(
MENAFN- Alghad Newspaper)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بروس هوفمان* - (مجلس العلاقات الخارجية) 14/6/2024
جعلت إسرائيل من القضاء على التهديد الذي يأتي من الحركة الفلسطينية المسلحة التي تعمل في غزة هدفاً مركزياً للحرب، ولكن ليس من الواضح تماماً عند أي نقطة سيتم الوفاء بهذا الشرط.
* * *
ماذا نعرف عن وضع حماس كقوة مقاتلة في هذه المرحلة من الحرب؟
لا شك في أن حماس عانت من ضربة موجعة، لكنها ليست ساحقة، نتيجة للعمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة. ويقال إن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن لدى حماس الآن ما بين 9.000 و12.000 مقاتل -حوالي نصف العدد الذي كان لديها في بداية الحرب. وهذا يعني أن الحركة الفلسطينية المسلحة يمكنها نشر ما بين 12 و15 كتيبة، وهو عدد أكبر بكثير من حفنة الكتائب القليلة التي قالت إسرائيل إنها تبقت من الحركة لتبرير عملياتها المستمرة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. ومن جانبها، تدّعي حماس أنها لم تفقد أكثر من ستة آلاف رجل. وبالنسبة لحركة تعتمد في بقائها على الأنفاق، ربما بقي ما يصل إلى 80 في المائة من أنفاق حماس سليمة اعتبارًا من كانون الثاني (يناير) 2024.
وفقًا للرئيس الأميركي جو بايدن، فإن حماس "تم تدميرها" و"لم تعد قادرة على تنفيذ هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)". وهذا بلا أي شك متطلب أساسي لتحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية من شن هذه الحرب في المقام الأول. لكنّ السؤال الكبير هو ما إذا كان تحقيق هذا المتطلب كافيًا. ويقترب هذا من ادعاء الولايات المتحدة في العام 2002، على سبيل المثال، بأن تنظيم القاعدة لم يعد قادرًا على شن هجوم آخر شبيه بهجوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو ما يعني بالتالي أن التهديد الذي تشكله المجموعة الإرهابية تراجع بما فيه الكفاية بحيث أصبح وقف إطلاق النار ممكنًا. وفي حالة إسرائيل، طالما بقيت القيادة العليا لحماس على قيد الحياة وبقيت لدى الحركة نواة من المقاتلين المخضرمين المتمرسين في القتال، ستعتبر إسرائيل أن الحركة الفلسطينية المسلحة في وضع يسمح لها، على أقل تقدير، بالاستمرار في إطلاق الصواريخ والقذائف على المجتمعات الإسرائيلية، ومضايقة "جيش الدفاع الإسرائيلي" الذي يعمل في غزة، والتخطيط لهجمات أكثر خطورة.
ما هي قدرات الحركة في هذه المرحلة؟
قبل أسبوعين من تاريخ كتابة هذه السطور، عندما كانت قواتها محاصرة وتحت ضغط شديد من جيش الدفاع الإسرائيلي، تمكنت حماس من إطلاق ما لا يقل عن ثمانية صواريخ من رفح على إسرائيل. وبذلك، من الواضح أن الحركة تحتفظ بالقدرة على تهديد إسرائيل ومضايقة مواطنيها، والتي ستستمر وتزداد فقط إذا لم تحقق إسرائيل، على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هدفها المعلن كثيرًا والمتمثل في تحقيق "النصر الكامل على حماس".
وفي الحقيقة، رداً على صياغة بايدن لاقتراح جديد لوقف إطلاق النار في 31 أيار (مايو)، ضاعف نتنياهو من التأكيد على التزام إسرائيل الحتمي بتحقيق هذا الهدف، معلنا أن "إسرائيل ستواصل الإصرار على تحقيق هذه الشروط قبل أي وقف دائم لإطلاق النار. إن فكرة أن إسرائيل ستوافق على وقف دائم لإطلاق النار قبل الوفاء بهذه الشروط هي فكرة غير مقبولة".
ما هي علاقة حماس بسكان غزة؟ وكيف تغيرت خلال الحرب؟
كشف استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، وهو مركز أبحاث مقره الضفة الغربية، في آذار (مارس) 2024، أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة (71 في المائة) ما يزالون يؤيدون قرار حماس شن هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) -ارتفاعًا من 57 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2023. لكنهم عندما سئلوا عمن يفضلون أن يسيطر على غزة بمجرد انتهاء الحرب، أيد 52 في المائة فقط حماس، بينما أيد 40 في المائة السلطة الفلسطينية، وفضل 5 في المائة دولة عربية واحدة أو أكثر.
في هذه المرحلة، من غير الواضح ما إذا كانت استراتيجية حماس -التضحية بأرواح المدنيين الأبرياء في غزة من أجل تقويض الدعم العالمي لإسرائيل- ستؤدي إلى تآكل دعمها بين الفلسطينيين. وقد وصف يحيى السنوار؛ القائد العسكري لحماس في غزة، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين بأنهم "تضحيات ضرورية". ولطالما كان هذا التشجيع القاتم للخسائر في الأرواح وإلحاق الأذى بإخوانها الفلسطينيين سمة بارزة في استراتيجية حماس. وكان القائد الكبير الراحل في حركة حماس، صالح العاروري، قد قال عن الحركة أثناء حديثه إلى جمهور في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن في العام 2007: "مهمتنا هي إبقاء الفلسطينيين متطرفين. معظمهم سوف يستقرون في لحظة من أجل السلام؛ نوع من الصفقة التي ستسمح لهم بالمضي قدمًا في حياتهم. نحن في حاجة إلى إبقائهم غاضبين".
ومع ذلك، ومع عدم وجود بديل قابل للحياة لحكم حماس في غزة، سيظل الفلسطينيون مفتقرين إلى أي خيار ذي معنى. وكما لاحظ غيث العمري، المستشار السابق لفريق مفاوضات السلام الفلسطيني، فإن السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على الضفة الغربية وتعتبر عمومًا المنافس السياسي الرئيسي لحماس، لا تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين بسبب "الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة".
أي دعم أجنبي تتلقى حماس؟
تشكل إيران أهم مصدر خارجي للدعم لحماس. وقال إسماعيل هنية؛ الزعيم السياسي لحماس في قطر، لقناة "الجزيرة" في العام 2022، إن الحركة تتلقى سنوياً ما يصل إلى 70 مليون دولار من إيران. وتفيد التقارير بأنه تم تدريب حوالي خمسمائة مقاتل من حماس في إيران استعدادًا لهجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) -وهو ما يعكس دعم إيران المتواصل لحماس. وفي الحقيقة، في آذار (مارس) 2024، شكر هنية إيران. وقال: "تقف إيران في طليعة دعم قضية فلسطين وشعبها".
منذ العام 2018، قدمت قطر -بموافقة إسرائيل- نحو 1.8 مليار دولار لحماس. ولطالما قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدعم الدبلوماسي وغيره من أشكال الدعم للحركة، ورفض على وجه الخصوص تصنيف وزارة الخارجية الأميركية لحماس كمنظمة إرهابية أجنبية، وبدلاً من ذلك، أعلن أن الحركة هي "حركة مقاومة".
كيف سيبدو "نصر" واقعي لإسرائيل؟
في العام 1969، في ذروة حرب الولايات المتحدة في فيتنام، كتب وزير الخارجية هنري كيسنجر مقولته الشهيرة: "إن حرب العصابات تنتصر إذا لم تخسر. والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر". ويمكن القول إن إسرائيل في نفس هذا الوضع الآن. وقد تعهدت الحكومة الإسرائيلية بمواصلة القتال -على الأقل حتى نهاية هذا العام- لتحقيق ما وصفه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بأنه "تدمير القدرات الحكومية والعسكرية لحماس". أما ما إذا كان تحقيق هذا ممكنًا، فلم يتحدد بعد.
لكنّ ما هو واضح حتى الآن هو أن إسرائيل تعهدت بمواصلة العمليات العسكرية في غزة إلى أجل غير مسمى سعيًا إلى تحقيق هدفها المتمثل في قمع حماس بالكامل. ولتحقيق هذه الغاية، قام الجيش الإسرائيلي بشق "ممر استراتيجي" يمتد من الشرق إلى الغرب عبر غزة، يقسم القطاع إلى قسمين. كما أنشأت ما لا يقل عن ثلاث قواعد عمليات أمامية في الممر هناك، والتي ستكون بمثابة مركز انطلاق لغارات "جيش الدفاع الإسرائيلي" المستمرة في عمق جانبي الممر. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الشبكة من القواعد الآمنة يمكن أن تمكّن إسرائيل من تجنب التورط في حملة مكافحة للتمرد لفترات طويلة في غزة من خلال الاحتفاظ بهذه القدرة على الإغارة.
*بروس هوفمان Bruce Hoffman: زميل أول "شيلبي كولوم وكاثرين دبليو ديفيس" لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في مجلس العلاقات الخارجية. يدرس الإرهاب والتمرد منذ ما يقرب من نصف قرن. وهو أستاذ دائم في كلية إدموند والش للشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، حيث كان مديرًا لمركز الحضارة اليهودية من 2020 إلى 2023 ومديرا سابقا لكل من مركز الدراسات الأمنية وبرنامج الدراسات الأمنية من 2010 إلى 2017. وهو أيضًا أستاذ فخري وأستاذ شرف لدراسات الإرهاب في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Much of a Threat Does Hamas Still Pose to Israel?
MENAFN23062024000072011014ID1108362821