خريطة طريق لريادة الإمارات في الصحة 2035 (15-6)

(MENAFN- Al-Bayan) الذكاء الاصطناعي في الطب - من الذكاء الآلي إلى البصيرة الإنسانية

لم يكن الذكاء الاصطناعي في الإمارات خطوة تقنية، بل قفزة فكرية في فلسفة الطب. فمنذ أن أطلقت الدولة استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي عام 2017، لم تتعامل معه كونه برمجيات أو خوارزميات، بل أداة لصنع مستقبل أكثر إنسانية. الفكرة ليست أن يُفكّر الحاسوب مكان الطبيب، بل أن يمنح الطبيب قدرة على رؤية ما لا يُرى: الأخطار قبل وقوعها، والمرض قبل ظهوره، والمستقبل قبل أن يبدأ.

من البيانات إلى الفهم العميق

التحول الرقمي وفّر البيانات، لكن الذكاء الاصطناعي حوّلها إلى معرفة. الفرق بين الأرشفة والتحليل هو ما يصنع ((الطب الذكي))، ففي الإمارات، لا تستخدم الخوارزميات لمراجعة الفحوص فقط، بل لتكوين منطق علاجي جديد يربط بين الأنماط الحيوية، والعوامل الوراثية، وسلوك المريض اليومي.

على سبيل المثال:

. يتم تحليل النوم، الحركة، التغذية، والمزاج عبر تطبيقات الصحة القابلة للارتداء، لتوقّع الاضطرابات المزمنة قبل أشهر من ظهورها.

. تعمل أنظمة التعلّم الآلي على ربط نتائج المختبرات مع التاريخ الوراثي للمريض لتحديد أنسب الأدوية له قبل بدء العلاج.

وهكذا يتحوّل الطبيب من ((مُعالج)) إلى ((مُستشرف))، والمريض من متلقٍ إلى شريك في التشخيص.

ذكاء يرفع إنسانية الطب

في الإمارات، الذكاء الاصطناعي لا يُختبر في مختبرات، بل في العلاقة بين الطبيب والمريض، وأجهزة الذكاء الاصطناعي في غرف العمليات لا تهدف إلى تقليل الكادر البشري، بل إلى إعادة الوقت للطبيب ليصغي ويشرح ويحتوي. في مستشفيات الدولة، باتت الأنظمة الذكية تقوم بالتحليل اللحظي للصور والتقارير، في حين يركّز الطبيب على القرار السريري والجانب الإنساني. وفي المراكز الحكومية، تُستخدم تقنيات التنبؤ لتحديد الفئات الأكثر عرضة للإجهاد النفسي أو أمراض القلب، لتقديم الدعم النفسي أو الغذائي قبل تفاقم الحالة.

الذكاء الأخلاقي: عندما تسبق الإمارات التقنية بالضمير

بينما تتسابق دول العالم لاعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي، تسير الإمارات بخط موازٍ نحو أخلاقيات الذكاء. فقد أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع عام 2024 إطاراً أخلاقياً وطنياً لتنظيم استخدام الخوارزميات الطبية، يضمن 3 مبادئ تمثلت في:

1. الشفافية: أن يفهم المريض كيف تُستخدم بياناته

2. العدالة: أن تُبرمج الأنظمة بلا تحيّز لجنس أو عمر أو عِرق

3. الرقابة البشرية: أن يظل القرار الطبي النهائي مسؤولية الطبيب لا الآلة

كما تم إنشاء لجنة وطنية لمراجعة واعتماد حلول الذكاء الاصطناعي قبل إدراجها في أي منشأة صحية، ما جعل الإمارات من أوائل الدول التي تحكم التقنية بالضمير لا بالعائد.

من التكنولوجيا إلى البصيرة

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس مجرد نظام تعلم آلي، بل منظومة تفكير مختلفة. ففي الإمارات، يتم الجمع بين علم البيانات وعلوم الإنسان:

. خبرات الأطباء.

. ثقافة المريض.

. البيئات الجغرافية والمناخية التي تؤثر في صحة السكان.

الهدف ليس إنتاج ((طب آلي))، بل ((طب أكثر دقة وإنسانية))، فالخوارزميات تتعلم من الأرقام، لكنها أيضاً تتغذى على قيم الطبيب الإماراتي الذي يرى أن الطب رسالة لا صناعة.

اقتصاد جديد.. ومعرفة جديدة

الذكاء الاصطناعي لا يُوجِد فقط صحة أفضل، بل اقتصاد قائم على المعرفة الصحية. تشير التقديرات إلى أن الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية بالإمارات سيرفع الإنتاجية في القطاع بنسبة 25 % خلال 5 سنوات، ويقلل الهدر المالي بنحو 20 %، عبر نظم التنبؤ بالأمراض المزمنة والوقاية من التعقيدات. وإلى جانب ذلك، تتسع شبكة الأبحاث الوطنية بين الجامعات والمستشفيات حول ((الذكاء العلاجي)) و((الطب الشخصي))، ما يحول الإمارات إلى مختبر عالمي للطب الذكي العربي.

تجارب تلهم

. الولايات المتحدة تركز على الذكاء الصناعي في تحليل الأشعة.

. كوريا الجنوبية تمزج بين الذكاء الاصطناعي والمجسات الحيوية.

. سنغافورة تتجه إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم السياسات الصحية العامة.

أما الإمارات، فقد جمعت بين النماذج الثلاثة: استخدمت التقنية للسرير، والوقاية، وصنع القرار. إنها لا تقلّد، بل تصنع نموذجها الخاص حيث يتكامل الطبيب والآلة في خدمة المريض.

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس نهاية دور الإنسان، بل بداية مرحلة يفكر فيها الطب بضمير رقمي وإنسان واحد، والإمارات تسير اليوم بخطى ثابتة نحو منظومة صحية تعرف المريض قبل أن يمرض، وتحمي الإنسان قبل أن يتألم. هذا هو جوهر الريادة الصحية لعام 2035: عقل ذكي.. وضمير إنساني.

المقال القادم: ثورة الجينوم والطب الدقيق – نحو طب شخصي أكثر فاعلية (15/7)

MENAFN09112025000110011019ID1110317783

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.