(
MENAFN- Alghad Newspaper)
معاريف
آنا برسكي
سطحيا، من الصعب إيجاد تلميح واضح وأكثر صراحة يشير إلى المستقبل القريب والمرير للمفاوضات على
صفقة المخطوفين من المؤتمر الصحفي الذي يعقده رئيس الوزراء بالضبط بالتوازي مع المفاوضات كي يعلن أن إسرائيل لن تتنازل عن محور فيلادلفيا أبدا أو على الأقل حتى نهاية حكم بنيامين نتنياهو. فعندما يفصل رئيس الوزراء ويعلل لماذا إصراره على البقاء في محور فيلادلفيا هو حاجة استراتيجية حيوية لأمن الدولة وليس نزوة
سياسية تهكمية، فإن الاستنتاج الواجب هو أن الصفقة ماتت وما نحن نراه في بث حي ومباشر هو في واقع الأمر احتفال دفنها.
منطقي بالتأكيد استخلاص استنتاجات متشائمة حول مصير الصفقة. فمثلا، من الرسالة المهددة التي أطلقها نتنياهو لحماس. في المؤتمر الصحفي كرر نتنياهو التهديد الذي أطلقه قبل ذلك في محفل مغلق، في جلسة الحكومة وبموجبه حتى الآن عملنا ضد حماس عسكريا فقط – أما الآن، فسنعمل على ضربها أيضا في الجانب السلطوي، بالتشديد على تغييرات دراماتيكية في توزيع المساعدات الإنسانية. صحيح أن نتنياهو لم يفصل ولكن محافل مطلعة رفيعة المستوى تشرح أن الحديث يدور عن تبني خطة البديل السلطوي المدني لغزة التي سبق أن نشرها وروج لها وزير الدفاع يوآف غالنت بتأييد من جهاز الأمن، قبل نحو نصف سنة.
وكان الاقتراح نقل السيطرة في المجال العام الى عشائر محلية ليست متماثلة مع حماس. في الشتاء، الفكرة رفضت.
رئيس الوزراء لم يكن مستعدا لتبنيها – والمشروع التجريبي الضيق في الميدان أثبت أن نتنياهو محق. فقد أوضحت حماس لكل الجهات المحلية أن كل من يتعاون مع إسرائيل ضدها – دمه في رأسه، بل وتجسدت الرسالة عندما قتل بضعة مشبوهين بالتعاون مع إسرائيل – والتقطت رسالة حماس بنجاح مدوٍ. فقد أوضح رؤساء العشائر لإسرائيل أنهم غير معنيين بأن يصبحوا شهداء قريبا – فانتهى المشروع التجريبي.
يتبين أن اليوم، بعد نحو نصف سنة تغير الوضع في غزة. صحيح أن حماس لم تختف لكن قوتها ضعفت جدا بما يكفي لأن يشعر كبار رجالات العشائر بثقة كافية لأجل استئناف المشروع التجريبي. ما يقف من خلف رسالة نتنياهو حول تغيير في توزيع المساعدات الإنسانية – هو عمليا النية لتبني الخطة الأصلية لجهاز الأمن ولوزير الدفاع. أحقا؟ كي يبدأ المشروع هذه المرة، بل وينجح على رجال العشائر أن يكونوا واثقين من أن حماس لن تستعيد قوتها بعد زمن قصير إلى هذا الحد أو ذاك.
بكلمات أخرى: ينتظر رجال العشائر أن يروا كيف تنتهي المفاوضات للصفقة. فتنفيذ الصفقة معناه بقاء حماس في القطاع. انهيار المفاوضات معناه بقاء الجيش الإسرائيلي. فقط إذا لم تكن صفقة – يكون ما هو حقيقي في أقوال رئيس الوزراء حول الجهات الأخرى التي ليست حماس والتي ستتلقى قريبا المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية. ولكن محافل عالية في المستوى السياسي تعتقد العكس. بزعمها، رسالة رئيس الوزراء حول المس سلطويا بحماس، ليست أكثر من خلق الإمكانية لحالة فشل الاتصالات.
بخلاف الرأي السائد، فإن نتنياهو لا يعارض الصفقة ولا يعمل على تفجير المفاوضات لأسباب سياسية. فتثبيت موقفه حول الأهمية الاستراتيجية لمحور فيلادلفيا معناه ليس حكم إعدام لصفقة المخطوفين.
وفي الوقت نفسه، ينبغي التدقيق: نتنياهو لا يتوق للوصول إلى صفقة، بل لا يعارضها مبدئيا وذلك – لأن دمج الوضع السياسي، الضغط الأميركي والبدائل الأمنية يحمله إلى الفهم أن عدم الوصول إلى صفقة هو الخيار الأسوأ – ومشكوك فيما إذا كان بوسعه، كرئيس وزراء إسرائيل، أن يسمح لنفسه أن يختاره ويختار التداعيات المرافقة له.
وعليه، فإن محافل في المستوى السياسي تقدر بأن السيناريو المحتمل للفترة القريبة المقبلة سيكون: "المنحى الأخير الذي سيضعه الأميركيون على الطاولة، والخطوة الإسرائيلية التي تؤدي إلى إقراره.
حسب التقديرات، فإن هذا المنحى الأخير في صيغة إما تأخذه أو تدعه – سيكون سيئا من ناحية إسرائيل وسيئا نسبيا للمنحى الحالي، الذي سبق لحماس أن رفضته. وحسب تلك التقديرات، فإن المنحى النهائي سيلغي المفاوضات التي بين مراحل الصفقة وسيطالب الطرفين أن يقرآ كل المراحل دفعة واحدة، حيث ستكون النتيجة النهائية إنهاء القتال وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.
أما المسؤولية عن محور فيلادلفيا، فسيقترح تسليمها إلى قوة متعددة الجنسيات، بهذه التشكيلة أو تلك. قادة حماس وعلى رأسهم يحيى السنوار، سيحصلون أغلب الظن على ضمانات ألا يصفوا. كما تقدر هذه المحافل بأنه إذا ما رفضت إسرائيل المقترح، فسينتقل الأميركيون من الجزر إلى العصي.
مثلا لن يستخدموا الفيتو في مجلس الأمن على مشاريع قرارات ضد إسرائيل وسيعمقون عزلتها السياسية.
فماذا سيفعل بنيامين نتنياهو في هذه اللحظة إذن، حين يكون المنحى الأخير موضوعا أمامه كمسدس على الطاولة، بعد الحملة الإعلامية عن ضرورة بقائنا في محور فيلادلفيا؟ نعود ونشدد على أن لا نحن ولا المحافل المطلعة، مهما كانت رفيعة المستوى يمكنها توقع ما سيحصل بعد ذلك. لكن التقدير هو أنه في لحظة الحقيقة سيعمل نتنياهو حسب النهج المعروف لرئيس المحكمة العليا الأسبق اهرون باراك. آنذاك عندما آيد القاضي باراك جوهريا قرار المحكمة الذي اعتبر محافظا، لكنه لم يكن معنيا بالتصويت له بشكل علني – حرص على أن يجند أغلبية تؤيد القرار فيما هو نفسه يبقى في رأي الأقلية ويصوت ضده.
مسؤولون كبار في الحكومة يقدرون أنه في حالة إنضاج الصفقة سيطرحها نتنياهو على التصويت – لا في الكابنت، بل في كل الحكومة. وزراء عظمة يهودية والصهيونية الدينية سيعارضون، الوزراء الحريدون سيؤيدون، وزراء الليكود سينقسمون – والصفقة ستحظى بالأغلبية اللازمة. بالضبط مثلما شرح نتنياهو هذا، في المؤتمر الصحفي قبل ثلاثة أيام، في سياق غالنت: "مشروع أن تصر على رأيك أثناء المداولات، لكن في اللحظة التي يتخذ فيها القرار يكون ملزما للجميع.
MENAFN04092024000072011014ID1108637303