
حياة مارتن سكورسيزي في وثائقي.. الكاهن والمدمن الذي أنقذه روبرت دي نيرو
هذا الوثائقي، الذي يُعرض حصريًا على أبل تي في بلس ابتداءً من 17 أكتوبر، لا يفتح فقط "صندوق باندورا" لأسراره الخاصة من طفولة لم تكتمل في طريق الكهنوت، إلى تفاصيل غير مسبوقة عن ارتدائه سترة واقية من الرصاص في حفل الأوسكار، بل يكشف أيضاً عن الرؤية الدينية التي حولت العنف السينمائي إلى فن روحاني.
إنه نظرة أساسية وعميقة إلى العقل الذي لم يكتفِ بإعادة تشكيل سينما القرن العشرين، بل جسّد صراع الإنسان الأبدي بين الخطيئة والخلاص.
يتناول هذا الوثائقي الجديد حياة مارتن سكورسيزي خلف الكواليس؛ من هو الإنسان، ونظرته للحياة، وفلسفته وأدبه. فكل شيء يبدو كشريط سينمائي أمامه، بدءاً من اقترابه من الموت بسبب المخدرات وصولاً إلى الرؤية الدينية التي تشكل أعماله.
الخطيئة والخلاص
رجل قصير القامة، وتجاعيد وجه ناعم، يرتدي دوماً نظارات طبية تساعده على رؤية ما بعد المشهد بصورة واضحة. يبحث دوماً عن الجدلية، لا يعترف بعادات أو تقاليد، ينتقد الكنيسة ومهووس بفكرة الخطيئة والخلاص، يطارد أسئلة وجودية في أعماله، ويمتاز بحركة الكاميرا الحية والسريعة، والمونتاج المتقطع الذي يمنح مشاهده طاقة خاصة.
وُلد مارتن سكورسيزي في الـ17 من نوفمبر 1942 في كوينز بنيويورك لأبوين هما تشارلز وكاثرين سكورسيزي. عمل كلا الوالدين في منطقة الملابس إضافة إلى كونهما ممثلين.
وكانا مهاجرين من جزيرة صقلية الإيطالية، مما يعني أن سكورسيزي كان من الجيل الأول من الأميركيين، ومن ثم كان في وضع أفضل من والديه لتحقيق الحلم الأميركي كما رآه مناسباً - وهو المسعى الذي سيصبح موضوعاً رئيساً في أعماله.
بعد انتقاله إلى حي ليتل إيطاليا في مانهاتن قبل فترة وجيزة من التحاقه بالمدرسة، نشأ سكورسيزي كطفل مريض - فقد منعه الربو الحاد من ممارسة الرياضة، لذا كان يذهب إلى السينما بدلاً من ذلك.
كانت أسرة سكورسيزي كاثوليكية محافظة، وكان مارتي الصغير يخطط في البداية أن يصبح كاهناً عندما يكبر. ولكن بعد حضوره عرض فيلم "بلاك نارسيسوس" (Black Narcissus) عام 1947، وجد نفسه مهووساً بالسينما بشدة. بدأ في اتباع نظام غذائي ثابت من الأفلام - معظمها من الملاحم التاريخية والواقعية الإيطالية الجديدة لإنغمار بيرغمان وفيديريكو فيلليني.
وعد دي نيرو
في عام 1968، أكمل سكورسيزي أول فيلم روائي طويل له بعنوان Who's That Knocking at My Door وأثناء العمل على هذا المشروع، التقى هارفي كيتل الذي سيشاركه في كثير من المشاريع المستقبلية، إضافة إلى ثيلما شونميكر التي تعاون معها لأكثر من 50 عاماً.
بحلول أواخر السبعينيات، كان مارتن سكورسيزي قد انغمس في حفلات هوليوود لدرجة أن جسده تدمر بسبب المخدرات، و نُقل إلى المستشفى وهو يعاني من نزيف داخلي، يقول سكورسيزي في السلسلة الوثائقية الجذابة "السيد سكورسيزي" للمخرجة ريبيكا ميلر: "كنت أموت"، ثم جاء صديقه روبرت دي نيرو إلى سريره وحثه مرة أخرى على صناعة فيلم كان يدفعه إليه، والذي كان سكورسيزي يرفضه بإصرار.
يتذكر سكورسيزي: "نظر إليّ وقال: 'ماذا بحق الجحيم تريد أن تفعل؟ هل تريد أن تموت هكذا؟'. وهكذا انطلق العمل على فيلم "الثور الهائج"، و تنتهي القصة بسعادة، مع صور لسكورسيزي ودي نيرو وهما يرتديان قمصان هاواي في جزيرة سانت مارتن الكاريبية، حيث ذهبا للعمل على سيناريو بول شريدر للفيلم الذي أصبح الآن كلاسيكياً.
صراع القديس
تضيف والتفاصيل التي يقدمها سكورسيزي طبقة جديدة على قصة حياته، تؤكد إيزابيلا روسيليني، الزوجة الثالثة لسكورسيزي، أن "مارتي هو قديس و خاطئ" فهو قديس في بحثه عن الخير والشر، ولكنه يتصرف بشكل سيئ أحيانا، ما يبرز بقوة هو صورة فنان مهووس بالخيارات الأخلاقية.
وتضيف : تدور جميع أفلامه تقريباً حول وجهة نظر فردية، ولا يرغب سكورسيزي في ترك وجهة النظر هذه من أجل العاطفة أو التصحيح السياسي. ولا تدور حول أحداث ضخمة تغيّر الحياة وترسل شخصياته في مغامرات محددة، فهو معروف في الواقع بعدم اهتمامه بالأفلام التي تعتمد على السرد الروائي، ما يريدنا أن نراه هو تأثير البيئة المتغيرة في شخصياته الثابتة.
لقد درس لفترة وجيزة ليصبح كاهناً، ويستمر هذا التساؤل الأخلاقي في التغلغل في أفلامه، يقول عن سنوات إدمانه: "المشكلة هي أنك تستمتع بالخطيئة"، إن استخدامه للمصطلحات الدينية، وقوله إن موهبة صناعة الأفلام هي "صلة دينية"، "شيء مقدس"، يكشف كيف يرى العالم،وقد ساعدت هذه الرؤية في تحويل السينما بأفلام مثل "سائق التاكسي" و"الأصدقاء الطيبون" التي مزجت الأسلوب الحركي بفهم غريزي لتيارات السلوك السيئ.
إلهام الطفولة
توضح الحلقات الأولى التأثير الدائم لسنوات سكورسيزي التكوينية في حي "إيطاليا الصغيرة"،أصبحت شخصية "جوني بوي" المتهورة لروبرت دي نيرو في فيلم "الشوارع الخسيسة" مستوحاة جزئياً من عمه جو "الحشرة" سكورسيزي، أبقاه الربو في الداخل ينظر من نافذة الطابق العلوي إلى الشارع، ولهذا، يقول سكورسيزي: "أحب اللقطات ذات الزاوية العالية".
نبوءة فنية
"يذكر الوثائقي أن مسيرته المهنية شهدت تقلبات كثيرة. فقد حثّه دي نيرو على صناعة فيلم "ملك الكوميديا" الذي كان كارثة في شباك التذاكر، واضطرب سكورسيزي نفسياً بسببه. لكن الفيلم، الذي يظهر فيه دي نيرو في دور "روبرت بوبكين" المهووس بمطاردة المشاهير، يُعتبر الآن عملاً لامعاً وسابقاً لعصره في تناوله للهوس بالشهرة والمعجبين.
وبعد عقد من الزمان، جعل الفشل التجاري لفيلمي "كوندون" و"إخراج الموتى" مسيرته المهنية، كما يقول، 'ميتة مرة أخرى'. لكن ليوناردو دي كابريو كان لديه النفوذ اللازم لتصوير فيلم "عصابات نيويورك"، مما عكس هذا الانحدار الأخير."
لغز الأوسكار
من السهل أن ننسى مدى الجدل الذي أثارته بعض أفلامه، ولا سيما "سائق التاكسي" وبطله ترافيس بيكل، يقول سكورسيزي إن الغضب والوحدة والشعور بأنه غريب عن المجتمع هو ما يربطه بترافيس بيكل.
وانفجر "سائق التاكسي" في عناوين الصحف في عام 1981 عندما أطلق جون هينكلي النار على رونالد ريغان. تأجل حفل الأوسكار، وتتذكر روسيليني أن سكورسيزي ارتدى سترة واقية من الرصاص لحضور الحفل.
حياة شخصية
لا يركز الوثائقي كثيراً على حياة سكورسيزي الخاصة؛ إذ يعترف بأن العمل جعله أباً غائباً عن طفليه الأكبر، وفي لفتة مؤثرة، تُدرج المخرجة ميلر صورة لزوجته هيلين، مشيرة إلى أنها شُخِّصت بمرض باركنسون.
هذه اللمحة عن حياته الشخصية اليوم هي أقصى ما يصل إليه الوثائقي من خصوصية.
لم يكتفِ سكورسيزي بتحويل السينما؛ بل عمل على حماية تاريخها. فقد أسس "مؤسسة الفيلم" للحفاظ على تراث الصور المتحركة وترميم الأفلام الكلاسيكية، وكثيراً ما أثار سكورسيزي الجدل حول رأيه بإنتاجات "مارفل". وفي مقالة نشرت له في "نيويورك تايمز"، ذكر "أن كثيراً من سلاسل أفلام " مارفل " صُنعت من قبل أشخاص موهوبين وفنانين حقيقيين، إلا أن الأفلام ذاتها لا تروقني ولا تناسب سني، وهذه مسألة أذواق وتفضيلات شخصية، ربما لو كنت أصغر سناً لأعجبني هذا النوع من الأفلام، بل ربما كنت سأرغب في صنع فيلم بنفسي".
وأضاف "أن أفلام 'مارفل' ليست مثل أفلام المخرجين المستقلين الآخرين مثل ويس أندرسون، كلير دينس، سبايك لي، أو حتى بول توماس أندرسون"، موضحاً "عندما أشاهد أفلام المخرجين الذين ذكرتهم، أعلم أنني سأرى شيئاً جديداً ومختلفاً بكل تأكيد، سيأخذني إلى عالم وتجربة لم أكن أتوقعها"، أما في حال أفلام "مارفل" فالأمر يشبه تقديم الشيء نفسه مراراً وتكراراً.
قرى البابا
وعلى صعيد آخر، يقف مارتن سكورسيزي وراء مشروع وثائقي شخصي وثقافي بعنوان "القرى: قصة جديدة" (Aldeas – A New Story)، هذا الفيلم يسجل آخر مقابلة مع البابا فرانسيس الذي توفي في 21 أبريل 2025.
الفيلم، الذي أنتجته شركة سكورسيزي سيكيليا بروداكشنز، يستكشف العلاقة الفلسفية بين المخرج والبابا، المتجذرة في إرث إيطالي مشترك والتقدير للسرد القصصي كبوصلة أخلاقية.
كما يركز الوثائقي على شبكة الشباب العالمية "سكولاس أوكورينتيس" التي أسسها البابا، ويتتبع ثلاثة من "القرى" الثقافية التابعة لها في إندونيسيا، وغامبيا، وإيطاليا.
وعلى الرغم من ترشيحاته المتعددة، لم يحصد جائزة الأوسكار لأفضل مخرج إلا في عام 2007 عن فيلم "المغادرون"، وقد حاز على العديد من الجوائز، من بينها أربع جوائز بافتا وثلاث جوائز إيمي وجائزة غرامي، وثلاث جوائز غولدن غلوب.
هو يلخص شغفه بجملته الشهيرة: "لقد كانت حياتي كلها أفلامًا ودينًا. هذا كل شيء. لا شيء آخر."
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
(تمكين) تعلن انضمام شركة دوو البحرينية لقائمة مزودي الخدمة المعتمدين ...
كيف تهدد اضطرابات النوم التوازن النفسي للأطفال؟...
أسباب ظهور مسامير القدم وكيفية علاجها بسهولة...
النائب الكابتن زهير محمد الخشمان يعزي الصحفي انس صويلح...
أفضل الأطعمة لتطويل وتقوية الشع...
جلالة الملك المعظم يتلقى برقيتي شكر جوابيتين من خادم الحرمين الشريفين ...