(
MENAFN- Khaberni)
تسارعت خلال الأيام الماضية وتيرة الأحداث المرتبطة بقيام حزب سياسي وطني بفصل أحد منتسبيه من أعضاء مجلس النواب، حيث أصدرت المحكمة الحزبية قرارها بتأييد قرار الفصل الصادر عن المكتب السياسي للحزب، لتبقى المحاكم الأردنية ممثلة بالقضاء الإداري، صاحبة الكلمة العليا في حسم هذا النزاع، وذلك إما بتأييد مشروعية قرار الفصل وتثبيته أو الحكم بإلغائه لمخالفته أحكام القانون.
وبصرف النظر عن النتيجة النهائية التي سيؤول إليها هذا الخلاف بين النائب وحزبه، فإن هناك العديد من التساؤلات المشروعة التي ترتبط بهذا النزاع الذي يعد الأول من نوعه منذ بدء مسيرة التحديث السياسي في عام 2021. فمن يتابع التصريحات الصحفية لكل من النائب المفصول وممثلي الحزب السياسي يلاحظ حالة التوتر والاختلاف الكبير بين وجهتي نظر الفريقين؛ فالنائب المنتخب يتمسك بعدم قانونية التهم المسندة إليه، وأن كافة الادعاءات بمخالفته أحكام النظام الأساسي للحزب هي محض افتراء لا تقوم على أسس قانونية سليمة.
في المقابل، فإن التصريحات الرسمية للحزب السياسي تكشف عن قيام النائب المفصول بارتكاب مخالفات جسيمة تشمل «إفشاء أسرار الحزب وبث الفتنة بين أعضائه والإخلال بوحدة نسيجه وبث الإشاعات التي تسيء إلى سمعة الحزب وتجريح قياداته، بالاضافة الى الإخلال بالتزاماته المالية تجاه الحزب وعدم الالتزام بقرارات الحزب وتعليماته وسياساته ومبادئه وقيمه».
إن انعدام الود السياسي بين النائب المفصول وحزبه يعيد إلى الأذهان الاستفسارات المشروعة التي رافقت تشكيل القوائم الحزبية التي تنافست على مستوى الدائرة الانتخابية العامة في الانتخابات الأخيرة لتشكيل مجلس النواب العشرين. فمن حق المراقب السياسي أن يتساءل عن الكيفية التي قام بها النائب المفصول بارتكاب جميع هذه المخالفات ولم يمض على تمثيله للحزب السياسي في مجلس النواب سوى بضعة أشهر.
كما تثور التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الحزب إلى اختياره ممثلا عنه إذا كان قد قام بهذه السلوكيات قبل عضويته في مجلس النواب الحالي.
إن الإصلاح السياسي في الأردن قد وصل ذروته بأن أعطيت الأحزاب الوطنية مقاعد نيابية خاصة بهم يزداد عددها ونسبتها عبر مجالس النواب القادمة. فهذه الفرصة الذهبية للأحزاب السياسية بأن يتم تمثيلها بأكبر عدد ممكن من النواب المنتخبين كانت تستدعي بالضرورة التروي في عملية اختيار المترشحين عنها، وتطبيق معايير صارمة عند المفاضلة بين الراغبين في تمثيلها في السلطة التشريعية. وبذلك يتفادى الحزب السياسي أية خلافات تتعلق بعدم احترام النظام الأساسي من قبل ممثليه، وعدم انصياعهم لتعليمات الحزب وأهدافه وبرامجه.
ويبقى التساؤل الأبرز حول التبعات الدستورية لقرار فصل النائب من حزبه وتحديد طبيعة العلاقة التي ستربط النائب المفصول بحزبه السياسي خلال فترة تقديم الطعن بقرار الفصل وأثناء المدة الزمنية التي ستستغرقها المحاكم الإدارية للبت فيه. فمن خلال استعراض المادة (22) من قانون الأحزاب السياسية نجد بأن القضايا المتعلقة بالنزاعات بين الحزب السياسي وأعضائه لم يعطها المشرع الأردني صفة الاستعجال، بمعنى أن الأصول الإجرائية الاعتيادية التي تطبق في الدعاوى الإدارية الأخرى سيجري اعتمادها على هذه القضية.
فخلال مدة التقاضي الإداري التي ستستمر لأشهر عديدة، سيبقى النائب المفصول من حزبه عضوا في مجلس النواب وذلك لحين صدور قرار قضائي قطعي بتأييد مشروعية فصله، إلا أنه وخلال هذه المدة لن يتربط بالحزب السياسي الذي ترشح عنه بأي علاقة حزبية جراء صدور القرار بفصله. فمن ناحية واقعية أصبح هذا النائب عضوا مستقلا، إلا أنه ومن وجهة نظر دستورية يبقى نائبا حزبيا يفترض به أن يمثل الحزب السياسي الذي ترشح عنه، وأن يسعى إلى تطبيق أهدافه وبرامجه من خلال عمله في مجلس النواب وذلك لحين انتهاء اجراءات التقاضي.
ولنا أن نتخيل صدور القرار القضائي بإلغاء قرار الفصل واعتباره غير مشروع على طبيعة علاقة النائب بحزبه السياسي خلال السنوات الأربع القادمة من عمر مجلس النواب العشرين الذي لا يزال في بداية عمره الدستوري. فحبل الود قد انقطع تماما بينه وبين أعضاء حزبه؛ فلن ينسى النائب المفصول وأعضاء الحزب السياسي ومناصروه وحتى المتابعون للشأن النيابي حالة الخلاف العميق التي ظهرت للعيان والتراشق اللفظي بين الفريقين، والتي على ما يبدو أنها قد أوصلت الطرفين إلى مرحلة اللاعودة.
وفي حال صدور الحكم القضائي بتأييد قرار الفصل واعتباره مشروعا، فإن المقعد النيابي سينتقل إلى عضو آخر في الحزب السياسي المعني، وسيبدأ النواب الآخرون الذين يمثلون الحزب السياسي نفسه أو أحزابا أخرى باستشعار الخطر، بحيث ستصبح سلطة الحزب في فصل أي منهم سيفا مصلتاً على رقابهم، وهو الأمر الذي قد يدفع بالبعض منهم إلى المساومة واسترضاء قادة الحزب بشكل غير مقبول لغايات الحفاظ على مقعده النيابي.
إن هذه التبعات السياسية والدستورية التي خلفها قرار الفصل وما سيتركه حكم المحكمة الإدارية من آثار سلبية على الفريقين يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن طرفي القضية هم خاسرون بصرف النظر عن النتيجة النهائية للدعوى الإدارية. فكم كنا نتمنى على الحكماء في الحزب المعني أن يغلبوا صوت العقل والصواب وأن يراعوا المصلحة العليا للحزب عند حل هذا الخلاف، وذلك إما من خلال الضغط على النائب المعني لكي يستقيل طوعا واختيارا، أو بمساعدته على تجاوز أي أخطاء قد ارتكبها في الماضي والسير قدما في مهامه ممثلا نيابيا على الحزب السياسي في?مجلس النواب.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
[email protected]
MENAFN10022025000151011027ID1109187843