Tuesday, 13 August 2024 10:15 GMT



لماذا تصعد إسرائيل‏: الاغتيالات المحفوفة بالمخاطر محاولة يائسة لاستعادة الردع‏

(MENAFN- Alghad Newspaper) ‏‏‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة

داليا داسا كاي*‏ - (فورين أفيرز) 5/8/2024


حتى إنهاء الصراع في غزة لن يحل في نهاية المطاف معضلة إسرائيل الاستراتيجية الأكبر. إذا كانت إسرائيل ما تزال تعتقد أن دمج نفسها بالكامل في الشرق الأوسط من خلال إبرام صفقات تطبيع مع جيرانها العرب سيؤدي إلى تهميش الجماعات المتشددة المدعومة من إيران وتقليل العداء تجاه البلد، فإن عليها أن تتصالح مع حقيقة أن صراعها مع الفلسطينيين هو الذي يشكل تهديدها الوجودي الأساسي.
* * *
أفلتت الحرب المستمرة منذ عشرة أشهر بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة منذ فترة طويلة من نطاقها الجغرافي المحلي، مؤذنة بتصعيدات عسكرية خطيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط -اشتباكات مميتة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية؛ وهجمات يشنها الحوثيون في البحر الأحمر وتل أبيب؛ وأخرى تنفذها الميليشيات المتحالفة مع إيران ضد القوات الأميركية في العراق وسورية؛ بل وحتى اشتباكات مباشرة بين إسرائيل وإيران. ثم، في غضون 24 ساعة فقط في الأسبوع قبل الماضي، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله، في بيروت، ردا على هجوم صاروخي لحزب الله في مرتفعات الجولان. ويفترض أن تكون إسرائيل هي التي تقف وراء مقتل إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة "حماس"، في طهران. وجعلت هذه الضربة العديد من المراقبين يخشون اندلاع حرب إقليمية أكثر كارثية.‏
لماذا تعمد إسرائيل إلى التصعيد الآن بهذه الطريقة المحفوفة بالمخاطر؟ من المؤكد أن هجماتها الأخيرة ليست غير مسبوقة في حد ذاتها. لدى البلد سجل طويل في اغتيال القادة الفلسطينيين، كما أنها قتلت المئات من عناصر حزب الله في لبنان وسورية. وقد أظهرت إسرائيل منذ فترة طويلة امتلاك قدرات استخباراتية تتيح لها التوغل في عمق إيران. ولم تؤد جولات التصعيد السابقة على مدى الأشهر العشرة الماضية إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة، لكنّ خفض التصعيد اللاحق، والاحتواء في نهاية المطاف، لم ولن تكون مضمونة على الإطلاق؛ ويمكن للأحداث على الأرض أن تتجاوز فجأة الحسابات العقلانية لأي دولة تفضل ضبط النفس، ما يفضي إلى سوء في الحسابات -أو حتى اتخاذ قرارات استراتيجية متعمدة بهدف إثارة صراع أوسع نطاقًا. وتزيد وتيرة وطبيعة الضربات الإسرائيلية الأخيرة بشكل كبير من خطر التسبب بتصعيد أكثر خطورة. ومما لا شك فيه أن قادة إسرائيل يدركون أن الاغتيالات المتتالية لشكر وهنية -وحقيقة أن أساليب القتل زادت من شعور إيران بالإذلال- يغلب أن تدفع طهران، وربما الجماعات المسلحة الأخرى التي تدعمها، إلى الانتقام.‏
‏تميل الروايات في وسائل الإعلام الغربية عن الاغتيالات التي وقعت آخر الشهر الماضي إلى تسليط الضوء على قدرات إسرائيل على شن هجمات متطورة عسكريا وتقنيا في عمق أراضي العدو. وبعد الإحراج الذي تسببت به هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، قد تعطي هذه الصور انطباعًا بأن الجيش الإسرائيلي عاد لا يقهر مرة أخرى. لكن هذا التفسير يسيء قراءة الحقائق الصعبة التي تواجهها إسرائيل. ربما تكون إسرائيل بصدد دفع الحدود بأفعالها الإقليمية -ليس لأنها تشعر بالقوة، وإنما لأنها تشعر بالضعف. وهي في الأساس تُدخل القليل من الحسابات الاستراتيجية طويلة الأجل في قراراتها. وقد وجه هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ضربة مدمرة لموقفها الرادع. والآن، تسعى إسرائيل، الراغبة في تحمل مخاطر أكبر واستيعاب تكاليف أعلى، إلى الاستفادة من المزايا التكتيكية عندما تستطيع ذلك في محاولة محمومة لاستعادة الردع.‏
عامل الخوف‏
‏حتى نفهم حسابات إسرائيل الحالية، من المهم أن نقدر كيف تغيرت نفسية البلد منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). قبل هجوم "حماس"، كانت ثقة إسرائيل بنفسها قد بلغت ذروتها. أصبحت إسرائيل تعتقد أن الدول العربية ستقبلها حتى لو لم تحل صراعها مع الفلسطينيين، وأنها يمكن أن تضرب إيران وحلفاءها من دون عواقب تقريبًا أو تعريض الدعم الذي تتمتع به من الولايات المتحدة للخطر. ثم تحولت تلك الثقة، بين عشية وضحاها تقريبًا، إلى شعور بالضعف العميق. في زيارة قمت بها إلى تل أبيب في أواخر حزيران (يونيو)، أخبرني خبراء أمنيون ومسؤولون سابقون في قطاعات الدفاع والاستخبارات على حد سواء وأكثر من مرة بأن 7 تشرين الأول (أكتوبر) قلب العديد من معتقدات إسرائيل السابقة حول قوتها رأسًا على عقب. لقد حطم هجوم "حماس" الافتراضات الأساسية للإسرائيليين: أن تفوقهم العسكري والتكنولوجي قادر على ردع خصومهم؛ وأنهم قادرون على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة؛ وأنهم قادرون على الازدهار اقتصادياً من دون إحراز تقدم يعتد به نحو السلام مع الفلسطينيين. والآن، يدرك الكثيرون في المؤسسة الأمنية أن "إسرائيل ليست بهذه القوة"، كما أخبرني مسؤول سابق في الأمن القومي بصراحة.‏
‏يشعر العديد من الإسرائيليين الذين يدرسون أو يعملون في مجال الأمن القومي بالغضب من حكومتهم بسبب إخفاقاتها الأمنية الهائلة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وبعده. كما أنهم غاضبون لأن القادة الذين فشلوا في الحفاظ على أمن البلد لم يخضعوا للمساءلة. وأصبح انعدام الثقة في الحكومة منتشرًا. ربما يكون رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد تلقى تصفيقاً حاراً عندما خاطب الكونغرس الأميركي في تموز (يوليو)، لكن مستشاره للأمن القومي، تساحي هنغبي، بالكاد استطاع الحصول على فرصة ليقول كلمة عندما تحدث في مؤتمر أمني إسرائيلي في هرتسليا قبل أسابيع. وقد هاجمه الحضور واتهموا الحكومة بإهمال سلامة إسرائيل وخذلان الرهائن الذين ما يزالون يقبعون في الأسر في غزة. وثمة تصور واسع النطاق، حتى داخل إسرائيل نفسها، بأن نتنياهو ربما يطيل أمد الحرب من أجل بقائه السياسي الخاص.‏
‏يعكس هذا القلق والغضب تحديات محلية ملموسة للأمن القومي الإسرائيلي. فقد أصبح جيش الدفاع الإسرائيلي متمدداً بغير كثافة على جبهات متعددة، من غزة إلى الضفة الغربية إلى شمال إسرائيل وما وراءه. وكانت محاولة نتنياهو لإصلاح القضاء في البلاد في النصف الأول من العام 2023 قد صنعت مسبقًا خلافات خطيرة بين القادة المدنيين وكبار ضباط الجيش. وفي الرد على الضغط الذي مارسه ائتلاف نتنياهو لتمرير الإصلاح المذكور، هدد الآلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين بأنهم سيرفضون الخدمة إذا دعوا إليها. ويواجه الجيش الآن تهديدات غير مسبوقة من المتطرفين الإسرائيليين المحليين، بما في ذلك من داخل صفوفه وصفوف الحكومة. وفي الأيام الأخيرة فقط، اقتحم نشطاء وسياسيون يمينيون إحدى قواعد الجيش الإسرائيلي للاحتجاج على اعتقال جنود احتياط متهمين بإساءة معاملة السجناء الفلسطينيين. وتستنزف إسرائيل فعلياً رصيدها من الدعم الدولي بسبب عدد القتلى والدمار الهائلين اللذين تسببت بهما في غزة. كما أنها تواجه في المحافل القانونية في لاهاي تدقيقاً متزايداً بسبب طريقة إدارتها للحرب واحتلالها المستمر للضفة الغربية.‏
كذبة نيسان‏
‏بالإضافة إلى ذلك، لا يحظى التأثير الذي أحدثه هجوم إيران في نيسان (أبريل) على إسرائيل بما يكفي من التقدير خارج البلد. ومن الواضح أن إسرائيل أخطأت في حساباتها عندما استهدفت أفرادًا من الحرس الثوري الإسلامي في منشأة في دمشق اعتبرها الإيرانيون موقعاً دبلوماسياً. ويبدو أنها لم تتوقع مثل هذا الرد غير المسبوق، واسع النطاق والمباشر الذي يشمل مئات الطائرات من دون طيار والصواريخ التي تطلق من الأراضي الإيرانية على إسرائيل.‏
‏على الرغم من أن الإسرائيليين أعجبوا بالدفاع المتطور والمنسق الذي قادته الولايات المتحدة، والذي تمكن من صد الهجوم، فإنه اخترق أيضًا صورتهم السائدة عن الاعتماد على الذات. وطغت على أي شعور بالانتصار نذر قاتمة من حقيقة أن إيران حاولت شن مثل هذا الهجوم الخطير في المقام الأول -والقلق من أن الهجوم التالي من هذا القبيل قد لا يتم صده بسهولة. وكان المحللون الإسرائيليون سعداء لأن رد إسرائيل ‏‏-‏‏شن هجوم جوي محدود على قاعدة عسكرية إيرانية في أصفهان استهدف الدفاعات الجوية الإيرانية‏‏-‏‏ أظهر قدرة إسرائيل على ضرب أهداف داخل إيران بدقة، بما فيها مواقع قريبة من المنشآت النووية الإيرانية.‏
لكن مسؤولي الدفاع الإسرائيليين لا يشعرون بالضرورة بالسلوى في الاعتماد على الردع عن طريق الإنكار -أي من خلال إقناع الخصوم بأن هجماتهم لن تنجح- كما تفضل الولايات المتحدة. ووفق رؤية هؤلاء المسؤولين، لم يكن الدفاع عن إسرائيل في نيسان (أبريل) نجاحًا كاملًا لأن التحالف الدفاعي في نهاية المطاف لم يمنع شن الهجوم، وإنما حدّ فقط من حجم الضرر. ويفضل مخططو الدفاع الإسرائيليون الردع عن طريق العقاب -الإظهار للخصوم أن الهجمات ستؤدي إلى عواقب. ويشعر العديد من المحللين الأمنيين الإسرائيليين بالقلق من تآكل موقف إسرائيل الإقليمي؛ ويشعرون بالقلق من أن إيران وحلفاءها يكتسبون المزيد من القوة، ومن أنه ربما يتم تحفيز إيران أكثر على تسليح قدراتها النووية إذا اعتقدت طهران أنها غير قادرة بما فيه الكفاية على ردع إسرائيل عن طريق الوسائل التقليدية. كما يعتقدون أن البلد يتدهور إلى مكانة الدرجة الثانية في الوقت الذي تحاول فيه إيران الوصول إلى "دوري أبطال أوروبا"، على حد تعبير مسؤول سابق في الأمن القومي. إن ‏‏إسرائيل تفقد الردع "إلى حد لم يسبق له مثيل"، كما أخبرني مسؤول دفاعي سابق آخر. ومع ذلك، تواصل القيادة السياسية الإسرائيلية إخبار شعبها بأن بلدهم ينتصر.‏
‏لقد عمّق الهجوم الإيراني في نيسان (أبريل) انطباع الإسرائيليين بحدوث تغيير جوهري في "روح" الشرق الأوسط. وأصبحوا يعتقدون أن خصوم إسرائيل ربما يفكرون الآن بأن تدمير البلد هو في الحقيقة هدف واقعي. وقد يكون هذا القلق مبالغًا فيه -حيث تحتفظ إسرائيل بالقدرات العسكرية الأكثر تقدمًا في المنطقة وما تزال تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في حربها ضد إيران. لكنّ المحللين الإسرائيليين الرصينين يعبرون الآن عن شعور بالتهديد الوجودي الذي يصفونه بأنه مختلف عن أي تهديد شعروا به منذ استقلال البلد في العام 1948. ولكن، على العكس من العام 1948، كما أشار أحد كبار المسؤولين السابقين، فإن إسرائيل لا تلتفت إلى الدروس التي أشار إليها رئيس وزرائها المؤسس، ديفيد بن غوريون. كان بن غوريون قد نصح بأن أفضل الطرق للتعويض عن الضعف هي تعزيز التماسك الاجتماعي، وتعميق العلاقات الدبلوماسية، والسعي إلى السلام. لكن إسرائيل تتحرك في الاتجاه المعاكس على جميع هذه الجبهات.‏
على الطريق الصعب‏
في زيارتي المذكورة إلى إسرائيل، أخبرني مسؤول حكومي سابق أن "الأرض تتغير تحت أقدامنا". وفي بعض النواحي، هذا صحيح؛ وهو، في نواح أخرى، تصور: الصورة العكسية للتصور الذاتي المفرط في الثقة الذي كان لدى الإسرائيليين قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولكن، بالنظر إلى الضعف المتزايد تصورًا وواقعًا -وثقة الإسرائيليين بأنهم سيحتفظون بدعم الولايات المتحدة- من المرجح أن تحافظ إسرائيل على موقف عدواني في المنطقة، حتى لو زاد هذا الموقف من خطر نشوب حرب إقليمية أوسع. بعد صدمة 7 تشرين الأول (أكتوبر)، قد يكون قبول الجمهور الإسرائيلي للمخاطر وشهيته للأعمال الهجومية أعلى أيضًا. وكما أخبرني محلل إسرائيلي، فإن "كل شيء قابل الآن للتخيُّل".‏
‏لكن إسرائيل تخاطر بشكل كبير، حتى لو كان ذلك يعني فقدان كل شيء في العملية من دون أي استراتيجية سياسية. ومن غير المرجح أن يؤدي وضع الثقة في القوة العسكرية الغاشمة لاستعادة الردع وتكثيف المواجهة مع إيران وحلفائها من دون خطة لعب سياسية أو استراتيجية إلى تغيير الديناميات الإقليمية الناشئة التي تقلق المخططين العسكريين الإسرائيليين. ومن غير المرجح أن يردع ذلك أعضاء "محور المقاومة"، الذين قد يعمدون هم أنفسهم إلى مضاعفة رهاناتهم العسكرية بطرق غير متوقعة ويفاجئون إسرائيل مرة أخرى.‏
‏من المؤكد أن إنهاء الحرب في غزة سيساعد في الحد من التهديدات الرهيبة التي تواجهها إسرائيل الآن، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي الجولة الحالية من التصعيد إلى تقريب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين في القطاع. ولكن، حتى إنهاء الصراع في غزة لن يحل في نهاية المطاف معضلة إسرائيل الاستراتيجية الأكبر. إذا كانت إسرائيل ما تزال تعتقد أن دمج نفسها بالكامل في الشرق الأوسط من خلال إبرام صفقات تطبيع مع جيرانها العرب سيؤدي إلى تهميش الجماعات المتشددة المدعومة من إيران وتقليل العداء تجاه البلد، فإن عليها أن تتصالح مع حقيقة أن صراعها مع الفلسطينيين هو الذي يشكل تهديدها الوجودي الأساسي. ربما تجلب العمليات العسكرية التكتيكية المثيرة للإعجاب وهماً بالنصر، لكنَّ السلام الدائم مع الفلسطينيين هو وحده القادر على جلب الأمن الحقيقي.‏

*داليا داسا كاي Dalia Dassa Kaye: زميلة رفيعة في مركز بيركل للعلاقات الدولية التابع لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Israel Escalates: Risky Assassinations Are a Desperate Bid to Restore Deterrence

MENAFN12082024000072011014ID1108546067


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية