Monday, 05 August 2024 12:19 GMT



قدرة التجارة على استعادة دورها في الحد من الفقر

(MENAFN- Alghad Newspaper) سيباستيان ديسوس*

زادت حركة التجارة الدولية بصورة كبيرة مع تعافي العالم من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا. وفي عام 2022، ارتفعت قيمة السلع والخدمات المتداولة بنسبة 24 % عما كانت عليه في عام 2019، قبل تفشي الجائحة. وأكد تقرير مراقبة التجارة الصادر عن البنك الدولي أن حركة التجارة قد توقفت في 2023، وحققت بصعوبة مكاسب بلغت 0.1 % زيادة عن العام السابق. وتطلب الأمر تحقيق معدلات نمو قوية في تجارة الخدمات للتعويض عن أول تراجع في حركة تجارة السلع منذ 20 عاماً بعد فترة الركود.
إلى أين نتجه من هنا؟ يتوقع أحدث تقرير للبنك الدولي عن الآفاق الاقتصادية العالمية أن تتعافى التجارة قليلاً في عامي 2024 و2025 مع معاودة أنماط النشاط الاقتصادي التي كانت سائدة قبل الجائحة. ومن المتوقع أن تعكس التجارة النمو الضعيف المتوقع في الناتج والاستثمار على المستوى العالمي.
ومن ناحية أخرى، قد يقول المتشائمون إن عام 2023 يمثل بداية واقع جديد للتجارة في عالم يعاني بشدة من التوترات الجيوسياسية، والصدمات المرتبطة بالمناخ، وزيادة تدابير الحماية في الاقتصادات المتقدمة والكبيرة. ويسبب هذا السيناريو القاتم متاعب للبلدان النامية التي تحتاج إلى التجارة والاستثمار الأجنبي والمشاركة في سلاسل القيمة العالمية للقضاء على الفقر وضمان تحولها الأخضر.
ومع ذلك، هناك ما يدعو إلى التفاؤل. تشير ثلاثة محركات إلى أن التجارة الدولية يمكن أن تستعيد دورها كقوة دافعة لخلق فرص العمل والحد من الفقر.
المحرك الأول هو القدرة الملحوظة لسلاسل القيمة العالمية والإقليمية على مواجهة الصدمات، حيث أدت هذه السلاسل دوراً رئيساً في مساعدة العديد من البلدان النامية على الاستفادة من التجارة لتحقيق التنمية في العقود الأخيرة. وعلى الرغم من أن العقوبات المفروضة على روسيا وجهود الولايات المتحدة للانفصال عن الصين قد أدت إلى خفض حركة التجارة المباشرة بين هاتين الكتلتين، فقد أدت حركة التجارة غير المباشرة والإقليمية في الغالب إلى التعويض عن هذا التراجع، واستمرت البلدان النامية في التبادل التجاري مع التكتلات المختلفة. وهذه القدرة على الصمود توضح أنه ليس من السهل إطلاق القدرة الكاملة لسلاسل الإمداد العالمية التي تم بناؤها على مدار عقود لخدمة الشركات والزبائن على أفضل وجه في جميع أنحاء العالم وسط الصدمات المختلفة.
والمحرك الثاني هو النمو القوي للتجارة في الخدمات، لاسيما تلك التي تُقدّم بصورة رقمية، على الرغم من ارتفاع مستويات القيود. وتحقق التجارة في الخدمات فرصا هائلة لزيادة فرص العمل وتحسين نوعيتها في البلدان النامية، وتزيد من القدرة التنافسية للصادرات من خلال استيراد الخدمات التي تتسم بالكفاءة لدعم أنشطة الأعمال، وهذه الخدمات بدورها تمثل مدخلات لسلع وخدمات أخرى.
أما المحرك الثالث فهو نمو حركة التجارة المرتبطة بالمناخ. واقع الحال أن تغير المناخ، والسياسات الرامية إلى مواجهته، يعيدان بالفعل توزيع المزايا النسبية، وستسهم مكاسب التخصص التي قد تتحقق في خفض انبعاثات غازات الدفيئة بصورة كبيرة. ويمكن خلق تدفقات تجارية جديدة من خلال توظيف الاستثمارات على نحو صحيح في البلدان التي تقدم هذه المزايا النسبية الخضراء الجديدة. وعلاوة على ذلك، فإن الطفرة المتوقعة في الطلب على السلع البيئية مثل الألواح الشمسية ستحقق فرصاً تجارية وإمكانات كبيرة لتطوير سلاسل قيمة خضراء عالمية وإقليمية جديدة، من استخراج الليثيوم إلى تجميع المركبات الكهربائية.
لكن ينبغي ألا تجعلنا هذه المحركات في حالة تراخٍ. وحتى يتسنى الاستفادة منها، ينبغي اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب جميع الأطراف الفاعلة في حركة التجارة.
وعلى البلدان النامية تحسين وتطوير بنيتها التحتية التجارية، لا سيما الطرق السريعة، والإجراءات الجمركية، وما إلى ذلك، والأنظمة اللوجستية للوفاء بمعايير الثقة والاعتماد المطلوبة في معظم أسواق التصدير. ولمواصلة النفاذ إلى هذه الأسواق، سيتعين عليها أيضا الوفاء بمعايير جديدة صارمة للاستدامة البيئية.
وعلى جانب السياسات، يمكن للبلدان النامية تحسين قدرتها التنافسية والانضمام إلى سلاسل القيمة الخضراء الآخذة في التطور من خلال خفض الحواجز أمام واردات التكنولوجيا والخدمات البيئية. وعليها أن تحجم عن اتخاذ تدابير انتقامية ضد إجراءات الحماية التي تطبقها الاقتصادات الأكثر تقدماً، حيث لن تؤدي مثل هذه التدابير إلا إلى إحجام الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي. ولكن الأجدر هو تعميق التكامل الإقليمي من خلال حل المشكلات فيما وروء الحدود المتعلقة على وجه الخصوص بالمنافسة والاستثمار، مع ضمان اتساق اتفاقيات التجارة التفضيلية مع القواعد العالمية الحاكمة. وقد تنظر أيضاً بعين الاعتبار في تعزيز بيئتها التنظيمية الداعمة، على سبيل المثال، حماية البيانات الشخصية والقواعد المنظمة لتدفقات البيانات عبر الحدود، لتعزيز التجارة الرقمية عندما تصبح أكثر أماناً.
ومن جانبها، ينبغي للاقتصادات المتقدمة أن تضمن ألا تؤدي التدابير الطموحة للغاية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة في جميع مراحل سلاسل القيمة - مثل فرض رسوم على واردات السلع ذات المحتوى الكربوني المرتفع نسبيا أو سياسات مكافحة إزالة الغابات- إلى تقييد وصول الشركات في البلدان النامية إلى الأسواق دون مبرر. ومن الضروري أن تضمن الاقتصادات المتقدمة الاتساق بين المعايير البيئية وآليات الامتثال لتجنب خلق اللوائح التنظيمية المعقدة والمتشابكة والمتناقضة للغاية. كما أن هناك مخاطر عالية تتمثل في استقطاب التجارة بين الكتلة الخضراء والكتلة البنية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب غير مؤكدة بالنسبة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وعلى البلدان المتقدمة والنامية معاً أن تتبنى المنافع والخدمات العامة في هيكل التجارة العالمية، لا سيما دعم التكنولوجيات الخضراء والتجارة الأكثر تحررا في السلع والخدمات البيئية، مع الاستمرار في منع استخدام الدعم فقط لتحقيق مكاسب تنافسية. وسيلزم أيضا تعزيز التعاون التنظيمي في مجال الخدمات وتسريع وتيرة المعونة من أجل التجارة للتصدي للمعوقات التي تعترض حركة التجارة في البلدان النامية.
وأخيراً، يتطلب تنشيط حركة التجارة تحديث الوظائف الأساسية للنظام التجاري القائم على القواعد، مع مراعاة الشواغل الآخذة في الظهور في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. وسيضمن ذلك تحقيق تكافؤ الفرص وسيسمح للبلدان النامية بالتقيد بالتزاماتها بشأن إصلاح السياسات في إطار اتفاقيات التجارة ذات المصداقية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

* مدير وحدة التجارة العالمية والتكامل الإقليمي في البنك الدولي

MENAFN04082024000072011014ID1108515483


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار