تعكس إدانة أردوغان للوضع في غزة وتداعياته الأوسع موقفه الذي يعلنه منذ وقت طويل كمدافع عن الحقوق الفلسطينية. وهو يرى أن الأزمة الحالية لا تقتصر على فقدان أرواح الأبرياء فحسب، بل تكشف أيضًا عن فشل المؤسسات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة، في منع العنف ودعم حقوق الإنسان.‏
لطالما تعرضت غزة لدورات متكررة من العنف، حيث تحمل سكانها المدنيون وطأة الصراع. وقد تأثر الأطفال، على وجه الخصوص، بشكل غير متناسب. ووفقًا لمنظمة "يونيسيف" ومنظمات إنسانية أخرى مختلفة، قُتل مئات الأطفال أو شوهوا، وفقد كثيرون آخرون إمكانية الحصول على الضروريات الأساسية مثل الغذاء والمياه النظيفة والتعليم. وتدعم هذه الحقائق إعلان أردوغان أن "الأطفال يموتون في غزة".‏
‏ومع ذلك، يوسع أردوغان إطار هذه المأساة إلى ما هو أبعد من الخسائر في الأرواح لتصل إلى الفشل الأخلاقي والمؤسسي. ويسلط تأكيده على أن "منظومة الأمم المتحدة والقيم الغربية تحتضر" الضوء على إحباطه من عدم قدرة المجتمع الدولي على -أو عدم رغبته في- وقف العنف.‏
الأمم المتحدة: نظام في أزمة؟‏
‏في القلب من نقد أردوغان يكمن دور الأمم المتحدة؛ المؤسسة التي أنشئت في الأساس للحفاظ على السلام ومنع الصراع. ويدعو ميثاق الأمم المتحدة صراحة إلى حماية حقوق الإنسان، وصون السلم والأمن الدوليين، وحل النزاعات من خلال الحوار والدبلوماسية. ومع ذلك، يشعر الكثيرون في غزة بأن الأمم المتحدة فشلت في الوفاء بولايتها وأدوارها الأساسية.‏
‏أحد أهم الانتقادات الموجهة إلى الأمم المتحدة في سياق الصراع في غزة هو هيكلية "مجلس الأمن" فيها. ويهيمن على مجلس الأمن، الذي يتمتع بسلطة فرض العقوبات، والتفويض بالتدخلات العسكرية، وتفويض بعثات حفظ السلام، خمسة أعضاء دائمين -الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والصين، وروسيا وفرنسا- التي تتمتع كل واحدة منها بحق النقض (الفيتو). وغالبًا ما كان هذا الحق في النقض حجر عثرة عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث استخدمت الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، حق النقض مرات لا تُعد ولا تحصى لإحباط القرارات التي يُنظر إليها على أنها غير مواتية لإسرائيل.‏
‏يتجذر انتقاد أردوغان لنظام الأمم المتحدة في هذا التصور للتقاعس عن العمل وعدم التوازن. بالنسبة للكثيرين، يدل عجز الأمم المتحدة عن إقرار تدابير فعالة لحماية المدنيين الفلسطينيين أو محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الواضحة للقانون الدولي على محدودية مؤسسة تعوقها المصالح الجيوسياسية.‏
‏وبالإضافة إلى القضايا الهيكلية داخل الأمم المتحدة، يشكل الافتقار إلى آليات للإنفاذ مصدر قلق رئيسيا آخر. ففي حين تم تمرير العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تدين الأعمال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإن هذه القرارات غالبا ما لا تنفذ. ويقوض عدم وجود عواقب لانتهاكات القانون الدولي -سواء من قبل إسرائيل أو غيرها من الجهات الفاعلة- مصداقية الأمم المتحدة وقدرتها على العمل كحكَم محايد في النزاعات العالمية.‏
تراجع القيم الغربية؟‏
‏يستهدف بيان أردوغان أيضًا السلطة الأخلاقية للغرب، وخاصة التزامه بحقوق الإنسان والديمقراطية. غالبًا ما تطرح الدول الغربية، وخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية، نفسها كأبطال لهذه القيم. وكانت هذه الدول عالية الصوت في حديثها عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في أجزاء أخرى من العالم، من أوروبا الشرقية إلى أميركا اللاتينية. ومع ذلك، في سياق الصراع في غزة، يجادل أردوغان وغيره من النقاد بأن الدول الغربية كانت انتقائية في دعواتها، وغضت الطرف عن معاناة الفلسطينيين.‏
‏إحدى النقاط الرئيسية التي يثيرها أردوغان هي عدم الاتساق في تطبيق القيم الغربية. على سبيل المثال، في حين سارعت العديد من الدول الغربية إلى فرض عقوبات أو التدخل عسكرياً في حالات انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن مثل ليبيا أو سورية، فإنها كانت أكثر تحفظًا عندما يتعلق الأمر بغزة. وأدى هذا الكيل بمكيالين إلى اتهامها بالنفاق وأجج مشاعر الاستياء، خاصة في العالم الإسلامي.‏
‏بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تم انتقاد تصوير وسائل الإعلام للصراع في الدول الغربية بسبب التحيز. في العديد من وسائل الإعلام الغربية، يميل التركيز إلى أن ينصب على المخاوف الأمنية لإسرائيل بدلاً من إبراز المحنة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة. وتسهم هذه الرواية في تعزيز الشعور الأوسع بأن الحكومات والمجتمعات الغربية تفشل في دعم قيمها المعلنة للعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.‏
دور تركيا ورؤية أردوغان للمنطقة‏
‏وضعت تركيا، تحت قيادة أردوغان، نفسها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط ومدافع قوي عن الحقوق الفلسطينية. وكثيرًا ما أدان أردوغان تصرفات إسرائيل في غزة، واصفًا إياها بأنها إبادة جماعية، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. كما كانت تركيا من أشد منتقدي "اتفاقيات إبراهيم"، التي شهدت قيام العديد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بحجة أن هذه الاتفاقيات تزيد من تهميش القضية الفلسطينية.‏
‏غالبًا ما توصف سياسة أردوغان الخارجية في المنطقة بأنها "عثمانية جديدة"، بطريقة تعكس دور تركيا التاريخي كقوة إقليمية خلال حقبة الإمبراطورية العثمانية. وقد سعت حكومته إلى توسيع نفوذ تركيا في الشرق الأوسط ووضع نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي، غالبًا من خلال الدعم العلني لحقوق الفلسطينيين وانتقاد إسرائيل. ولاقت هذه المقاربة صدى لدى الكثيرين في العالم الإسلامي، حيث ينظر إلى أردوغان على أنه أحد القادة القلائل المستعدين لتحدي إسرائيل والدول الغربية علنًا بشأن سياساتهم في غزة.‏
مع ذلك، أدى موقف أردوغان أيضًا إلى تغريب تركيا عن بعض حلفائها التقليديين في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل، التي كانت ذات يوم قوية نسبياً، بشكل حاد تحت قيادة أردوغان. ومع ذلك، أدى دفاع أردوغان المستمر عن القضية الفلسطينية إلى تعزيز شعبيته المحلية وساعد تركيا على كسب تأييد دول الشرق الأوسط الأخرى المتعاطفة مع محنة غزة.‏
‏الطريق إلى الأمام: دعوة عالمية للعمل‏
‏كان انتقاد أردوغان الحاد للأمم المتحدة والقيم الغربية في غزة بمثابة دعوة للمجتمع الدولي إلى العمل. وتسلط دورات العنف المتكررة في غزة، وفشل المجتمع الدولي في منعها، ضوءاً قوياً على الحاجة إلى حل شامل ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.‏
‏يتمثل أحد السبل المحتملة للتقدم في إعادة تنشيط حل الدولتين، الذي يتصور قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وفي حين أن حل الدولتين قد نوقش منذ عقود، إلا أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك توسيع إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية، جعلت من تحقيق هذه النتيجة صعبًا بشكل متزايد. ومع ذلك، أكد أردوغان وغيره من القادة على الحاجة إلى تجديد الدبلوماسية والضغط الدولي لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.‏
‏بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية، ثمة حاجة إلى آليات مساءلة أقوى داخل الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى. وإذا كان المجتمع الدولي جاداً في منع المزيد من العنف في غزة، فعليه أن يضمن مواجهة انتهاكات القانون الدولي بعواقب ذات مغزى، بغض النظر عن المصالح الجيوسياسية المعنية.‏
‏في الختام، يؤكد تصريح الرئيس أردوغان على أنه "ليس الأطفال وحدهم هم الذين يموتون في غزة، بل منظومة الأمم المتحدة والقيم الغربية" على التحديات العميقة التي تواجه المجتمع الدولي في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويشير نقده إلى إخفاقات الحكم العالمي، والتطبيق الانتقائي لحقوق الإنسان، والحاجة إلى نظام دولي أكثر إنصافًا وعدلاً. ومع استمرار الأزمة في غزة في بلا نهاية في الأفق، تعمل كلمات أردوغان كتذكير صارخ بالمسؤوليات الأخلاقية والسياسية التي يتعين على زعماء العالم أن يواجهوها في سعيهم إلى تحقيق السلام والعدالة.‏

‏*د. نوشيروان عادل‏ Dr. Nosherwan Adil: ‏باحث وأكاديمي؛ يحمل درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد، باكستان.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Western Values in Embers: Erdoğan's Gaza Critique

MENAFN01102024000072011014ID1108737605


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية