ترامب.. شعبوي هادم للبروتوكولات ومحطم للدبلوماسية

(MENAFN- Al-Bayan) ">يُعرف دونالد ترامب بأنه شخصية سياسية لا تخشى تحدي الأعراف والبروتوكولات التقليدية، خاصةً في الأوساط الدبلوماسية.

على مدار مسيرته المهنية، اكتسب أسلوبه غير المألوف سمعةً جعلت من مواقفه محط جدل واسع واهتمام عالمي، فقد كان نهجه يكسر الصمت المهيب الذي يحيط باللقاءات الرسمية، ليثير تساؤلات حول ما إذا كانت تصرفاته مجرد هفوات عفوية أم أنها جزء من استراتيجية مدروسة لإعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية.

إن تاريخ ترامب الحافل بتجاوزات البروتوكول ليس مجرد سلسلة من الحوادث المنفردة، بل هو سجل يعكس صراعاً بين شخصية شعبوية عفوية ومؤسسات عريقة تقوم على التقاليد الراسخة.

لم تكن تصرفات ترامب مجرد هفوات عرضية، فقد أشار خبراء ومؤرخون إلى أن أسلوبه هذا يعكس صراعاً بين شخصيته السياسية التي تعتمد على كسر الحواجز وإظهار العفوية، وبين الدبلوماسية التقليدية التي تقوم على الاحترام الصارم للقواعد والشكليات.

يرى أنصار ترامب أن هذا الأسلوب يجعله أكثر صدقاً وقرباً من الناس، ويعتبرونه رفضاً لشعائر النخبة المصطنعة. في المقابل، يرى منتقدوه أنه يمثل جهلاً متعمداً بالتقاليد التي تضمن استقرار العلاقات الدولية ووقارها.

إن تاريخ ترامب الحافل بانتهاكات البروتوكول لا يمثل مجرد قائمة من الأخطاء، بل هو ظاهرة سياسية تسلط الضوء على تحول في أنماط القيادة.

كلاكيت ثانية مرة !

استخدم ترامب هذه اللحظات لإعادة تشكيل صورته كزعيم لا يخضع للقواعد القديمة، تاركاً بصمة لا تُمحى على مسرح الدبلوماسية العالمية، هو مشهد تكرر مجددا خلال زيارته الثانية للمملكة المتحدة ، حيث توقفت عقارب الزمن للحظة في قلعة وندسور العريقة، معلنةً عن وصوله.

كان الهواء يشي بوقار عتيق، لكنّ الترقب كان يكسوه توترٌ خفيٌ، فالمراقبون لم يكونوا يتوقعون مجرد انحناءة رأس أو انحناءة ركبة، بل كانوا يتأهبون لما قد يحمله اللقاء من غرابة غير رسمية.

خرج ترامب من بطن مروحيته ورفع يده بالتحية، ثمّ صافح الأمير ويليام، وكأنما يستعرض أسلوبه الفريد. لكنّ اللحظة التي حبست الأنفاس كانت عند لقائه بالأميرة كاثرين. صافحها ثمّ تكلّم بكلماتٍ لم تكن متوقعة في ذلك المحفل: ((أنتِ جميلة. جميلة جداً)). وكأنما أراد بكلماته أن يُسقط جدار اللياقة الذي يحيط بتلك الزيارات.

لم يرتجف وجه كاثرين أو يتغيّر تعبيره، بل مدّت يدها لمصافحة السيدة الأولى ميلانيا ترامب، وواصل الرباعي سيرهم الهادئ على العشب نحو الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا، وكأنّ شيئاً لم يحدث.

قواعد "التاج"

تتفق المواقع الرسمية للعائلة المالكة على أنّه لا توجد قواعد إلزامية للمقابلات، وأنّ المصافحة العادية مقبولة، لكنّ المؤرخ الملكي جاستن فوفك، من ((معهد دراسة التاج في كندا))، أشار إلى أن ما فعله ترامب لم يكن خرقاً فنياً، بل كان ((تجاوزاً للقواعد غير الرسمية للدبلوماسية الشخصية)).

وقد تكرّر المشهد لاحقاً خلال مأدبة العشاء الرسمية، حيث أعاد ترامب في خطابه ذكر مظهر الأميرة كاثرين، وهو يقرأ بوقار من أوراق مكتوبة، قائلاً: ((أنا وميلانيا سعيدان للغاية بزيارة الأمير ويليام مرة أخرى ورؤية صاحبة السمو الملكي الأميرة كاثرين وهي متألقة وصحية وجميلة جداً)).

بينما تُنظر إلى الزيارات الرسمية على أنها مسرحية متقنة تُعرض فيها الدبلوماسية بأبهى صورها، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يميل إلى إضفاء لمسته الخاصة عليها، والتي غالباً ما كانت تخرق القواعد غير المكتوبة وتثير الدهشة.

فعلى الرغم من أن الدليل الإرشادي لآداب السلوك الملكي لا يعد تصرفاته خرقاً فنياً صريحاً، إلا أن الخبراء يعتبرونها تجاوزات صارخة للتقاليد الدبلوماسية.

تجاوز المملكة

لعل أبرز أمثلة تجاوزات ترامب للبروتوكول قد تجلت خلال زياراته الرسمية إلى المملكة المتحدة، حيث كانت تفاعلاته مع العائلة المالكة البريطانية موضوع تدقيق مكثف من قبل المراقبين وخبراء الإتيكيت على حد سواء.

خلال زيارته في عام 2018، سار ترامب بشكل شهير أمام الملكة إليزابيث الثانية أثناء تفقدهما حرس الشرف، وهي خطوة تتعارض بشكل صارخ مع البروتوكول المتبع.

لم يكتفِ ترامب بذلك، بل أظهر عدم اهتمام بالمسار، مما أجبر الملكة على السير حوله للحاق به.

وقد انتشر هذا الموقف على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره كثيرون إهانة ملكية وخرقاً واضحاً للآداب.

تعليقات قاتلة !

وتتضح هذه السلوكيات من خلال سجل ترامب الحافل بتعليقات مماثلة في مناسبات رسمية، مثل وصفه لقوام السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون بـ((جيد جداً))!! خلال زيارة دولة سابقة لفرنسا.

كما وصف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بأنها ((رائعة)) ونائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بـ((ذلك الوجه))!!.

ويرى الخبراء أن هذا الأسلوب يفتقر إلى المهنية، خاصةً عند مقابلة شخصيات ملكية أو سياسية، تتطلب المواقف الرسمية احتراماً للقواعد التقليدية.

لغة الجسد

يمتد تاريخ ترامب في الانحراف عن البروتوكول إلى ما هو أبعد من مجرد تعاملاته مع الملوك، فقد كان منهجه في التفاعل الجسدي مع قادة العالم محط اهتمام واسع.

كانت مصافحته القوية التي طالما اجتذبت انتباه الكاميرات، بمثابة خرق آخر لقواعد اللياقة الدبلوماسية.

ففي عدة مناسبات، بدا ترامب وكأنه يمارس لعبة شد وجذب، حيث كان يسحب يد القادة الآخرين بقوة نحوه، كما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وقد فسّر بعض الخبراء هذه المصافحات بأنها محاولة لإثبات الهيمنة أو استعراض للقوة.

"مقابلات التوظيف"

بخلاف القادة الذين يلتزمون بالخطابات الدبلوماسية المكتوبة بعناية، كان ترامب يعتمد على التعبير عن آرائه بشكل مباشر وعلني، حتى لو كان ذلك يعني إهانة حلفاء الولايات المتحدة.

ففي إحدى المناسبات، أهان رئيس موريتانيا السابق محمد ولد الغزواني أمام حشد من القادة الأفارقة، حيث قاطعه وطلب منه الإسراع في حديثه، مما أثار غضب الدبلوماسيين الأفارقة الذين اعتبروا السلوك استعلاءً.

كما أنه لم يتردد في انتقاد قادة كبار مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العلن، مما أربك الدبلوماسية التقليدية التي تعتمد على المناقشات السرية واللباقة.

وصف بعض المراقبين أسلوب ترامب في التعامل مع القادة الأفارقة بأنه يشبه ((مقابلات التوظيف))،ففي اجتماع مع زعماء أفارقة، طلب ترامب منهم أن يعرفوا عن أنفسهم وبلدانهم، مما جعلهم يشعرون بأنهم يُعاملون كمرشحين لوظيفة، وليس كقادة لدول ذات سيادة. هذا السلوك يعكس عدم اهتمام بالقواعد الدبلوماسية، التي تقتضي معاملة جميع القادة على قدم المساواة بغض النظر عن حجم بلدانهم.

يعتبر استخدام ترامب لمنصة ((تويتر)) (إكس حالياً) في ممارسة الدبلوماسية واحداً من أبرز مظاهر سلوكه غير التقليدي، فبدلاً من إصدار بيانات رسمية عبر القنوات المعتادة، كان ترامب يستخدم تويتر كأداة لإرسال التهديدات، وإطلاق الابتزازات ضد حلفاء وخصوم على حد سواء، والتعليق على شؤون الدول الأخرى.

وقد أتاح له هذا الأسلوب حرية التصرف خارج الأطر الدبلوماسية التقليدية، ولكنه في الوقت نفسه أدى إلى توترات غير مسبوقة مع العديد من الحكومات.

هذه الأمثلة تؤكد أن سلوك ترامب الدبلوماسي لم يكن مجرد سلسلة من الهفوات، بل كان منهجاً متكاملاً يعكس رؤيته للعالم، حيث يتم تجاهل التقاليد لمصلحة ما يعتبره مكاسب شخصية أو وطنية فورية.

MENAFN18092025000110011019ID1110080288

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.