شرق أوسط في نظام جديد
وإعادة ترتيب أوراق دول الاتحاد الأوروبي بناء على معطيات سياسية واستراتيجية جديدة، وجهد جهيد تبذله روسيا في رسم ملامح عالم متعدد الأقطاب تواجه به الهيمنة الغربية، وحرب تجارية شعواء بين الصين وأمريكا يتكبد الجزء الأكبر من عنائها بقية دول العالم.
وصراعات بين دول وبعضها وأبرزها روسيا وأوكرانيا وغيرهما في داخل الدول، وأخرى يصعب تصنيفها وأبرزها حرب القطاع ومستقبل القضية الفلسطينية.
وكل ذلك مع بزوغ نجم الحروب بالوكالة والميليشيات والجماعات المسلحة المفتتة لنسيج الدول والمهددة لأمن واستقرار مناطق بأكملها، واحتقانات واحتكاكات وصراعات الدول الكبرى في حرب المعادن المحددة لمستقبل الطاقة والذكاء الاصطناعية والقوة العسكرية، والثورة التقنية الرهيبة التي تقول إنها بقدر ما تقضي على مهن وفرص وصناعات، بقدر ما تخلق أخرى، تشهد دول الأرض حراكاً عالمياً غير مسبوق.
وسواء كانت الدول تتابع المشهد من على مقاعد المتفرجين، أو من داخل ملاعب الحراك، فإن أكثر وأكبر ما يجمع بين الشعوب كلها هو عدم اليقين.
إنه عدم اليقين الناجم عن التغيرات الكبرى التي يصعب معها وضع سيناريوهات دقيقة وتصورات واضحة لما ستسفر عنه، وبالتالي تنظر شعوب الأرض للمتغيرات بعيون ملؤها القلق، وقلوب يغلب عليها الخوف.
كشف استطلاع رأي أجرته العام الماضي شركة جلوب سكان العالمية المتخصصة في البحوث واستطلاعات الرأي العام، عن أن ثمانية بين كل عشرة أشخاص في العالم يشعرون أنهم غير قادرين على مواكبة التغيرات السريعة من حولهم، وحين طلب منهم تحديد المتغيرات، قالوا إنها تشمل كل التحولات الجارية حولهم من سياسية واقتصادية وتكنولوجية واقتصادية واجتماعية وبيئية.
أخطر ما في الاستطلاع هو استخدام الكثيرين كلمة عجز لوصف مشاعرهم. في القلب من هذه التغيرات الأرقام التي تباغتنا بين حين وآخر عن أعداد الوظائف والمهن التي ستختفي، والأعداد الأخرى التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي والتطورات التقنية المتسارعة، فمثلاً تتراجع وظائف البيع بالتجزئة، ويتصاعد الطلب على وظائف النقل والتخزين وقيادة الشاحنات، وهلم جرا.
ورغم ذلك، يبقى القلق وعدم اليقين سيد الشعور العالمي، لا لاختفاء وظائف ومهن بفعل المد التقني فقط، ولكن لعمليات إعادة تشكيل العالم وقواه ومصالح أنظمته، وترتيب دوله، وصعود أيديولوجيات وهبوط أخرى، وما يتصل بذلك من تأثيرات اقتصادية بالغة على ملايين البشر.
نسبة معتبرة من هذه الملايين في الشرق الأوسط، إنها المنطقة التي مرت بعقود من المعاناة تارة بسبب مقاومة الحداثة والمضي قدماً، وأخرى تحت ضغط الجماعات والحركات المتلحفة بالدين.
وثالثة بفعل عجز أنظمة عن تحقيق الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية، ورابعة تحت وطأة النعرات الطائفية والنبرات الدينية التي تفرق وتفتت وتطارد الوهم، وخامسة بفعل حروب وصراعات تأبى أن تكتب كلمة النهاية وتصر على إبقاء فصولها مفتوحة.
في ظل حراك عالمي غير مسبوق يطال كل المجالات، تطل منطقة الشرق الأوسط بخصوصية علاقاتها المتشابكة بين المصالح الإقليمية والعلاقات الدولية، وتقارب التاريخ والثقافة وتشابه الثقافة وتطابق اللغة، وكذلك تسارع وتصاعد معارك وصراعات تمتد آثارها إلى المنطقة كلها، فتجمعها حيناً وتفرقها حيناً، حان وقت التعامل الواقعي مع عالم يتغير.
الإصرار على مواجهة طواحين الهواء عبث، وبناء نظام مستدام في الشرق الأوسط يستند فقط إلى اللغة والثقافة والمودة والمحبة يضرب الاستدامة في مقتل. شرق أوسط جديد قوي، يضمن مصالح دوله، ويضمن لنفسه مكانة متقدمة في نظام عالمي جديد يتطلب التعامل مع مصالح دول المنطقة بواقعية بعيداً عن الرومانسية، وعلاج الصراعات بالدبلوماسية والضغوط، وتعزيز الاقتصاد.
واعتناق مبدأ التطور التقني والاستثمار في رأس المال البشري، والتوقف عن اللجوء لأسلحة النعرات الطائفية وخلطة الدين بالسياسة الخطرة، واعتماد مبدأ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المناسبة لكل دولة. هذا ما تطمح إليه الشعوب، ويضمن شرق أوسط ذا مكانة في النظام الجديد.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
مطورو الهواتف المحمولة يدخلون عصرًا جديدًا من الحرية والإبداع بفضل أ...
الإمارات تتصدّر المنطقة في تبني ممارسات الحوكمة...
المغنيسيوم الغذائي.. سر التركيز والمزاج الجيد لدى الأطفال...
الكشف عن المبالغ التي سيدفعها مستخدمي طريق الحرانة - العمري...
ترامب: الاجتماع مع الرئيس الصيني كان نجاحاً كبيراً...
أربعة أندية تتأهل إلى دور ربع نهائي كأس خادم الحرمين...