Thursday, 08 August 2024 07:24 GMT



انهيار الإثنين الأسود

(MENAFN- Alghad Newspaper) د. حيدر المجالي*

ماذا يحدث في عالم المال والأسواق العالمية؟
شهدت الأسواق المالية العالمية خلال الأسبوع الماضي حالة من الاضطراب وعدم اليقين، بسبب مخاوف من حرب عالمية ثالثة، والتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، مما أدى إلى عمليات بيع تاريخية أدت إلى انهيارات مالية كبيرة وموجعة وهبطت أسواق الأسهم بأكثر من 10 % بعد الانتعاش القوي الذي شهدته في الفترات الماضية وبخاصة أسهم التكنولوجيا. وقد شهد العالم المالي أحداثا عنيفة أثرت سلبا على أداء الأسواق وتسببت بخسائر ترليونية قاسية أسهمت في تبخر أكثر من 3 تريليونات دولار من قيمة أسواق الأسهم بسبب الخسائر الضخمة التي منيت بها مع بداية تعاملات الأسبوع.
وارتفع مؤشر الخوف والقلق إلى أعلى مستوياته خلال 4 سنوات، بأكثر من 120 % عن الأسبوع الماضي وكان مؤشر ((Nikke 225)) الياباني الأكثر انخفاضا بخسارة بلغت 620 مليار دولار من قيمته السوقية، وفقاً لتقارير ((العربية Business))، بالإضافة إلى خسائر لكافة الأسهم اليابانية الأخرى. كما خسر مؤشر MSCI للأسواق الناشئة 504 مليارات دولار، بالإضافة إلى خسائر بأكثر من 300 مليار دولار لمؤشر Stoxx 600 الأوروبي. أما في أميركا فمع افتتاح الأسواق الأميركية على خسائر الأسبوع الماضي، فقد اتسعت دائرة الخسارة بصورة كبيرة، حيث وصلت لأكثر من تريليوني دولار، وأصبحت القيمة السوقية لأكبر 9143 شركة حول العالم 101.8 تريليون دولار انخفاضا من 103.8 تريليون دولار. وقد أشار الخبراء الماليون أن هذه الخسائر تعد الأكبر منذ جائحه كورونا.
وقد شهدت الأسواق المالية العالمية حالة ذعر وموجة بيع عنيفة على الأسهم والعملات المشفرة بسبب المخاوف المتزايدة من عمليات الكاري تريد Carrey Trade منذ الأسبوع الماضي بعد رفع الفائدة في اليابان وارتفاع الين لمستويات 143 ين للدولار بالإضافة الى بيانات الوظائف الأميركية المتواضعة وقرار الفيدرالي الأميركي بتثبيت أسعار الفائدة وضعف مؤشرات اداء الاقتصاد الأميركي بشكل عام مما زاد من حدة الذعر في الأسواق الماليه فانخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 18.2 % في يومين وانخفاض بنسبة 12.4 % يوم الاثنين في أسوأ أداء للسوق منذ 1987 وكذلك فقدت الأسواق الأميركية 7 تريليونات دولار من قيمتها السوقية خلال الأسبوع الماضي وتراجعت بورصات وول ستريت بخسائر كبيرة وداوو جونز وS&P500 بأكثر من 4.3 % وناسداك 6 %. أيضا وانهارت العملات الرقمية والمشفرة بشكل كبير وتم تصفية أكثر من مليار دولار في 24 ساعة في حين انخفضت قيمة عملة البيتكوين وسجلت خسارة فاقت 270 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد.
ما شهده العالم من انهيارات للأسواق المالية ليس الأول فقد سبقته نكسات مالية بارزة منذ حوالي 100 عام من أبرزها انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929 (الكساد الكبير) بانهيار بورصة نيويورك وتلاه انكماش اقتصادي حاد وطويل في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب المضاربات المفرطة وعدم الاستقرار الاقتصادي مما أدى إلى تغيير السياسات الاقتصادية والمالية العالمية بشكل جذري. وكذلك أزمة الديون السيادية في أوروبا (2010-2012) والتي بدأت بأزمة الديون في اليونان وامتدت إلى دول اخرى مثل إيطاليا، إسبانيا والبرتغال وتسببت في تقلبات كبيرة في أسواق الأسهم والسندات الأوروبية وأدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة البطالة. وأيضا أزمة الرهن العقاري في أميركا (2007-2009) التي بدأت بانهيار سوق الرهن العقاري وامتدت إلى الأسواق المالية العالمية وأدت إلى انهيار مؤسسات مالية وتسببت في أزمة اقتصادية عالمية. واخيرا فقاعة الإنترنت (2000-2001) التي بدأت بانهيار أسهم شركات التكنولوجيا والإنترنت نتيجة مضاربات مفرطة وتقييمات مبالغ فيها لشركات الإنترنت مما أدى إلى خسائر ضخمة للمستثمرين وتباطؤ النمو الاقتصادي حينه.
اما بخصوص الذعر المالي السائد فقد غذته أسباب اقتصادية وسياسية مختلفة تتمثل في التوترات الجيوسياسية وتصاعد حدة التوتر مع إيران وروسيا والصين، وأزمة الشرق الأوسط التي زادت المخاوف بشأن احتمال اندلاع حرب واسعة وكذلك التوترات في أوروبا الشرقية والنشاط العسكري المتزايد. والمواجهة في المحيط الهادئ والمتمثلة يالوجود العسكري المتزايد ناهيك عن الضغوط الاقتصادية بسبب ضعف الاقتصاد الأميركي وانخفاض عوائد السندات إلى دون المتوقع وارتفاع التضخم والأجور الراكدة وكذلك انكماش الاقتصاد الصيني المنشغل مؤخرا بقضايا الرهونات العقارية.
وفيما يتعلق بالإستراتيجيات التي ممكن اتخاذها للاستعداد لتقلبات الأسواق المحتملة في المستقبل فتشمل التنويع والاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول المختلفة مثل الأسهم والسندات والعقارات والسلع والمحافظة على سيولة كافية للتعامل مع أي انخفاضات مفاجئة وإدارة المخاطر باستخدام أدوات تحوط مدروسة ومثبتة مثل الخيارات والعقود الآجلة لتقليل التعرض للمخاطر في حالة هبوط الأسواق وكذلك التركيز على الاستثمارات الطويلة الأجل والأصول ذات الجودة العالية والتي من المتوقع أن تحقق عوائد جيدة على المدى الطويل بدلا من التركيز على المضاربة قصيرة الأجل. ومراقبة الاتجاهات الاقتصادية والسياسية ومتابعتها للتنبؤ بالتقلبات المحتملة وأخيرا التنويع الجغرافي بالاستثمار في أسواق وأصول مختلفة جغرافيا.
وفيما يخص سياسات التحوط فعادتة ما يستخدم المستثمرون أدوات مختلفة للتحوط ضد المخاطر في الأسواق المالية منها انظمة الخيارات (Options) التي تعطي المستثمرين الحق، ولكن ليس الالتزام، بشراء أو بيع أصل معين بسعر محدد في تاريخ مستقبلي. أو العقود الآجلة (Future Contracts) وهي اتفاقيات ملزمة لشراء أو بيع أصل معين بسعر محدد في تاريخ مستقبلي. أو المبادلات (Swaps) والتي تعد اتفاقيات تبادل تدفقات نقدية بين طرفين وفقا لشروط محددة. أو العقود المستقبلية (Forwards) وهي اتفاقيات ملزمة لشراء أو بيع أصل معين بسعر محدد في تاريخ مستقبلي. أو أدوات التنويع (Diversification) مثل الاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول من قطاعات مختلفة.
اما بخصوص آليات تجنب الأزمات المالية فهناك طرق عديدة مجربة ومعتمدة دوليا أهمها تعزيز الإشراف والرقابة على القطاع المالي ووضع قوانين وقواعد أكثر صرامة وفعالية للحد من المخاطر وتعزيز الشفافية والإفصاح في الأسواق المالية وتحسين قدرات الجهات الرقابية على المراقبة والتحليل. وتطوير سياسات مالية ونقدية أكثر فعالية لمواجهة التقلبات الاقتصادية بالإضافة إلى تعزيز الثقافة المالية والوعي لدى المستثمرين وتعزيز التدريب والتأهيل المالي للمستثمرين وزيادة الوعي بالمخاطر المحتملة وتحسين قواعد الحماية وتسوية المنازعات. وتفعيل التعاون والتنسيق الدولي وتطوير أطر تنظيمية وإشرافية متناسقة على المستوى الدولي لتسريع تبادل المعلومات والبيانات بين الجهات الرقابية والتعاون لإيجاد حلول دولية لمواجهة الأزمات المالية العابرة للحدود.
في الختام نعلم أن أسواق الأسهم العالمية وصلت لمستويات مرتفعة مؤخرا مما دفع المستثمرين للخروج والاتجاه لسوق السندات المضمونة مثل سندات الخزانة الأميركية ذات أجل الـ 10 سنوات الأمر الذي أدى إلى حدوث مضاربات كبيره لتعديل الأسواق حيث كانت معظم هذه المضاربات وهمية وغير حقيقية لاعتمادها أنماطا مختلفة من العقود المالية لجني الأرباح مثل كاري ترايد carry trade وبيوع المستقبل future deals وغيرها من العقود السائدة. وبالرغم من هذا التسونامي المالي إلا أنه من غير المرجح أن يحدث ركود اقتصادي أو يستدعي تدخلا طارئا للفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة علما أن مؤشرات السوق تتوقع خفض معدل الفائدة بواقع 50 نقطة أساس في شهر سبتمبر القادم مما قد ينعش الأسواق المالية المتعطشة للتصحيح بشكل تدريجي.


* خبير الاقتصاد والتمويل

MENAFN08082024000072011014ID1108531012


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار