اتفاق أم فوضى.. مسارات التوتر الأمريكي الإيراني

(MENAFN- Al Watan) تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران مرحلة دقيقة من الترقب بعد الحرب القصيرة التي اندلعت في يونيو الماضي بين طهران وتل أبيب، والتي استمرت 12 يوماً بدعم أمريكي مباشر لإسرائيل. هذه المواجهة العسكرية المحدودة، أعادت طرح السؤال الأهم في المنطقة: هل يمكن لواشنطن وطهران أن تتوصلا إلى اتفاق شامل يحد من التوتر، أم أن المنطقة تتجه نحو فوضى متقطعة؟
حيث يشير مراقبون إلى أن وقف النار في غزة فتح نافذة جديدة للدبلوماسية الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترمب، الذي يسعى إلى توظيف زخم التسويات الجزئية نحو صفقة إقليمية أوسع تشمل احتواء إيران. ومع ذلك، فإن المشهد الجيوسياسي الراهن يعجّ بالشكوك المتبادلة والمصالح المتضاربة التي تجعل أي تسوية شاملة محفوفة بالمخاطر.
مساران متناقضان
وتواجه العلاقات الأمريكية – الإيرانية مفترق طرق حقيقي، يتمثل في مسارين رئيسيين:
الأول، اتفاق كبير وجميل يضمن مكاسب إستراتيجية واقتصادية متبادلة ويعيد دمج إيران تدريجياً في النظام الإقليمي.
والثاني، توازن داخلي سام يكرّس الجمود والشكوك المتبادلة، ويجعل المنطقة عرضة لانفجارات دورية من الصراع العسكري.
السيناريو الأول
ويُعد هذا المسار الأكثر طموحاً والأقل احتمالاً، لكنه يحمل فرصاً تاريخية لإعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط. حيث يتطلب الاتفاق تقديم تنازلات جوهرية من إيران، في مقدمتها خفض مستوى تخصيب اليورانيوم إلى حدود الاستخدام المدني (3.6%) والخضوع لرقابة مشددة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى الحد من دعمها لوكلائها الإقليميين مثل حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية.
وفي المقابل، ستكون الولايات المتحدة مطالبة بتقديم ضمانات قوية بعدم الانسحاب من الاتفاق، وتقييد أي عمليات إسرائيلية عسكرية أحادية ضد إيران، إلى جانب تخفيف تدريجي للعقوبات الاقتصادية ومنح طهران مساراً للاندماج في الاقتصاد الإقليمي.
ويتحدث مسؤولون أمريكيون سابقون عن إمكانية إنشاء مشروع نووي مدني مشترك خارج الأراضي الإيرانية، بمشاركة استثمارات خليجية، كحل يحفظ ماء وجه الطرفين. وقد طُرحت نسخة من هذه الفكرة قبل حرب يونيو لكنها قوبلت حينها بتحفظات إيرانية.
ضعف الثقة
ويقف أمام المسار الأول تحدٍ أكبر يتمثل في ضعف الثقة السياسية. فإيران تعتبر برنامجها النووي رمزاً للسيادة الوطنية وردعاً أساسياً لأي تهديد خارجي، بينما يرى واشنطن وتل أبيب أن التخصيب العالي يفتح الباب أمام إنتاج سلاح نووي. كما يخشى الحرس الثوري الإيراني من أن أي تقليص في القدرات العسكرية سيُضعف مكانة طهران الإقليمية.
ورغم ذلك، يرى محللون أن لدى ترمب وفريقه فرصة لبناء اتفاق مختلف إذا ما تمكنوا من تقديم حوافز أمنية واقتصادية ملموسة، خاصة بعد نجاحهم في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. فالاتفاق الشامل مع إيران، إن تحقق، قد يمنح ترمب مكسباً دبلوماسياً كبيراً قبيل الانتخابات ويُسجَّل له كأحد أكثر التحولات الجيوسياسية تأثيراً في الشرق الأوسط منذ عقود.
السيناريو الثاني
وفي المقابل، يبرز احتمال أكثر واقعية، يتمثل في استمرار حالة ((التوازن السام)) التي تتيح لكل طرف الحفاظ على مواقفه دون حل جوهري للأزمة. في هذا السيناريو، تبقى العقوبات قائمة، ويستمر البرنامج النووي الإيراني ضمن حدود ضبابية، بينما تبقى احتمالات التصعيد العسكري قائمة في أي لحظة.
وهذا التوازن القلق قد يدفع إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية جديدة داخل إيران في حال تجاوز طهران خطوطاً حمراء مثل منع مفتشي الوكالة الذرية أو رفع مستوى التخصيب مجدداً. وردّاً على ذلك، قد تختار إيران استهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة بعمليات غير متكافئة تشمل الهجمات السيبرانية أو استهداف السفن التجارية والمصالح النفطية في الخليج.
ومن جانب آخر قد تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة بين دعم حليفها الإسرائيلي واحتواء التصعيد. وتشير تقديرات عسكرية إلى أن تجدد المواجهة سيستنزف مخزون الأسلحة الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية، خاصة صواريخ ((ثاد)) و((آرو)) الاعتراضية، وهو ما يُعدّ تهديداً مباشراً لقدرات الردع في حال نشوب أزمات أخرى عالمية.
تراجع الكفاءة
وعلى الصعيد الداخلي، تواجه إسرائيل تراجعاً في كفاءة قوات الاحتياط واستنزافاً اقتصادياً متزايداً نتيجة طول أمد المواجهات. وتشير تقارير حديثة إلى انخفاض نسبة حضور تدريبات جنود الاحتياط إلى 60% فقط في منتصف عام 2025، ما يعكس إرهاقاً مجتمعياً وعسكرياً متصاعداً.
وفي المقابل، أعادت طهران هيكلة مؤسساتها العسكرية بعد حرب يونيو عبر إنشاء ((مجلس الدفاع الوطني)) لتسريع اتخاذ القرار في أوقات الحرب، وهو مؤشر على استعدادها المسبق لجولة جديدة من المواجهة. كما صرّح كبار مستشاري المرشد الأعلى بأن ((إيران ليست في هدنة، بل في مرحلة حرب مفتوحة))، ما يعكس تصعيداً في الخطاب الإستراتيجي واستعداداً للمواجهة الشاملة.
تداعيات ومخاطر
ويرى مراقبون أن استمرار التوتر دون حلّ نهائي يهدد المصالح الاقتصادية الأمريكية والدولية في المنطقة. فالحروب المتكررة أو التهديد بها يؤثران على حركة التجارة والطاقة، ويزيدان من مخاطر الملاحة في مضيق هرمز، حيث قد تلجأ طهران إلى استهداف الشحنات النفطية أو تهديد الممرات البحرية لرفع كلفة الضغوط الغربية عليها.
كما تشعر دول الخليج بقلق متزايد من أن أي صدام جديد بين واشنطن وطهران قد يمتد إلى أراضيها أو يؤثر على استقرارها الاقتصادي، لا سيما في ظل تجربة حرب يونيو التي شهدت سقوط صواريخ إيرانية قرب

أبرز السيناريوهات المحتملة
.اتفاق كبير وسلمي يحد من البرنامج النووي ويحقق اندماجاً اقتصادياً تدريجياً لإيران.
.توازن داخلي سام يُبقي حالة الشك والتصعيد المتقطع بين طهران وتل أبيب.
.تصعيد جديد يقود إلى مواجهة عسكرية واسعة أو انهيار جزئي للنظام الإيراني.
.تسوية إقليمية مرنة تستند إلى ضمانات أمنية متعددة الأطراف بقيادة واشنطن.

MENAFN06112025000089011017ID1110309007

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.