الأخبار الأكثر تداولاً

أمومة في الإبادة: معاناة النساء الفلسطينيّات من الحمل إلى الولادة

(MENAFN- Palestine News Network ) غزة /PNN/ شيماء أبو سعدة - تعيش الأمهات الفلسطينيات في ظل حرب الإبادة والحصار الإسرائيلي ظروفًا قاسية تتشابك فيها معاناة الجوع والنزوح والحرمان، بين خيام النزوح والمستشفيات المتهالكة، تكافح النساء للحفاظ على حياتهن وحياة أطفالهن وسط انعدام الرعاية الصحية ونقص الغذاءوالدواء، في مشهد يلخص أقسى صور الأمومة تحت النار.

تتراوح هذه التحديات بين صعوبة تأمين الغذاء والمياه الصالحة للشرب، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، إلى انعدام البنية التحتية الصحية، مع تدمير المستشفيات والمراكز الطبية في العديد من مناطق القطاع،كما أثرت عمليات النزوح المتكررة على قدرة النساء على الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، خاصة في مراحل الحمل والولادة، ما يزيد من خطر المضاعفات الصحية على الأم والطفل معًا.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني الأطفال حديثو الولادة من نقص حاد في الرعاية الطبية والتغذية، إذ يولد العديد منهم بوزن منخفض ويحتاج إلى متابعة دقيقة لا تتوفر في غالبية المرافق الصحية. ورغم هذه الظروف القاسية، تواصل الأمهات الصمود والمثابرة على حماية أطفالهن، والبحث عن أي سبيل لتأمين الغذاء والرعاية، مما يعكس حجم التحدي الإنساني الكبير الذي تواجهه العائلات في غزة.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن أزمة الغذاء والمجاعة تُلحق ضرراً بالغاً بالنساء الحوامل والمرضعات، حيث أظهرت بيانات حديثة أن أكثر من 40 في المائة منهن يعانين سوء تغذية حاداً.



رعاية صحية محدودة ومعاناة مستمرة

تعيش مها المدهون، وهي نازحة من خانيونس إلى دير البلح وأم لطفلين، تجربة حملٍ صعبة في ظل ظروف النزوح والحرب، تقول إنها في شهرها التاسع، وتشعر أن الوضع الحالي أفضل قليلًا مقارنة بالأشهر الماضية بعد السماح بدخول بعض السلع الأساسية من فواكه وخضروات ومواد تموينية، إلا أنّ معاناتها لا تزال مستمرة.

تروي مها أن الأشهر الأولى من الحمل كانت الأصعب، إذ عانت من التهابات ومضاعفات صحية بسبب نقص الأدوية والغذاء المناسب للحوامل، خصوصًا في فترة المجاعة التي شهدت انعدامًا في المواد الأساسية مثل الطحين والأرز. وتضيف أن الأطباء كانوا يحذرونها باستمرار من خطورة الوضع الصحي، داعين إلى تأمين الحد الأدنى من الغذاء رغم ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إليه.

توضح مها أنها لم تكن تتلقى أي رعاية طبية منتظمة في بداية الحمل بسبب تدمير معظم المستشفيات في خانيونس وشمال القطاع، وعدم توفر العيادات الطبية.

تقول: "كنا نعتمد على استشارات النساء الأكبر سنًا أو على ما نقرأه عبر الإنترنت لمعرفة كيف نحافظ على صحتنا خلال الحمل"، وتضيف أنه مع مرور الوقت، فُتحت بعض النقاط الطبية المؤقتة التي وفرت خدمات بسيطة للفحص والمتابعة، لكنها لا تزال محدودة جدًا.

أمهات يواجهن النزوح والجوع والخوف من الولادة المجهولة

في خيمتها الصغيرة وسط مخيم النزوح في المحافظة الوسطى، تجلس أسماء ناجي، وهي نازحة من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تحمل في أشهرها الأخيرة وتحيط بها ابنتاها الصغيرتان، تبدو ملامح الإرهاق واضحة عليها بعد رحلة نزوح طويلة وشاقة تقول إنها تكررت أكثر من عشر مرات منذ اندلاع الحرب.

تتحدث أسماء بصوتٍ متعب عن أبرز التحديات التي تواجهها اليوم، مشيرةً إلى أن التنقل والغذاء والأمان أصبحت من أكبر الهموم اليومية، خاصة في ظل الحمل والنزوح المستمر.



تروي:“في فترة المجاعة كان زوجي بالكاد يستطيع توفير الطعام للأطفال، فكيف لي أن أتناول ما أحتاجه؟ كنا نعيش على أطعمة بسيطة جدًا مثل الدقة والزعتر والمعلبات والفلافل، وكلها غير مناسبة لا لي ولا للجنين.”

وتعبر أسماء عن خوفٍ دائم من لحظة الولادة، فالمستشفى الأقرب إليها هو مستشفى العودة في النصيرات، والوصول إليه يحتاج وقتًا طويلًا وسط الازدحام وصعوبة المواصلات، مع انشغال سيارات الإسعاف في نقل الجرحى.

تقول بقلق: "أخاف أن تندلع الحرب من جديد وأنا على وشك الولادة، لا أدري كيف سأتصرف حينها." وتضيف أن أكثر ما يثقل كاهلها أيضًا هو ارتفاع الأسعار ونقص الحليب وحفاضات الأطفال، خاصة في ظل تهديد الاحتلال المتكرر بإغلاق المعابر، ما يجعل حياتها وحياة آلاف النساء الحوامل في غزة أكثر قسوةً وغموضًا.

بداية حياة جديدة في بيئة مهددة بالموت

في ركنٍ صغير من مخيمٍ يضجّ بالنازحين، تجلس مرام عيسى تحت خيمة مهترئة، تحتضن طفلها الذي وُلد وسط واحدة من أكثر الفترات قسوة في تاريخ غزة، تقول:“وضعت طفلي في ظروفٍ لا يمكن أن تُوصف، كانت ولادةً قيصرية مؤلمة، وبعد أسبوعٍ فقط جاءنا أمر النزوح، لم أكن قادرة على المشي، لكنني حملت جراحي وطفلي وخرجت كما خرج الجميع، لا نعرف إلى أين.”



وتابعت:“لم يكن لديّ أيّ من مستلزمات الطفل، لا حليب، لا ملابس، لا غطاء، كنت أخشى أن يموت من البرد بين يديّ. وفي فترة المجاعة، لم تسعفنا الحياة بشيء... لا طعام، ولا ماء، ولا حتى فرصة للنوم دون خوف.”

مرام ليست حالة استثنائية، بل واحدة من مئات الأمهات الفلسطينيات اللواتي أنجبن في زمنٍ لا مكان فيه للأمان،تقول وهي تشدّ طفلها إلى صدرها:“أصعب ما يمكن أن تمرّ به امرأة هو أن تُنجب طفلًا في حرب... أن تبدأ حياةً جديدة وسط الموت.”

تختزل هذه القصص وجع الأمهات في غزة، اللواتي يخضن معارك مزدوجة ضد الجوع والخوف، وضدّ واقعٍ يسلبهنّ أبسط حقوق الأمومة، فيما يواصلن التمسك بأملٍ ضئيل بأن يعيش أطفالهن ما حُرم منه جيلٌ كامل من الأمان والطمأنينة.

تدهور القطاع الصحي يفاقم معاناة الأمهات والمواليد

وصف الدكتور حمزة عماد من مستشفى ناصر في خان يونس، الوضع الصحي للأمهات في غزة بأنه "كارثي"، حيث يلدن وسط المجاعة والقصف وانعدام أبسط الخدمات الطبية.

وأوضح أن العديد من الأمهات يُضطررن إلى الولادة في ظروف غير آمنة بسبب نقص الكوادر والمعدات الطبية.

وأضاف: "نواجه انهيارًا شبه كامل في النظام الصحي، لا كهرباء كافية، ولا أدوية أو مسكنات، وهناك نقص في المعدات: لا توجد أجهزة مراقبة كافية، ولا حاضنات للأطفال الخدج وحتى الوصول إلى المستشفى أصبح صعبًا بسبب القصف ".

وأشار إلى أن سوء التغذية ونقص الفيتامينات لدى الحوامل والمرضعات أدى إلى تزايد حالات فقر الدم، وضعف المناعة، وتأخر التعافي بعد الولادة، بينما يُولد العديد من الأطفال بأوزان منخفضة ويحتاجون إلى رعاية خاصة لا تتوفر في أغلب المرافق الطبية حاليًا.

وأكد أن، استمرار نقص الدواء والغذاء يجعل الأمهات يعتمدن على وسائل بديلة غير آمنة، ما يفاقم من المشكلات الصحية ويؤثر على معدلات النمو والبقاء لدى المواليد الجدد.



منذ بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، وصل عدد الشهداء إلى 67,139 شخصًا، بينهم أكثر من 9,000 أم فلسطينية، كما استشهد 450 طفلًا رضيعًا فور ولادتهم، فيما بلغ عدد الأطفال دون عمر السنة الذين فقدوا حياتهم 1,015 طفلًا،وسجلت حالات الإجهاض بين الحوامل نتيجة نقص الغذاء والرعاية الصحية أكثر من 12,000 حالة، ويحتاج أطفال القطاع شهريًا إلى 250,000 علبة حليب يحرم الاحتلال إدخالها، في حين يواجه نحو 107,000 امرأة حامل ومرضعة خطرًا شديدًا جراء انعدام الرعاية الصحية الكافية.وفق مكتب الإعلام الحكومي بغزة.

تُظهر هذه الأرقام والقصص حجم الكارثة الإنسانية والمعاناة اليومية التي تواجهها الأمهات والأطفال في غزة، من نقص حاد في الغذاء والأدوية إلى محدودية الخدمات الصحية وغياب الأمن الغذائي. وسط هذه الظروف القاسية، يبرز صمود النساء الحوامل والمرضعات ورغبتهن في حماية أطفالهن وضمان استمرار حياتهم، ما يجعل من دعم القطاع الصحي والغذائي وتوفير الرعاية الطارئة أولوية ملحّة لإنقاذ حياة آلاف الأسر الفلسطينية.



MENAFN06112025000205011050ID1110302959

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.