Tuesday, 10 September 2024 10:17 GMT



الأردن في مواجهة التصعيد.. استقرار الضفة الغربية ضرورة لأمن المنطقة

(MENAFN- Alghad Newspaper) د. حسن عبدالله الدعجة
يعد الأردن واحداً من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي، حيث يلتزم منذ عقود بمساندة حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الالتزام نابع من الروابط الجغرافية والتاريخية والاجتماعية بين الشعبين الأردني والفلسطيني، بالإضافة إلى المسؤولية الدينية والسياسية التي تتحملها المملكة تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وعلى الرغم من هذه المواقف الثابتة، يواجه الأردن تحديات متزايدة في ظل التطورات الحالية في الضفة الغربية والتغيرات الإقليمية والدولية.
ومنذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، شكلت القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأردنية. والملك عبد الله الثاني واصل نهج والده الراحل الملك حسين في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين ودعم حل الدولتين كحل عادل ودائم للصراع.
والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تضيف بعداً إضافياً لهذا الالتزام، حيث يعد الأردن نفسه الحامي للمدينة المقدسة وضامنا الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية.
مع ذلك، يواجه الأردن تحديات كبيرة نتيجة لالتزامه بدعم الفلسطينيين. أولى هذه التحديات تتمثل في الضغوط السياسية المتزايدة من قوى إقليمية ودولية تسعى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية. هذا التطبيع يشكل تهديداً مباشراً للجهود الأردنية، حيث يزيد من عزلة الموقف الأردني في وقت تتزايد فيه الضغوط على الدول التي لا تتماشى مع هذا التوجه.
التحدي الآخر الذي يواجهه الأردن يتمثل في الضغوط الاقتصادية. إن المواقف السياسية الأردنية، رغم دعمها الشعبي الداخلي، قد تؤثر على العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول التي تفضل التركيز على مصالحها الاقتصادية على حساب القضية الفلسطينية. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المملكة، يصبح الحفاظ على هذا التوازن بين الالتزامات السياسية والضرورات الاقتصادية مهمة معقدة.
يشكل التصعيد في الضفة الغربية تحديًا أمنيًا كبيرًا للأردن، حيث يتابع بتوتر التطورات المتصاعدة في المنطقة. ففي الفترة الأخيرة، ارتفعت حدة العنف والمواجهات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى سقوط أكثر من 660 شهيدًا، غالبيتهم من المدنيين، وإصابة ما يقارب 5500 شخص بجروح متفاوتة الخطورة. هذه الأرقام تعكس تصعيدًا خطيرًا في العنف لم تشهده الضفة الغربية منذ سنوات، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا على الاستقرار في المنطقة.
إلى جانب الأضرار البشرية، تتعرض البنية التحتية في الضفة الغربية لدمار واسع النطاق. القوات الإسرائيلية استهدفت بشكل متعمد المستشفيات والمراكز الصحية، مما أدى إلى تدمير بعضها وتضرر بعضها الآخر، مما يعيق بشكل كبير تقديم الرعاية الصحية للمصابين. كما تعرضت الطرق الرئيسية وخطوط المياه والصرف الصحي لأضرار جسيمة، مما يزيد من معاناة السكان ويصعب عليهم الحصول على الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية.
يُضاف إلى ذلك حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت أكثر من 7000 فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، في محاولة لكبح جماح المقاومة الفلسطينية المتزايدة. هذه الاعتقالات تأتي ضمن استراتيجية تهدف إلى تفريغ المنطقة من القيادات والنشطاء، مما يزيد من حالة الغضب والاحتقان بين السكان ويؤدي إلى مزيد من التصعيد.
فالتصعيد الإسرائيلي لم يتوقف عند هذا الحد، بل شمل أيضًا محاولات لتصعيب الحياة اليومية للفلسطينيين بهدف دفعهم إلى الهجرة القسرية من أراضيهم. فقد فرضت القوات الإسرائيلية قيودًا مشددة على حركة السكان والبضائع، مما أدى إلى تعطيل الاقتصاد المحلي وزيادة البطالة والفقر في المنطقة. هذه الإجراءات، بالإضافة إلى استمرار الحصار والإغلاق المتكرر للمعابر، تزيد من معاناة الفلسطينيين وتدفعهم إلى التفكير في الهجرة كملاذ أخير.
و حيث إن استقرار الضفة الغربية يعد ضروريًا لاستقرار الأردن نفسه، فالحكومة الأردنية تدرك تمامًا أن أي انهيار في الوضع الأمني بالضفة الغربية قد ينعكس سلبًا على الأردن، سواء من خلال زيادة التوترات على الحدود أو من خلال تدفق موجات جديدة من اللاجئين. بالإضافة إلى ذلك، تتسبب هذه الأوضاع في زيادة التحديات الإنسانية أمام الأردن، الذي يستمر في تقديم الدعم للفلسطينيين في مواجهة الحصار والاعتداءات.
إن تفاقم الأوضاع الإنسانية في الضفة الغربية لا يقتصر تأثيره على الداخل الفلسطيني فحسب، بل يمتد ليشكل تهديدًا أمنيًا وإنسانيًا للأردن والمنطقة بأسرها. ففي ظل هذه الظروف، يجد الأردن نفسه أمام مسؤولية كبيرة في مواصلة جهوده الدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه التعامل بحذر مع التحديات الأمنية التي تفرضها هذه التطورات المتسارعة.
ومع ذلك، يستمر الأردن في أداء دوره المهم في دعم القضية الفلسطينية. عبر المحافل الدولية، يسعى الأردن دائماً إلى حشد الدعم السياسي والمالي للشعب الفلسطيني، ويؤكد على ضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. الملك عبد الله الثاني يدعو باستمرار إلى ضرورة إيجاد حل سلمي عادل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ويشدد على أن السلام في المنطقة لن يتحقق إلا بحل القضية الفلسطينية.
على الرغم من هذه الجهود، يواجه الأردن تحديات مستقبلية كبيرة. فمن جهة، يجب عليه التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية التي قد تؤثر على القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، يتعين عليه مواجهة التحديات الداخلية المرتبطة بالضغوط الاقتصادية والأمنية. ورغم هذه التحديات، يبقى الأردن مصمماً على مواصلة دعمه للفلسطينيين، مؤمناً بأن الحل العادل والشامل هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم في المنطقة.
ما يجري في الضفة الغربية اليوم يشكل اختباراً حقيقياً للسياسة الأردنية. فتصاعد العنف والاحتلال الإسرائيلي المستمر يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم في عملية السلام، إلا أن الأردن، بثباته في موقفه الداعم للفلسطينيين، يظل أملاً للشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة. ومع استمرار التحديات، يبقى الأفق مفتوحاً أمام الأردن للعب دور أكبر في مستقبل القضية الفلسطينية، من خلال تعزيز علاقاته الدولية وتفعيل دوره في المحافل الإقليمية والدولية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين.

MENAFN10092024000072011014ID1108655182


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار