من الأرض إلى الأثير.. حكاية إماراتية لامست القلوب في اليابان
وتُرسّخ في القلب. فما إن انتهت المراسم الرسمية، حتى بادرني وزير شؤون ((إكسبو 2025))، بابتسامة ودّية قائلاً: ((نأمل أن تؤكد دولة الإمارات مشاركتها في أقرب وقت)).
كانت تلك الكلمات البسيطة، في ظاهرها، بمثابة الشرارة الأولى لانطلاقة فصل جديد من العطاء والتعاون، تمثّل في تكليفي بمهام المفوض العام لجناح دولة الإمارات في ((إكسبو 2025 أوساكا))، وهي مسؤولية أعتز بها، وأحملها بكل فخر، لما تنطوي عليه من رمزية ودور استراتيجي في نقل قصة الإمارات إلى العالم، بلغة تتجاوز الكلمات، وتخاطب الحواس.
منذ تلك اللحظة وحتى افتتاح جناح دولة الإمارات في 13 أبريل 2025، كانت الرحلة تجربة إنسانية ووطنية عميقة، تجلّت فيها أسمى معاني الالتزام وروح الفريق بكل تفاصيلها. لم تعد الاجتماعات مجرّد بنود على جدول أعمال.
بل تحوّلت إلى محطات لصياغة طموحات، وكل خطة إلى وعد نحمله أمام العالم، وكل نقاش إلى حجر أساس في بناء سردية وطنية مشرّفة. وحين افتُتحت أبواب الجناح، لم يكن ذلك مجرد حدث رسمي، بل لحظة فارقة، اختزلت شهوراً من المثابرة، وأحلاماً تتجاوز الأفق.
وعلى امتداد ستة أشهر، أصبح جناح دولة الإمارات العنوان الأبرز والأكثر تميزاً في ((إكسبو 2025 أوساكا))، مُستقطباً أكثر من خمسة ملايين زائر إجمالياً، ليُتوَّج الجناح الوطني الأكثر جذباً للزوار في هذا المحفل العالمي.
لطالما تميّزت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة واليابان بطابعٍ استثنائي، قائم على دعائم راسخة من الثقة المتبادلة، والقيم المشتركة، والصداقة المتينة.
وكنت على يقين بمكانة دولتنا في قلوب اليابانيين، غير أن ما شهدته خلال افتتاح جناح دولة الإمارات في ((إكسبو 2025 أوساكا))، فاق كل التوقعات، وترك أثراً بالغاً في نفسي.
فمنذ اللحظات الأولى، تحوّل الجناح إلى مساحة تفاعلية نابضة بالحياة، اجتمع فيها الزوّار من مختلف الأعمار والاهتمامات - من عائلات وطلبة ومهتمين - يتنقّلون بين محطاته بشغف وفضول، يتأملون قصة الإمارات، ويتعرّفون إلى ملامح رؤيتها وإنجازاتها، ويتفاعلون مع رسالتها الإنسانية.
في هذه الرحلة، تبلورت استمرارية مدهشة، نابضة بالمشاعر، جمعت خيوط الماضي بنبض الحاضر، في مشهد قلّما يتكرر. فمنذ أول مشاركة لدولة الإمارات في معارض ((إكسبو)) عام 1970، حين حمل جناح أبوظبي رسائل الطموح الوليد إلى العالم من قلب أوساكا، بدأت حكايتنا مع هذا الحدث العالمي.
واليوم، بعد 55 عاماً، يعود بعض من زاروا ذلك الجناح الأول – وكانوا آنذاك طلاب مدارس – ليطؤوا أرض جناح دولة الإمارات في ((إكسبو 2025 أوساكا))، وقد بدت الدهشة مرسومة على وجوههم، وهم يلمسون حجم التحوّل، وعمق المنجز، واتساع الرؤية.
لقد كانت مشاهدتهم وهم يُعيدون اكتشاف حكايتنا لحظة غامرة بالمشاعر، حين التقت ذاكرة الماضي بحيوية الحاضر، واختزل المشهد حواراً صامتاً بين جيلين اجتمعا في مكان واحد، حول قصة وطن صنع مستقبله بالإرادة والعمل.
وطوال ستة أشهر، شهد الجناح توافد الآلاف ممن لم يكتفوا بزيارة واحدة، بل عادوا مراتٍ عدّة، وبعضهم أكثر من أربعين مرة. لم تكن جاذبية الجناح تقتصر على التصميم أو المعروضات وحدها، بل في التجربة الغامرة التي قدّمها، ليتحوّل إلى مساحة إنسانية نابضة، اجتمع فيها الدفء الإنساني مع الفضول المعرفي، لتُنسج خيوط من الأُلفة الصادقة بين الجناح وقلوب زوّاره.
كان سفراؤنا الشباب في صميم التجربة الإماراتية في إكسبو، حيث جسّدوا بأخلاقهم المتميزة، وحماسهم الصادق، واحترافيتهم العالية، جوهر الضيافة الإماراتية وروحها الأصيلة.
لقد عبّروا عن وطنهم بثلاث لغات – العربية، والإنجليزية، واليابانية – ونجحوا في إيصال رسائل الدولة بأسمى صورها، لكن لغتهم الأبلغ كانت إنسانيتهم، وتعاطفهم، واحترامهم العميق للآخر.
وفي أعين آلاف الزوّار، لم يكن هؤلاء الشباب مجرد ممثلين لجناح وطني، بل مرآة لهوية إماراتية راسخة في صمودها، منفتحة في روحها، وطموحة في رؤيتها نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
جسّدت المساحات الداخلية لجناح دولة الإمارات رؤية متكاملة لوطن يروي للعالم قصته بثقة واعتزاز، حيث تآلفت خمس مناطق لتشكّل معاً سردية إماراتية نابضة بالمعاني والقيم. ففي منطقة ((جذور وطن))، احتفينا بإرثنا الثقافي ومسيرتنا الراسخة. بينما عبّرت منطقة ((مستكشفو الفضاء)) عن شغفنا بالمعرفة، وسعينا لتمكين الحياة في الأرض، وعلى امتداد الفضاء.
في حين جسّدت منطقة ((محفّزو الرعاية الصحية))، التزامنا العميق بصحة الإنسان ورفاهيته، وأبرزت منطقة ((أمناء الاستدامة)) مسؤوليتنا الجماعية تجاه كوكبنا ومستقبل أجيالنا.
أما منطقة ((إرث منسوج))، فكانت مساحة تفاعلية، اكتشف فيها الزوّار كيف يتداخل التراث الأصيل والحداثة، لتتشكّل ملامح الهوية الإماراتية المعاصرة. ومن خلال هذا التناسق، عبّرت مناطق الجناح عن رسالته الجوهرية المتمثلة في: تقدّمٌ يستمد جذوره من التراث، وينطلق بثقة نحو المستقبل، مدفوعاً بقوة الابتكار.
كان جناح دولة الإمارات أكثر من مجرد مساحة عرض تفاعلية، فقد احتضن لحظات إنسانية خالدة، وقدّم للزوّار تجربة ثقافية متكاملة، تجاوزت المألوف، ولامست القلوب.
إذ نجح مطعم الجناح في استقطاب الزوّار، ليس فقط بنكهات أطباقه الأصيلة، بل بما حمله من دفء الضيافة، وروح البيت الإماراتي. ومع كل صباح، كانت طوابير الزوّار تمتد أمام أبوابه قبل ساعات من الافتتاح، تعبيراً عن شغف حقيقي لتذوّق نكهات إماراتية، ربما لم يسبق لكثيرين منهم تجربتها من قبل.
وسرعان ما تحوّلت هذه التجربة إلى لحظة مشتركة من الاكتشاف والبهجة. عندها، بدا جلياً أن الضيافة الإماراتية، بكل بساطتها وصدقها، تظلّ من أبلغ رسائلنا إلى العالم.
جسّدت التجارب الثقافية في جناح دولة الإمارات، عمق الانتماء، وأبرزت البُعد الإنساني المتأصل في نسيج المجتمع الإماراتي، إذ تحوّل الجناح بفضل عروضه الفنية، وتفاعلاته الإبداعية، وفعالياته المجتمعية، إلى مساحة نابضة بالحياة، تعبّر عن روح وطنٍ يزهو بتنوّعه.
ويزداد قوة بانفتاحه، ويستشرف المستقبل بعقلية جامعة ورؤية استباقية. ورغم تنوّع البرنامج اليومي وتجدّده، بقيت الرسالة الرئيسة ثابتة لا تتغير: لحظات تربط بين الشعوب بما يجمعهم من قيم إنسانية مشتركة، تتجاوز الحدود وتُقرّب المسافات.
ما ترك في نفسي الأثر الأعمق، لم يكن فقط ما عايشته في أوساكا، بل الطريقة التي وصلت بها حكايتنا إلى قلوب الناس في الدولة. فقد كانت الرسائل تتوالى من الأصدقاء، والزملاء، وأفراد العائلة في الإمارات.
يرسلون صوراً ومقتطفات من تغطيات إعلامية ومنشورات على منصات التواصل، يعبّرون فيها عن فخرهم، واهتمامهم، وانغماسهم العاطفي في تفاصيل رحلتنا، وكأنهم يعيشونها معنا، لحظة بلحظة، رغم آلاف الكيلومترات التي تفصلنا.
ومع كل رسالة، كنت أستشعر عمق الرابط الذي يجمعنا. لقد أدركت أننا لا نروي قصة الإمارات وحدنا، بل نعيشها جميعاً، نحن هناك وهم هنا، مترابطين بقلب واحد، وروح وطنية واحدة، تتجاوز المسافات، وتعمّق الإحساس بالانتماء.
سيبقى الثالث عشر من أكتوبر محفوراً في ذاكرتي، كأحد أكثر الأيام وقعاً في مسيرتي، لا لأنّه كان ختام المعرض فحسب، بل لما حمله من مشهد إنساني نادر.
فرغم إغلاق الجناح أبوابه رسمياً، ظل الزوّار واقفين عند مدخله، ليعبّروا عن امتنانهم. لقد صفقوا بحرارة لفريق العمل وهو يغادر للمرة الأخيرة، وعبّروا له عن مشاعرهم بكلمات ونظرات يصعب وصفها. كانت لحظة تجلّت فيها أسمى معاني التقدير والاحترام والتواصل الإنساني العابر للثقافات.
وفي تلك الليلة، بدا الطريق القصير إلى مكان إقامتي، وكأنه أطول رحلة قطعتها، محمّلة بثقل الشعور بأننا لا نودّع مكاناً فحسب، بل نودّع تجربة شكلت جزءاً من ذواتنا، وكأننا نترك خلفنا قطعة من القلب.
كان تكليفي بمهام المفوّض العام لجناح دولة الإمارات في ((إكسبو 2025 أوساكا))، تجربة مهنية استثنائية، شكّلت منعطفاً محورياً في مسيرتي. لم تكن مجرد مهمة لتمثيل الدولة في محفل دولي، بل كانت فرصة حقيقية لنسج حكاية وطن تأسس على جذور راسخة، ويحمل في قلبه طموحاً لا تحدّه حدود، ويمضي بخطى واثقة نحو المستقبل.
كانت التجربة شهادة حيّة على إيمان الإمارات العميق بأن التفاهم الإنساني، والحوار الصادق بين الثقافات، ليسا ترفاً دبلوماسياً، بل ضرورة حضارية، ومسار لا غنى عنه لصياغة غدٍ أكثر إشراقاً وعدالة للإنسانية جمعاء.
كلما استرجعت تفاصيل هذه الرحلة، يملأني شعور عميق بالامتنان لقيادتنا الرشيدة، على رؤيتها السديدة، وثقتها التي منحتنا القوة لنمضي بثبات وإيمان. ولزملائي وشركائي، على تفانيهم وإخلاصهم اللا محدود.
ولشعب اليابان، على كرمهم ودفء مشاعرهم التي لامست أعماق القلوب. ولكل زائرٍ خطى داخل جناحنا، وتفاعل مع رسالتنا، وترك فينا أثراً لا يُنسى، سيبقى محفوراً في الذاكرة بكل فخر.
قد تكون أبواب الجناح قد أُغلقت، لكن قصته ما زالت حيّة... تنبض في كل ابتسامة صادقة تقاسمناها، وفي كل رابط إنساني وُلد من لقاء عابر، وفي كل حوار أطلق شرارة الإلهام.
وانطلاقاً من شعار ((من الأرض إلى الأثير))، تمضي حكاية الإمارات بثبات... بلغة التفاهم والتعاطف، وبإيمان راسخ أن المستقبل لا يُبنى بالانغلاق، بل بالانفتاح، لا بالحواجز، بل بالروابط التي تعمّق إنسانيتنا وتوحّد مصيرنا.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
مطورو الهواتف المحمولة يدخلون عصرًا جديدًا من الحرية والإبداع بفضل أ...
الإمارات تتصدّر المنطقة في تبني ممارسات الحوكمة...
المغنيسيوم الغذائي.. سر التركيز والمزاج الجيد لدى الأطفال...
الكشف عن المبالغ التي سيدفعها مستخدمي طريق الحرانة - العمري...
ترامب: الاجتماع مع الرئيس الصيني كان نجاحاً كبيراً...
أربعة أندية تتأهل إلى دور ربع نهائي كأس خادم الحرمين...