إشكالية اللغة والمكان

(MENAFN- Al-Bayan) منذ عقود كتب الروائي الإسرائيلي عاموس عوز في سيرته ((أسطورة الحب والظلام))، وهي سيرة ذاتية مترجمة إلى العربية، عن طفولته وصباه، وعن تاريخ عائلته القادمة من روسيا وطريقة استقرارهم..

كتب مشهداً صغيراً لكنه كاشف: (عن الراعي الفلسطيني وكيف أن جبنته ألذ وأرخص من الجبنة الإسرائيلية المغلفة بجودة عالية، إلا أن الوطنية تلزم الناس بعدم الشراء منه).

مثل هذا الاعتراف قرأه العالم لـ((عوز)) الذي كان يعيش منعزلاً في بيته يتفرج على تيارات الحياة وهو يسهب بسخرية في صورة دولته سلباً وإيجاباً، وهي حرية تبدو شائعة في الأدب الإسرائيلي ما دام صاحبها داخل الهوية، مزيلاً الأسيجة من خلال رؤيته وهو يسرد القضايا الإنسانية أمامه، ولم تقل دولته شيئاً، لأنه يبقى يهودياً وإسرائيلياً.

ولأن في إسرائيل يعيش أكثر من مليون ونصف فلسطيني، يتحدثون العبرية بجانب العربية، منهم من كتب باللغة العبرية، بوصفهم مواطنين إسرائيليين، هنا الصورة تتعقد حين يكون الكاتب فلسطينياً، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ويعيش داخل إسرائيل، هنا تتحول اللغة إلى معركة..

فقد كتب أنطون شماس بالعبرية في الثمانينيات، وفتح باباً لا يريده أحد مفتوحاً، وهو كيف يكون الفلسطيني مواطناً في دولة تعرف نفسها بأنها يهودية؟ وكيف يكتب بلغتها دون أن يتحول النص إلى ساحة اختبار متواصل؟ مثل روايته ((أرابيسك)) كشفت هذا التمزق، وكأن الكتابة بالعبرية بالنسبة له كانت طريقاً لفهم التناقض، لا للاعتذار عنه.

وفي الألفية الجديدة ظهر سيد قشوع، الكاتب الأكثر جرأة في تحويل سيرته الشخصية إلى مرآة لـ((غربة الداخل))، مثل أهم أعماله ((رقص العرب)) إلى مقالاته بالإنجليزية والعبرية..

تكشف هشاشة شاب عربي يعيش داخل مجتمع لا يمنحه اعترافاً كاملاً، لكن المجتمع في الوقت ذاته يطالبه بالاندماج الكامل، لنلاحظ لغة سيد قشوع ليست أداة سرد فحسب، بل مأزق هوية.

لهذا يبدو الإبداع الفلسطيني داخل إسرائيل محاصراً بجدار غير مرئي، أوله جدار التعبير، فكتاب الداخل يستطيعون الكتابة، لكنهم لا يتحركون بحرية كاملة، بدءاً من شروط النشر الرقمية اليوم.

والتي صارت أكثر صرامة، إذ يرفض بعض الناشرين الإسرائيليين نشر أي نص يمس بالدولة، بينما يعاد تدوير خطاب قديم يعود إلى بدايات الأدب الأوروبي حين صُوّر اليهود في الخيال الغربي كغرباء، وغير جديرين بالثقة.. وكأن هذا الإرث يُستدعى بالعكس، أي لتقييد الكاتب الفلسطيني.

هكذا يصبح الأدب مساحة شائكة، بين لغة تمنحك منبراً وتقيدك في الوقت نفسه، وبين هوية لا تقبل التنازل أمام الهويات الأخرى داخل الدولة، وتظل الإشكالية قائمة بين من يملك اللغة، يملك الرواية، ومن يملك الرواية، يملك المكان.

MENAFN19112025000110011019ID1110370457

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.