Sunday, 11 August 2024 06:31 GMT



العفويون والإدراك الحقيقي

(MENAFN- Al-Anbaa) يلاحظ أن في عصرنا هذا اختلاطا مهولا لمعايير مختلفة وانقلابا كبيرا لموازين متعددة يفترض أن تكون هي الحاكمة في المجتمعات المتطورة فكريا، الشيء الذي يستدعي الكثير من العمل لتصحيح التصورات السائدة حاليا وتعديل التفكير المعطوب والسلوك غير السوي، فإن تركت الأمور على هذا الحال حتما ستؤدي بالبشرية إلى درب المهالك التي لا يمكن تداركها.
إن التطرق إلى ما يلزمه التقويم في تصورات الإنسان البعيدة عن الحقيقة أمر بالغ الأهمية خصوصا ما يتعلق بالمغالطات المنتشرة، فمثلا نجد العفوية باعتبارها من المواضيع الشائكة التي تتطلب إعادة النظر في الأحكام المسبقة القائمة عليها، فالأفكار المتداولة عليها معظمها خارجة عن نطاق الإدراك الحقيقي الصائب، الشيء الذي يفرض استحضار حيثيات العفوية ومقتضياتها. والسؤال الرئيسي هنا: لماذا يعتبر العفويون أكثر الناس نقاء في هذا الزمن المليء بالمتكلفين وأصحاب الأقنعة؟
تعد العفوية من الصفات البشرية التي تتناغم مع الضمير الإنساني، فبوجودها ترتفع يقظة الذات، وبها يستطيع المرء النجاة بذاته من اجتياح الخبث وفساد الأخلاق، ولم تكن ولن تكون أبدا العفوية في تصورها الصائب تعني التكلم في كل الأمور دون تفكر وتدبر، وإلقاء الكلام على عواهنه، والتصرف بحربائية وتكلف لأي سبب سواء بهدف المكر والخداع أو لشيء آخر، فلا شك أن هذا التصور لا يدخل في نطاق المفهوم الصحيح والحقيقي للعفوية.
ولا يعني التعامل بالعفوية القيام بتصرفات اعتباطية تخلو من التفكير المتعقل، بل يعني التصرف بسلوكيات لا تشوبها شبهة تصنع أو نفاق، فليس بإمكان الجميع التعامل بمصداقية وصفاء نية، يقول الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد: «تعتبر العفوية فنا في حد ذاتها».
والكلام هنا بالذات عن العفويين الذين يحكم قولهم وفعلهم الفكر المتزن والعاطفة السليمة والإحساس النبيل، أما الأشخاص الذين يتصفون بالبلادة والرعونة فلا يدخلون في دائرة الحديث، فالعفوية لا تجعل الأشخاص ساذجين مليئين بالغباء وقلة الوعي والتسرع في إطلاق الاحكام والكلام، في المقابل لا يمكنها أن تمنع من الوقوع ضحية النفوس الخبيثة التي تسلط على العفويين انتقاداتها القاسية وتعليقاتها السلبية بغية تحطيم صورتهم البراقة.
العفويون أنقياء لأنهم يتعاملون مع الآخر بوجه حقيقي، فالعفوية ولدت معهم ولا تتبدل مهما تغير الناس حولهم وجاروا عليهم، ولا يبخلون عن استقبالنا بابتسامتهم المشرقة التي تنثر وهجا جميلا تجعلنا نحس بنقاء قلوبهم المعطاءة بكل شفافية تامة، ولما يعطونه للحياة من معنى وبعد بهي.
العفويون هم أصحاب الرأي الواضح والقلب الشفاف بغض النظر عن مستواهم الفكري وتحصيلهم العلمي ومركزهم الاجتماعي، فكل ما يخرج من قلوبهم لا يحتاج الى التنقية والتجميل سواء كان كلاما أو إحساسا أو فعلا، وبطبعهم هم بشر بسطاء لا يتصنعون الكلام والمجاملات ولا يبحثون عن الردود ولفت الأنظار، بل يسعون دائما إلى الرفع من قدر ذواتهم، وأستحضر هنا قول الكاتب الأميركي هنري ميلر:
«إن النضج يكتمل عن طريق التصرف بتلقائية وعفوية دون التقيد بقوانين معينة».
عيشوا حياتكم بكل تلقائية وكونوا دائما معتزين بعفويتكم ما دامت تنبع من صفاء نيتكم ونقاء سريرتكم.

MENAFN10082024000130011022ID1108540288


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية