من ضغط العقوبات إلى الصدام النفطي.. أين تتجه الأمريكتان؟
هذا التحول يعكس إدراك واشنطن لتزايد النفوذ الروسي والصيني خصوصاً في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، التي تشكل رموزاً استراتيجية للتحدي التقليدي للولايات المتحدة أيديولوجياً، وبالتالي سياسياً واقتصادياً.
من هنا تأتي مصادرة ناقلة نفط فنزويلية،، بعد أسابيع من التلويح بالعمل العسكري، رغم محدودية الحجة القانونية، بمثابة رسالة سياسية ساخنة، فهي تحذير لفنزويلا وحلفائها الأيديولوجيين، وإشارة واضحة كذلك للدول الأخرى في المنطقة أن واشنطن مستعدة للدفاع عن مصالحها بالقوة العسكرية إذا اقتضت الضرورة (الأمريكية).
وإذ تشدد واشنطن خناقها على فنزويلا عبر مصادرة ناقلة النفط، وبعد يوم واحد من إعلان الاستراتيجية الأمنية الجديدة تبدو بلاد سيمون بوليفار الساحة المفضلة لواشنطن لاختصار الصراع وتطبيق سياسة ((الضغط الأقصى)) بعيداً عن التكلفة العالية للمواجهة مع القوى العظمى.
لذلك فإن مصادرة الناقلة توجه رسالة بأن الحرب الاقتصادية خيار، وليس بالضرورة الغزو العسكري المباشر الذي تم التلويح به سابقاً.
في الصراع على هذه البقعة الجغرافية، يحدد التاريخ والجغرافيا إيقاع التحرك ومساره، إذ لطالما اتحدت دول أمريكا اللاتينية دبلوماسياً في مواجهة التدخلات الخارجية، حتى تلك التي بينها خلافات داخلية. هذا التراث اللاتيني يرفع من كلفة أي عمل عسكري أمريكي مباشر، ويجعل الخيار السياسي والاقتصادي أكثر فعالية، إذ إن ثقافة الشعوب اللاتينية المعادية بمجملها للنزعات الاستعمارية، تشكل عامل ضغط على الحكومات الحليفة للغرب، وتدفعها كي تكون في الخندق نفسه مع الدول اليسارية.
ستكون تصريحات العواصم اللاتينية الرئيسية مثل برازيليا ومكسيكو سيتي وبوينس آيرس، والتي تجمع بين علاقات معقدة مع واشنطن ورفض مبدئي للتدخل العسكري، مؤشراً حاسماً على مدى تقبل أو رفض هذه السياسة الجديدة المقنعة.
وبينما تسعى دول المنطقة لحماية سيادتها واستثمار التنافس بين القوى الكبرى لتعزيز مصالحها، تبحث الولايات المتحدة عن حماية مصالحها خارج حدودها، ومنع أي توسع روسي - صيني، في حين تستثمر موسكو وبكين حلفاءهما الإقليميين ورقة ضغط من دون الدخول في مواجهة مباشرة.
وفي هذا الخضم المتقلب، تبدو المرحلة المقبلة حبلى بتصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية وربما أكثر، مع استمرار العقوبات والمصادرات، واستعراض القوة البحرية والجوية من جانب الولايات المتحدة، بينما تعزز الدول الإقليمية التضامن السياسي والدبلوماسي وتبحث عن أسواق بديلة للطاقة والتجارة بعيداً عن النفوذ الأمريكي المباشر.
الهوية الوطنيةوهذا التوتر سيؤدي أيضاً إلى تعزيز الهوية الوطنية في الدول المستهدفة، ما يزيد من شرعية الحكومات اليسارية والثورية، ويقلل من احتمال حدوث اضطرابات داخلية.
في ظل هذا المشهد الذي يظل فيه تاريخ القارة حاضراً، يبدو السيناريو يدور حول محور الاستمرار في الضغط الأمريكي والتصعيد الدبلوماسي والسياسي الإقليمي الموحد، واستثمار موسكو وبكين لهذا الواقع لتعزيز نفوذهما الاقتصادي، في حين يبقى احتمال نشوب صدام عسكري مباشر منخفضاً جداً.
ومن المتوقع أن تستمر التوترات السياسية والدبلوماسية على مدى الشهور الاثني عشر المقبلة، مع إعادة توجيه الدول اللاتينية المستهدفة بعض التجارة والطاقة بعيداً عن النفوذ الأمريكي، وتوظيف الوطنية القومية في هذا الصراع، وزيادة شرعية الحكومات المحلية، وارتفاع مستوى التضامن الإقليمي في مواجهة أي تدخل خارجي.
عام توتراتالاستشراف المتوقع في المدى المنظور يشير إلى أن أمريكا اللاتينية مقبلة على عام من التوترات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية المكثفة، وأن الولايات المتحدة ستواصل ممارسة الضغوط السياسية والتلويح بالعمل العسكري، بينما تظل دول المنطقة متضامنة دبلوماسياً في مواجهة أي تدخل مباشر.
هذا يعني أن المشهد العام يوحي بأن الصراعات المستقبلية في المنطقة ستكون بمثابة لعبة ((شد حبال)) أكثر من احتمالات المواجهة المسلحة.
لكن مع استمرار حرب الاستنزاف، قد تضاعف واشنطن استهدافها للشحن النفطي الفنزويلي، في محاولة لخنق الموارد الحيوية لنظام نيكولاس مادورو، حيث لا تخفي رغبتها وسعيها لإسقاطه. يظل الخطر قائماً في أن يدفع الضغط المتصاعد كراكاس إلى مناورة اختبار لكسر الحصار، سواء عبر مناوشات بحرية محدودة أم عبر تعزيز التحالفات مع خصوم واشنطن العالميين، ما قد ينقل أدوات المعركة من العقوبات إلى صراع ساخن أكثر خطورة.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment