
لماذا يواصل الاقتصاد الأمريكي تحدي قوى الجاذبية؟
حطّت طائرات النخب المالية العالمية، المتجهة إلى مطار دالاس لحضور اجتماعات صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، في ولاية شهدت واحدة من أكبر موجات الإنشاءات في أمريكا. ويُجسّد ((ممر مراكز البيانات)) في شمالي فرجينيا، بصفة خاصة، ازدهار الاستثمار التكنولوجي وأسواق الأسهم المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما ساعد الولايات المتحدة على تحدي التوقعات القاتمة في وقت سابق من هذا العام بتباطؤ حاد بسبب الحرب التجارية التي يشنّها دونالد ترامب.
في الربيع، كان صندوق النقد الدولي من بين المؤسسات التي حذّرت بشدة من مخاطر الركود التي تواجه الاقتصاد الأمريكي. أما الآن، فإن كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة للصندوق، تتبنى نهجاً مختلفاً. وقالت: ((إن طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي تجلب تفاؤلاً هائلاً يتركز معظمه في الولايات المتحدة)).
ولم تكن الرسوم الجمركية التجارية هي المشكلة الوحيدة فالاقتصاد الأمريكي يواجه أيضاً تباطؤاً في سوق العمل، وحملة صارمة على الهجرة، والآن إغلاقاً حكومياً. لكن رغم ذلك كله واصل المستهلكون الأمريكيون الإنفاق.
ويقول الاقتصاديون: إن الدافع الأساسي هو التأثير الإيجابي للثروة الناتج عن ارتفاع تقييمات سوق الأسهم، والذي عزز الإنفاق بين أصحاب الأصول الغنية. ووفقاً لبيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد: ((التقييمات مرتفعة للغاية، وهذا يُولّد مكاسب في الثروة للمستهلكين)). ويبقى السؤال هو: إلى أي مدى ستتواصل استدامة التوسع الأمريكي المُتحدي للجاذبية؟
ويتحدث الاقتصاديون عن اقتصاد ذي سرعتين، حيث يُعزز إنفاق الأسر الغنية ارتفاع قيم الأسهم، بينما يجد الأفراد ذوو الدخل المنخفض أن قدرتهم الشرائية تتآكل بسبب التضخم الذي يتجاوز الهدف فيما ينخفض ارتفاع الأجور.
وتقول إيزابيل ماتيوس إي لاغو، كبيرة الاقتصاديين في بنك ((بي إن بي باريبا)): ظاهرياً، يبدو الاقتصاد مرناً، لكن تحت السطح، لا يزال هناك الكثير مما يدعو للقلق. لذلك، يخشى الناس أننا قد نشهد صدمة في أي وقت من شأنها أن تُضعف المرونة.
يُقارن البعض ارتفاع سوق الأسهم بطفرة الدوت كوم في أواخر التسعينيات. وقد تُصاب الأسواق بالفزع بسهولة من تجدد الأعمال العدائية التجارية، والتي استمرت في الغليان خلال الاجتماعات السنوية هذا الأسبوع في واشنطن.
ويتناقض التفاؤل المحيط بالاقتصاد الأمريكي تماماً مع القلق الذي استقبل به المندوبون في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فقد سيطرت على الاجتماعات الصدمة العالمية الناجمة عن حزمة تعريفات ترامب يوم التحرير، إضافة إلى سلسلة الانعكاسات التي أعقبتها.
وفي أبريل، كان صندوق النقد يضع مخاطر الركود الاقتصادي الأمريكي عند اثنين من خمسة، وقد خفض توقعات النمو. وصرحت جورجيفا آنذاك: الدول الأعضاء قلقة. أما هذا الأسبوع، فقد رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، مع نمو بنسبة 2% في 2025 و2.1% في 2026 ورغم أنه أبطأ من 2024، إلا أنه لا يزال الأسرع بين دول مجموعة السبع.
ويمكن تفسير جزء من هذه القوة بالرسوم الجمركية التي استقرت عند مستوى فعال أقل مما كان يُخشى في البداية، حيث بلغ معدل الرسوم الجمركية الأمريكية المرجح تجارياً 17.5%، مقابل 23% في أبريل. كما تعزّز النمو بفضل زيادة الإنفاق والاستثمار من قِبل الأفراد والشركات، سعياً منهم لاستباق تطبيق الرسوم الجمركية. وأثبتت الشركات قدرتها على التكيف بشكل غير متوقع، حيث أعادت تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها واستوعبت التكاليف الإضافية.
ونتيجةً لذلك، من المتوقع الآن أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث إلى معدل قدره 3.9% على أساس سنوي، وفقاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، ما يعني المحافظة على الوتيرة التي سُجّلت في الربع الثاني. ويقول المحللون إن السمة الأبرز في أداء الاقتصاد هي الحالة القوية للمستهلك الأمريكي أو على الأقل شريحة فرعية قوية اقتصادياً من السكان.
من ناحية أخرى، لا تقتصر طفرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز مستويات مذهلة من الاستثمار في بناء مراكز البيانات، بل ساهمت أيضاً في رفع أسعار الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية متعددة، وذلك استناداً إلى الثقة بقدرة التكنولوجيا على تعزيز الإنتاجية والنمو.
ووفقاً لبنك جيه بي مورغان، تُشكّل سلة من 30 سهماً مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي الآن 43% من إجمالي القيمة السوقية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي للأسهم. وقد منحت الزيادة في قيمة هذه الأسهم الأسر الأمريكية 5 تريليونات دولار من الثروة الإضافية خلال العام الماضي وحده.
وفي وجود هذه الخلفية، بدأ بعض المحللين يتساءلون عن سبب قيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيف أسعار الفائدة. كما كان سوق العمل الأمريكي ضعيفاً نسبياً، وهو ما أثار جدلاً حول خفض تكاليف الاقتراض.
قد تكون قصة إنفاق المستهلكين في أمريكا مثيرة للإعجاب، لكنها قصة غير متوازنة إلى حد كبير، فالارتفاع الحاد في أسعار الأسهم يعني أن أغنى الأمريكيين، الذين يميلون إلى امتلاك أسهم أكثر بكثير من أي شخص آخر، يسهمون في دعم الاستهلاك. وأظهر بحث أجراه مارك زاندي، الخبير الاقتصادي في وكالة موديز، أن أعلى 10% من السكان من حيث الدخل مسؤولون الآن عن حوالي نصف إجمالي الاستهلاك الأمريكي.
ويقدر زاندي ما يسمى تأثير الثروة بخمسة سنتات أي أنه مقابل كل دولار يكسبه الأمريكيون في سوق الأسهم، ينفقون خمسة سنتات. ويقول: من حسن الحظ أن طفرة الذكاء الاصطناعي حدثت خلال العام الماضي، فقد ساعدت على تخفيف تبعات التعريفات الجمركية وحملة ترامب على الهجرة. إنها سبب رئيس لعدم دخول الاقتصاد حالة ركود.
وكانت كل هذه أخباراً سارة بشكل خاص للشركات التي تبيع السلع والخدمات الفاخرة. فقد صرحت شركة دلتا للطيران الأسبوع الماضي أنها تتوقع أن تتجاوز إيرادات مبيعات منتجاتها المميزة، مثل تذاكر الدرجة الأولى، إيرادات تذاكر الدرجة السياحية العام المقبل.
كما أفادت شركة مرسيدس-بنز بأن مبيعات التجزئة لسيارتها جي-واجن، التي يبدأ سعرها من 148,250 دولاراً أمريكياً، قد ارتفعت بنسبة 41% خلال العام حتى تاريخه، مقارنةً بزيادة قدرها 6% في مبيعات الشركة إجمالاً في الولايات المتحدة.
لكن الفئات الأكثر فقراً بدأت تعاني الآن مع انخفاض فرص العمل التي توفرها الشركات الأمريكية، ولذلك حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، من اقتصاد يقوم على انخفاض معدلات التوظيف وتراجع عدد المفصولين من العمل.
ويراقب الاقتصاديون الآن انخفاضاً في سوق العمل، والذي قد يكون راجعاً إلى ضعف الطلب أو حملة قمع الهجرة. وتشير مصادر بيانات أخرى إلى أن العمال الأقل أجراً في أمريكا - وهم الأكثر عرضة لتأثيرات الانكماش في الدورة الاقتصادية - يشهدون الآن نمواً أقل في الأجور مقارنةً بذوي الدخول الأعلى. وتُظهر أرقام بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أنه في أغسطس، شهد الربع الأدنى من العمال ارتفاعاً في متوسط الأجور بنسبة 3.6%، مقارنةً بنسبة 4.6% لأصحاب الدخول الأعلى.
وحتى لو بدت المتوسطات جيدة، فإذا نظرنا إلى السكان ذوي الدخل المنخفض - ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في كل مكان - نجد أنهم يعانون لأن التضخم له تكلفة باهظة فيما لم ترتفع الأجور بالقدر الكافي. ومن المتوقع أن تشتد معاناة ذوي الدخل المنخفض العام المقبل، مع تطبيق قانون الضرائب لإدارة ترامب، القانون الكبير والجميل.
ويقدر مكتب الميزانية في الكونجرس، وهو الجهة الرقابية المالية، أن التخفيضات الضريبية ستزيد الأغنياء ثراءً لكن على حساب أفقر الأمريكيين. كما ستؤدي تخفيضات التأمين الطبي وكوبونات الطعام إلى انخفاض موارد العُشر الأدنى من توزيع الدخل في الولايات المتحدة بمقدار 1600 دولار سنوياً.
في المقابل، يُتوقع أن تشهد فئة أعلى 10% زيادة في مواردهم بمقدار 12000 دولار سنوياً، وفقاً للتقرير. وهناك كذلك مخاوف واسعة النطاق، بما في ذلك بين المسؤولين الحكوميين، من أن يُفاقم الذكاء الاصطناعي الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
ناصر ماهر يهنئ دونجا عقب إعلان خطوبته فى حضور مصطفى شلبى.. صورة...
المعلومات الرقمية ركيزة أساسية لرسم السياسات وتنفيذها وتقييمها...
مصر تسحب 17 مليون عبوة أدوية منتهية الصلاحية...
ابتكار ثوري... اليابان تكشف عن أول غسّالة آلية للبشر...
حياة مارتن سكورسيزي في وثائقي.. الكاهن والمدمن الذي أنقذه روبرت دي ن...
فيديو .. استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في قطاع غزة...